رسائل من المستقبل لـ«بيتر ماكدونالد»

mainThumb
صورة متداولة

13-06-2024 08:35 PM

"هؤلاء الشّرقيون وُلدوا للموت. الموت ينبعُ مِن كلّ شيء فيهم، من النّظرات، من التّأمل الأبله، من الرخاوة. إنهم أموات بمعنى معين"، تكتُبُ الاستخباراتُ البريطانيّة لعميلها، الذي دسّته في إحدى دول (الشرق) من أجل التحكم بصفقات النفط، «بيتر ماكدونالد»، بطل رواية «سباق المسافاتِ الطويلة» التي لعبد الرحمن منيف.

لم يُشر منيف إلى البلد الذي تدور فيه أحداث الرواية، لكن آراءً ومقاربات نقدية رأتْ أنّ الأحداث تقع في إيران بعد قرارها تأميم النفط. والرّواية عبارةٌ عن مذكرات كتبها «بيتر ماكدونالد» المبعوث الاستخباراتيّ المُكلّف بمهمة الحفاظ على المصالح البريطانية في فترة تاريخية مُضطربة في إيران عقب تولي محمد مصدق رئاسة الوزراء.
كعادته، يمزجُ منيف الوقائع التاريخيّة والسياسيّة بالخيال الروائيّ. في هذا العمل كان البطل هو «الآخر» الذي يتجسد في «بيتر» لنُتابعَ معه رحلته في الشرق، ونتعرف على المنظور الذي يرى به العالمُ الغربيّ هذا الشرق.
"هل يتذكرون كم بذلنا من الجُهود والعَرَق لكي نصنع منهم بشرًا؟ لكنّهم شرقيون.. لا يعرف الإنسان متى يتلقى منهم الضربة". بهذا الأسلوب «الصّادم» يضع لنا الكاتب السعوديّ مرآةً نرى فيها صورتنا عند الغرب الذي نمجده نحن، ولا يرانا هو غير أرض خصبة من أجل استثماراته الماليّة ومخططاته الاستعمارية.
ما الذي جعلني أتذكر هذه الرواية التي قرأتها قبل أشهر؟، أُجيب: إنّها أغنية «تلكَ قضيّة» التي يغنيها مؤدي فرقة «كايروكي» المصرية، والتي يطرح فيها سؤالًا وجب التوقفُ عنده: "كيف أصدِّقُ هذا العالم؟".
أستمع للأغنية وأنا عائدة من عملي، فالعالمُ لم يتوقف حين التحق طفلٌ بطوابير الشهداء نحو السماء مقطوع الرأس الأسبوع الماضي، ولا حين أنهت قذيفةٌ حياة ولدٍ كانت لقمة الخبز لا تزال في فمه لم يبتلعها حتّى. هذا العالم الذي يطلب حُججًا ودلائلَ تثبت حدوث الإبادة الجماعية حتى بعد 250 يومًا منها. "إنّ الدم إذا بدأ في الشرق يصبح جريانه بسيطًا وعاديًا، ويمكن أن يتكرّر كلّ يوم"، هذه الجملة التي ينطق بها «بيتر» في الرواية لا تختلف أبدًا عن الموقف الفعليّ للغرب من دماءِ أطفال غزة.
"يساوي المقتول بالقاتل،
بشرفٍ ونزاهة وحياديّة
فتلكَ قضية.. وتلكَ قضية" يغنّي أمير عيد وأسرح في تفكيري.
من برجه العالي، يُكنُّ العالم الغربي نظرة استعلاء واحتقار واشمئزاز للشّرق، يبدو لنا ذلك جليًا في سياسته وإعلامه ورواياته الكاذبة وحقائقه المُزوّرة. وما رواية عبد الرحمان منيف (التي كتبها خلال خمس سنوات 1974 - 1978) سوى تنبؤ مستقبليّ لما سيكون عليه شكل العالم: سباق مسافاتٍ طويلة يفوز فيه صاحب النفس الأطول والمراوغ الأفضل. لكن، على حساب مَن؟ يبقى السؤال معلّقًا.. ويكرّر نفسه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد