السوسنة تتبّع رحلةَ هجرةِ الأردنيين إلى أميركا وتكشف تفاصيل مروعةً ووضعًا قانونيًا معقدًا

mainThumb
شبان أردنيون أثناء الرحلة في إحدى مناطق غواتيمالا (عدسة السوسنة )

12-06-2024 10:29 AM

عمّان- لندن – كولومبيا – بنما – كوستاريكا- نيكاراغوا – هندوراس – غواتيمالا- المكسيك – أميركا : تحقيق خاص بـ«السّوسنة»: طايل الضامن ومراسلون :
عشراتُ آلافِ الأردنيين، «تقول إحصائيةٌ غيرُ رسميّة إنهم تجاوزا الـ 80 ألفًا»، غادروا المملكة إلى ما يرونَ أنّها «أرضُ الفرصِ والأحلام»، عبرَ رحلةٍ تحفّها، من كلِّ جانب، الأخطار؛ هربًا من واقعٍ ارتفعت فيه نِسَبُ البطالة، وخَفَت فيه بصيصُ الأمل لدى الشّبان، الذينَ رأوا في «المجهولِ» فرصةً لمستقبلٍ يرونه، حسبَ تعبيرهم، أكثر إشراقًا.
كثيرٌ من الشباب الأردنيين في مختلف المحافظات غادروا أرض الوطن، ومثلهم شبابٌ من مختلفِ الدّول العربيّة، سبَروا أغوار هذه الرحلة الخطيرة، ومنهم من نجحَ في الوصول إلى مبتغاهم في الولايات المتحدة الأميركية، ومنهم مَن ينتظر عبر الرّحلة الطويلة، فيما لا يزالُ آخرونَ يدرسونَ الفكرة ويبحثونَ عن المزيد من الأجوبة والتفاصيل، قبلَ أنْ تأتي الانتخاباتُ الأميركيّة بالتغيير في وضعِ الهجرة والحدود، لو فازَ ترمب وحزبُه الجمهوريّ بها.
تبدأ الرحلة من الأردن إلى مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة، مرورًا بنحوِ عشرة دول، أغلبها يتمُّ قطعها بطرقٍ غير قانونيّة (تهريب)، وتحفّها المخاطر والعذابات ما بين العطش والجوع والخوف، كما تستخدم فيها وسائل النقل الحديثة والبدائية بأنواعها المختلفة، مرورًا بالجبال والأدغال والأنهار، والارتهان لعصابات تهريب البشر، في دولٍ الجريمةُ فيها منظمةٌ وتشكّل أحدَ مصادر الدّخل الأساسيّة.
الخطوة رقم واحد
«السوسنة»، تبدأ تحقيقها في رحلة الوصول إلى أميركا من النقطة الأولى، أو الخطوة رقم واحد كما يروق للمهاجرين الأردنيين تسميتها، وهي البحثُ عن شخصٍ «محترف» في حجز تذاكر السفر، وربطها بعضها ببعض إلى دول أميركا اللاتينية، بل إنّ كثيرًا من مكاتب السفر بدأت تستغلُّ الفرصة وتروج عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعيّ للإسراعِ في الحجزِ إلى دولة نيكاراغوا قصدَ السياحة، بأسعار متفاوتةٍ تتعدى، في معظمها، ألفي دينار أردني.
«السوسنة»، زارت مكاتب سياحة وسفر، رفض أغلبُها الحديث في الموضوع، فيما قال عاملون في القطاع "إنّ النقطة الأولى تبدأ في حجز تذاكر من الأردن وصولًا إلى نيكاراغوا في قارة أميركا الوسطى جوًا عبر رحلة تستمرّ لنحو أسبوعين، وبعد ذلك تبدأ مرحلة ثانية تتولاها عصاباتُ تهريب البشر عبر وسائل النقل كافة الآمنة والخطيرة، دون أيِّ إرتباط لمكاتب السياحة بهذه العصابات".
مصدر يعملُ في قطاع السياحة، فضل عدم ذكر اسمه، قالَ لـ«السّوسنة» إنّ "الرحلةَ تبدأ بالمغادرةِ من عمّان إلى العاصمة البريطانيّة لندن، والتي تعد الوجهة الأولى في هذه الرحلة المعقدة، خاصّة بعد أن سمحت السلطات هناك مؤخرًا للاردنيين بولوجِ أراضيها عبر تصريح السّفر الإلكترونيّ المعروف اختصارًا بـ(ETA)".
وأضاف المصدر وهو صاحب مكتب سياحة وسفر، أنّ "مكتبه يشهد إقبالًا كبيرًا"، مُقدِّرًا العدد بـ"أكثر من 80 ألف شابٍ غادروا الأردن في مسارِ هذه الرحلة"، ومبينًا أنّ "دور مكتبه يقتصر فقط على حجز التذاكر وربطها ببعض عبر رحلات الترانزيت وصولًا إلى نيكاراغوا، وحجز الغرف الفندقية في دول العبور، ولا علاقة له بعد ذلك بمسارات الرحلة التي يتولاها آخرون في المكسيك لهم «سماسرة» في الأردن يتفقون معهم على تسلم المال والتسليم عبر حوالات مالية مختلفة".
الاتّفاق: سمسار دوليّ
استطاعت «السّوسنة»، أن تتواصل مع أبو إبراهيم، ( اسم مستعار لشخصية حقيقية) الذي هاجَرَ ابنه عبرَ هذه الطّريق، ووصل أخيرًا إلى الولايات المتّحدة، وقال: "إنّه سمع عن الرحلة ونسب نجاحها العالية من أصدقائه، وقرّر بعد دراسةٍ واستطلاع أن يموِّلَ رحلة نجله البكر العاطل عن العمل، فحجز تذاكر الطيران والفنادق من خلال مكتبٍ متمرِّس بهذا الشأن، انطلاقًا من عمّان إلى لندن ثم على التوالي كولومبيا، بنما، كوستاريكا، نيكاراغوا"، و"في هذه الدولة ينتهي مسار الرحلة الجويّ، وبكلفة مالية وصلت الى 2800 دينار أردني" حسبَ ما قال.
ويتابع أبو إبراهيم حديثه مع «السّوسنة»، فيقول: «تبدأ من ماناجوا عاصمة نيكاراغوا المرحلة الثانية والخطيرة التي تقودها عصابات التهريب، متبعة الطرق والوسائل البريّة المختلفة قاطعة آلاف الأميال، إلى هندوراس ثم عبورُ غواتيمالا، فالمكسيك"، وأضافَ أنّه "قد تواصل مع سمسار دوليّ من أصولٍ عربية في المكسيك عبر وسطاء، يتولّى مهمّة نقلهم من نيكاراغوا حتّى مدينة تخوانا المكسيكية المتاخمة لحدود ولاية كاليفورنيا غربًا".
ويقول أبو ابراهيم، إنّ "هناك خيار آخر يمكن من خلاله الاتفاق مع الوسطاء، على تفاصيل ومراحل الرحلة كافة، في حين يدفع معظم المبلغ للسمسار الأصلي في المكسيك بالدولار الأميركي"، وقدر أبو ابراهيم كلفة الرحلة كاملة بـ"ما بين تسعةٍ إلى عشرةِ آلافِ دينار أردني".
الرّحلة
«السوسنة»، تواصلت مع الشاب إبراهيم (22 عامًا) – اسم مستعار لشخصية حقيقية - وتابعت معه مسار الرّحلة ابتداءً من عمان، وانتهاءً في سان دييغو في ولاية كاليفورنيا، عبر تقنية الاتصالات الحديثة بالصوت والصورة، والتقت عددًا من المهاجرين الأردنيين في تلك الرحلة، التي نبدأ سردها وفق خطوط سيرها بالترتيب.
الهبوط في لندن
أقلعت الطائرة من عمّان، وهبطت في مطار لوتن في المملكة المتحدة، في أحدِ أيام شهر مايو (أيار) الماضي، وتم إجراء اللازم وختم الجوازات في المطار، واستفسر الأمن البريطاني عن أسباب الزيارة وأجابه أنّه جاء بهدف السياحة، وكان لديه حجز لمدّة أسبوعٍ في أحد فنادق مدينة ليفربول. وعند سؤاله عن تاريخ العودة وكيفيتها، أخبرهم أنّه سيغادر بعد أسبوع إلى تركيا، كما سأله الضابطُ البريطانيّ عن المبلغ الماليّ الذي بحوزته وعن طبيعة عمله، فأجاب إنّه يملك 6 آلاف دولار ويعمل ميكانيكيًا، ثم قال له: أهلا بك في بريطانيا وختم له الجواز ودخلَ الأراضي البريطانية.
وأضاف المهاجر إبراهيم لـ«السّوسنة»: "نزلنا في أحد فنادق لندن، منطقة هيثرو، وأمضينا ثمانية أيام، بانتظار مواعيد الطائرة المتجهة إلى كولومبيا في أميركا اللاتينية، وبعد انقضاء الأيام الثمانية ذهبنا إلى مطار هيثرو، وركبنا الطائرة وهي تابعة لإحدى الشركات الأميركية في رحلة استمرت 11 ساعة إلى بوغوتا عاصمة كولومبيا".
الهبوط في بوغوتا
هبطت الطائرة في مطار بوغوتا، بعد عناء وطول انتظار، ويقول إبراهيم إنّه "يجب أن يكون مع المسافر إلى دول أميركا اللاتبنية كرتُ تطعيمٍ ضدّ الحمى الصفراء، والذي حصل عليه من الدوائر المختصة في الأردن"، مضيفًا أنّ "مدة الترانزيت كانت في بوغوتا ساعتان، وتمّ الانتقال إلى طائرةٍ تابعة لشركة أخرى بعد أن أطّلع رجال المطار على جوازات السفر وكرت المطعوم".
الهبوط في بنما
"هبطت بنا الطائرة التابعة لخطوط كوبا إيرلاينز في بنما سيتي فجرًا، في رحلة ترانزيت لمدة خمسين دقيقة، إطّلع خلالها أمن المطار على جوازات السفر وكرت المطعوم، وتمّت المغادرة جوًا إلى كوستاريكا"، حسبَ ما روى إبراهيم.
الهبوط في سان خوسيه
"هبطت الطائرة التابعة لشركة كوبا إير لاينز في مطار سان خوسيه عاصمة كوستاريكا، وأمضوا ساعة كاملة داخل الطائرة دون النزول منها، حيث تم تنزيل وتحميل ركاب ثم أقلعت الطائرة إلى نيكارغوا"، وفق إبراهيم.
الهبوط في نيكارغوا
"هبطتْ الطائرةُ في مطار العاصمة ماناجوا، في رحلة استمرت ساعةً ونصف الساعة، حيث وزع القائمون على الطائرة أوراقًا على الركاب لكتابة المعلومات الشخصية، ثمّ تمّ النزول من الطائرة إلى قسم الجوازات في المطار، ووقفنا في طابور، حيثُ بَصَمنا ودفعنا 160 دولارًا أميركيًا رسوم تأشيرة دخولٍ وغيرها، وحصلنا على التأشيرة في ورقةٍ منفصلة، بعد ذلك تم تفتيشنا شخصيًا وتفتيش أمتعتنا" يقول إبراهيم.
يتابع إبراهيم: "بعد ختم الجوازات استقبلنا شابٌ يحمل جنسية نيكارغوا، وهو أحدُ عملاء الشبكة الدوليّة لتهريب البشر، وكان يرفع صُوَرنا على الهاتف، والتي أرسلتْ إلى الوسيط الرئيسيِّ في المكسيك وبدوره أرسل صورنا للعملاء في الدول التي سنعبرُ من أراضيها، وركبنا معه في سيارةٍ، وهي عبارة عن تكسي أجرة، وذهبنا إلى فندقٍ، ثمّ التحقَ بنا ستة أشخاص مهاجرين من الأردن ونحنُ كنّا اثنين، واستقلينا سيارتين في رحلة برية متواصلة استمرّت ستَّ ساعات إلى حدود الهندوراس".
العبور إلى الهندوراس
"عند الحدود نزلنا من السيارتين، والتقط السائقُ صورةً جماعية لنا، وأمضينا ليلتين في استراحةٍ هي عبارةٌ عن غرفةٍ بسقف زينكو، وبعد يومين أرسلَ لنا الوسيط في المكسيك مقطع فيديو، فيه رسالةٌ عن آلية الدخولِ إلى الهندوراس وحدَنا دونَ مرافقٍ من الشبكة، وقمنا بناءً على الخطة المرسلة لنا بالفيديو باجتيازِ الحدود سيرًا على الأقدام لمدة 15 دقيقة، وعثر علينا في الهندوراس شابٌ من شبكةِ التهريب يملكُ صورنا على هاتفه، وركبنا في حافلةٍ عمومية برفقته، لمدة نصف ساعة ونزلنا ثم ركبنا في سيارتين إلى مزرعة، حيثُ أخذ عملاء شبكة التهريب جوازات السفر وختموا إقاماتٍ لنا عليها في الهندوراس".
يتابع إبراهيم: "سرنا بالسيارات لمدة ثلاثِ ساعاتٍ إلى تيجوسيجالبا عاصمة الهندوراس، حيث أمضينا ليلتين في فندق متدني المستوى، ومن ثمّ خرجنا فجرًا في حافلة عمومية إلى سانبيدروسولا، وهناك عثرت علينا فتاة تملك صورنا عضوة في شبكة التهريب، حيث أخذت المجموعة إلى المطعم لتناول الفطور، ومن ثم إلى حافلة عمومية في رحلة استمرت ساعة وربع الساعة إلى منطقة بورتوكورتس قرب البحر، ثم ركبنا حافلةً أخرى برفقة الفتاة حيث كانت الحافلة مزدحمة وبعضنا ركب واقفًا لمدة ساعتين إلى حدود غواتيمالا".
العبور إلى غواتيمالا
وعند الوصول إلى الحدود، يقول إبراهيم، "ركبنا درجاتٍ من ذواتِ العجلات الثلاث، وذهبنا إلى بيت صغير محاذٍ للحدود استرحنا فيه لمدة ساعة، ودفع كلُّ واحد منا 1500 دولارٍ للمهربين، وبعد ذلك ركبنا درجاتٍ نارية لمدة ساعةٍ بين جبالٍ وأودية محاذية للأنهار في غابات كثيفة، وصولًا إلى مزرعةٍ ولا نعلمُ اسمَ تلكَ المنطقة".
ويتابع: "وبعد ذلك ركبنا في قاربٍ بدائي لمدة 20 دقيقة في أحد الأنهار، اجتزنا خلالها حدود غواتيمالا، ودخلنا أراضيها بسلام، حيث كان ينتظرنا شخصانِ في سيارةِ دفع رباعيّ (بِكَمْ صغير)، وركبنا في الصندوق الخلفي لمدة نصف ساعة إلى مزرعةِ موز، والتي سرنا فيها سيرًا على الأقدام لمدة نصف ساعة، ومن ثم ركبنا في شاحنةٍ ونمنا في الصندوقِ الخلفي لإخفاء أجسادنا عن الشرطة لمدة ساعتين، وصولًا إلى مزرعةٍ أخرى أمضينا فيها خمس ساعات، وبعد ذلك ركبنا حافلةً كبيرة بعد منتصف الليل لمدة 5 ساعات، إلى محطة حافلات في إحدى مدن غواتيمالا، واستلَمَنا شابٌ آخر من شبكة التهريب، وركبنا في باص (كوستر) خاص إلى مكان انتظرنا فيه أشخاصٌ آخرون من عدّةِ دولٍ بنفس وضعنا (مهاجرون)، وجمعونا معًا وسرنا بالباص لمدة ست ساعات، وعندَ كلِّ دوريةِ سير توقفنا كان الشاب المرافق ينزل ويدفع للشرطيّ المال، ونمضي قُدُمًا في رحلتنا، علمًا أنّ مسألة الرشاوي منتشرة في الدول التي زرناها".
العبور إلى المكسيك
ويكمل إبراهيم سردَ تفاصيل الرحلة، فيقول: "وصلنا إلى الحدود بينَ غواتيمالا والمكسيك، وأمضينا ليلةً هناك، وفي الصباح جاء شابٌ إلينا، وركبنا في قاربٍ بدائيّ في النهر لفترة قليلة، وانتظرنا وصول شاب آخر برفقته مجموعة من الأشخاص، ومن ثمَّ ركبنا في عددٍ من سيارت الدفع الرباعي (البكمات) لمدة أربع ساعات ونصف الساعة في صناديقها الخلفية، دخلنا في تلك الرحلة إلى المكسيك، حيث وصلنا إلى مزرعة أمضينا فيها ستَّ ساعات، وبعد ذلك صعدنا في (بكم) في الصندوقِ الخلفيّ، وتمّ وضعُ غطاءِ (شادر)؛ حتّى لا نظهر للشرطة، لمدة ساعتين ووصلنا إلى مزرعةٍ عبارة عن مكرهةٍ صحيّة، مليئة بالسحالي ذات الحجم الكبير وغير المألوف لنا، والخنازير والضفادع والفئران أو الجرذان كبيرة الحجم، من الساعة السابعة صباحًا إلى الواحدة ليلاً مع تشويشٍ على شبكة الإنترنت فيها، لم نستوعب ما نحنُ فيه إنْ كان واقعًا أو حلمًا".
وفي تلك المزرعة، يتابع إبراهيم، "جمع عناصر شبكة التهريب حوالي 50 شخصًا وأحضروا حافلة تتسع لــ22 راكبًا صعد فيها الجميع بمن فيهم أنا، في رحلةٍ استمرت 19 ساعة ونصف الساعة إلى مدينة كنكون المكسيكيّة، اتسمت بالمعاناة والعذاب والجوع والعطش، ولم تخلو من الخوف بطبيعة الحال. وفي كنكون نزلنا في مزرعةٍ مزودةٍ بمرافقَ مقبولة، وأمضينا فيها خمسة أيام ، حيث تم تقسيمُنا إلى مجموعات، وكان المهربون يحضرون لنا الدجاج والأرز والمعكرونة والبيض والخبز ونحن نقوم بالطبخ بأنفسنا، وهناك دفع كلُّ واحدٍ منا ما بين 5 – 6 ألاف دولار، وهي الدفعة الثانية والأخيرة لأحد عناصر شبكة التهريب".
يكمل: "وفي تمام الساعة السادسة من صباح اليوم الخامس، حضرت سيارة تكسي، وركبت بها مجموعتنا، وكنا خمسة أشخاص إلى مطار كنكون، وقمنا بإجراءات المطار حيث كان أحد المهربين قد حجزَ لنا التذاكر، وأقلعت بنا الطائرة من كنكون إلى مطار العاصمة مكسيكو سيتي في رحلة استمرت ساعتين ونصف الساعة".
وفي مطار كنكون يقول إبراهيم إنه قد حدث معه موقفٌ طريف، عندما كانوا متجمّعين بأعداد كبيرة وسط مخاوف رفض رحلتهم، تم المناداةُ عليه لركوب الطائرة، وعندما سمع الناسُ اسمه صاحَ عليه البعض.. «أنت من الأردن»، ليكتشف أنّ أعدادًا كبيرة في المطار من الشباب الأردنيين وينتظرون دورهم للمغادرة، وقال "لم التفت والتحقت بالطائرة سريعًا حتى لا تتم إعادتي" .
ويضيف: "من ثمّ أمضينا في مطار مكسيكو سيتي 4 ساعات، وأقلعت بنا الطائرة في رحلة استمرت ثلاثَ ساعات ونصف الساعة، إلى مطار مدينة تخوانا. وفي تخوانا سلّمنا الجوازات لأمن المطار نحن وجميع ركاب الطائرة، وبعد حدودِ ساعةٍ تقريبًا أعادوا لنا الجوازات، وخرجنا من المطار، ثمّ اتصلنا مع أحد المهربين الذي زوّدنا بعنوان الفندق، وأرسل لنا تاكسي أوصَلَنا إلى الفندق مقابل مئة دولار. ووصلنا الساعة 11 ليلًا، وانتظرنا شاب من شبكة المهربين الذي دفع أجرة الفندق، وأمضينا ليلةً وغادرنا فجرًا بإحدى السيارات إلى الحدود المكسيكيّة الأميركية في الشّمال الغربيّ للمدينة".
العبور إلى أميركا
يتابع إبراهيم: "هناك، تم تسليمنا من قِبَلِ إحدى الفتيات العاملات في شبكة التهريب إلى جماعةٍ في إحدى المزارع المتاخمة للحدود، حيث ركبنا في سياراتٍ نوع (جي إم سي) ذاتِ دفعٍ رباعيّ، وساروا بنا وكان عدُدنا 30 شخصًا بعددٍ من تلك السيارات، وبسرعاتٍ عاليةٍ جدًا، بين الجبال والأودية والأدغال وصولًا إلى آخر نقطة تقعُ بين الحدود، وبعد ذلك نزلنا وطلبوا منا عبور الحدود ركضًا لعدة دقائق، بدايةً برفقة أحد أعضاء شبكة التهريب إلى حدِّ السياج (الشيك) الفاصل بين البلدين، ودخلنا بسلامٍ عبر رحلةِ سير على الأقدام لمدة ساعةٍ ونصف الساعة ما بين المشي والركض، وعند اجتيازنا الحدود وجدنا مقرًا تابعًا لدائرة الهجرة الأميركية مزودًا بالمرافق العامّة، ومياهِ الشرب والأدوية وكاميرات المراقبة، وخلال نصف ساعة حضر موظفو الهجرة الأميركيون إلينا بواسطةِ حافلاتٍ كبيرة، ركبنا معهم إلى مقرٍ تابع لهم في ولاية كاليفورنيا".
ويقول: "عند وصولنا، صادروا جميع ما نملك من حقائب وهواتف وتركونا بملابس خفيفة، وصوّروا جوازات السفر، وأعطونا إسوارة إلكترونية على اليد مزودة بكودٍ خاصٍ بكل شخص، وأدخلونا في غرفِ انتظار لمدة 4 ساعات، وأحضروا لنا طعامًا هو عبارة عن سندويش فول وفاكهة التفاح، ومن ثمّ حضرت حافلات كبيرة وأخرجونا مكبّلي الأيدي، وأركبونا في هذه الحافلات وساروا بنا لمدة ساعتين، والأمتعة في حافلة منفصلة، ووصلنا إلى مكانٍ تابع لدائرة الهجرة، وتم عرضُنا على أطباء، حيث أجريت لنا فحوصاتٌ طبية، وبعدها خضعنا لعملية تفتيش شاملة، ومن ثمّ تم أخذ البصمة، والتقطوا صورًا شخصيّة للوجه، وقاسوا الوزن والطول، ومن ثم أخذوا جواز السفر والعنوان الذي سنذهب إليه في الولايات المتحدة، ومن ثمّ أعطونا ورقة عليها الاسم واسم الأم واللغة الناطق بها، وإذا كان عليك وشم أو لا، واذا كان لديك أمراض معدية، وتوقع عليها ومن ثم يتم وضعك في (كرفان)، فتتفاجأ بكمية الناس المتواجدة في هذا المركز الذي يضمُّ عددًا كبيرًا من (الهناجر) ويضم آلاف المهاجرين من مختلف الجنسيات".
ويتابع سرد الرحلة: "في (الهانجر)، يتم إعطاؤك غطاءً من القصدير وفراشًا رقيقًا جدًا، لتنام عليه، وسط أجواء باردة جدًا، حيث أمضينا ما بين يومٍ إلى يومين، في انتظار أن ينادوا علينا للتوقيع على معاملة من 4 ورقات، وأخذ عينة لعاب لفحص العامل الوراثي (دي أن ايه)، ومن ثم العودة إلى (الهناجر) تنتظر دعوتك من جديد، لأخذك في حافلةٍ والمجموعة التي تنتمي إليها، وترسلوا إلى جمعيةٍ خيريةٍ فيها فندق، حيث يتم إحضار طبيبٍ ومترجم، واطمأنوا على وضعنا الصحيّ، ومن ثم تُمنحُ ورقةً تتيح لك الإقامة في الفندق لمدة 48 ساعة، وبعد ذلك أنتَ مخيَّرٌ بين أنْ تمضي المدّة أو تغادر إلى مطار سان دييغو الدوليّ، للذهاب إلى وجهتك".
ويختم ابراهيم حديثه للسوسنة بالقول: "عند الخروج تُبرز تذكرة الطائرة التي حجزتها إلى وجهتك، ويعيدوا لك أمتعتك، ويعطوك ورقةً مثبتًا عليها موعد للمحكمة التي ستمثُل أمامها بصفتك مهاجرًا غيرَ شرعي، وهنا علينا أن نقوم بتوكيل محامي لمتابعة القضية". وأشار إلى أنّه "حجز تذكرة رحلةٍ إلى ولاية جورجيا حيث المكان المقصود الذي ذهب إليه لوجودِ أقربائه هناك".
الوضع القانونيّ للمهاجرين غير الشرعيين إلى أميركا
«السوسنة»، أجرت مقابلةً مع المحامي الأستاذ راتب الخصاونة، المتخصّص في قوانين الهجرة الأميركية منذ 35 عامًا، في مكتبه بمدينة كولومبوس بولاية أوهايو، للحديث عن الوضع القانونيّ للشباب الأردنيين المهاجرين بطريقةٍ غير شرعية، وبيان مستقبلهم في الولايات المتحدة الأميركية.
نحو 92 بالمئة من طلبات اللجوء يتمّ رفضها
المحامي الخصاونة قال: "راجعني كثيرٌ من الشباب الأردنيين المهاجرين بطريقةٍ غير شرعية عبر الرحلة الشاقة والخطيرة، والأغلبية يتم التعامل معَهُم من قِبل سلطاتِ الهجرة بطريقة سريعة بمنحهم ورقةً محددًا فيها موعدٌ للمثول أمام المحكمة، ونسبة قليلة يخضعون لمقابلةٍ مطولة، توجه فيها أسئلة مفصلة، مثل لماذا أتيت إلى هنا، وما هي المخاوف التي تمنعك من العودة إلى بلدك، وفي هذه المقابلة يجب أن تقتنع سلطات الهجرة بكلامك بنسبةٍ تفوق الخمسين بالمئة لتؤهل الشخص منحه حقّ اللجوء، وبالحالتين السريعة والمقابلة المطولة يتم تحويلهم إلى المحكمة" .
وبيّن المحامي الخصاونة أنّ "جميع الاشخاص الذين يدخلون بهذه الطريقة ليس أمامهم سوى التقدم بطلب لجوء سياسيّ أو عرقيّ أو لونيّ أو دينيّ أو اجتماعيّ، ويجب أنْ يكون للشخص طالب اللجوء حجة قوية حتى ينجح طلبه في المحكمة". وكشف المحامي الخصاونة في حديثه لــ «السّوسنة» أنّ "أغلبية الطلبات المقدمة من مختلف جنسيات العالم، لا تنجحُ بنسبة 92 بالمئة، والذين يحصلون على حقِّ اللجوء لا يتعدونَ نسبة 8 بالمئة فقط"، مؤكدًا أنّ "هذه النسب لم تتغير عبر مسيرتي المهنية الممتدة لــ 35 عامًا في الولايات المتحدة الاميركية، والعمل بقوانين الهجرة".
وتابع المحامي الخصاونة، "في حال أصدرت المحكمة حكمًا برفض منح اللجوء تقرّر ترحيل الشخص إلى بلاده، وهنا يمكن الطعن بالقرار حتى يحصل الشخص على الوقت ويبقى مدةً أطول في الولايات المتحدة، ويمكن أن يبدأ الوقت من سنتين ويستمر إلى ثماني سنوات أو عشر سنوات، حسب قضية كلّ شخص".
أمّا بالنسبة للشباب الأردنيين الذين دخلوا هذه الفترة، فقال: "كل شاب حسبَ وضعه أو حظه في المحكمة، فمن الممكن خلال سنتين أنْ يحسم أمره قضائيًا بالرفض، ويكون أمامه سنتانِ أيضًا في محاكم الاستئناف".
لا يوجدُ حلّ قانونيّ ولا حتّى بالزواج
وتحدث المحامي الخصاونة عن قضية حساسة يسأله عنها كثير من الشباب الأردنيين عما إذا كان الزواج من فتاةٍ تحمل الجنسية الأميركية يجعله يعدِّلُ وضعه القانونيّ، ويمكِّنه من الحصول على إقامةٍ دائمةٍ ومن ثمّ جنسيّة، فالجواب هو "لا" بكلِّ تأكيد اذ يجب أن يكون الشخصُ حاصلًا على تأشيرةِ دخول (فيزا) حتى يتمكَّنَ من التقدم للإقامة والجنسية، وهذه النقطة يجب أن يعرفها الشباب قبل أن يخاطروا ويبدأوا بهذه الرحلة الشاقة والصّعبة، والتي يتعرضونَ فيها للكثير من المخاطر والسّرقة ومنهم من نام في الصحراء لعدة أيام ومنهم من سرقت وثائقه ومنهم أمواله" حسبَ قوله.
وقال: إنّه "لا يوجد حلٌّ قانونيّ آخر يمكن مساعدة الشباب فيه، مما يدفعهم إلى الاستسلام للأمر الواقع بأنْ يمضي عامين أو أربعة أعوامٍ أو أكثر، يعمل خلالها ويجمع مبلغًا من المال ويعود به إلى بلده".
وعن آليّة تقديم اللجوء قال: "بعد خمسة أشهرٍ نقدم الأوراق للمحكمة، ويحصل فيها الشخص على رقم وطني وبطاقة عمل ويستطيع التنقل بين الولايات، ويصبح وضعه شبه قانوني مؤقتًا حتى تبت المحكمة في طلبه إمّا بالترحيل أو منحه اللّجوء. ولا يمكنه السّفر خارج الولايات المتّحدة".
وبخصوص قرار إغلاق الحدود مع المكسيك، الذي أصدره الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام، قال المحامي الخصاونة لــ«السّوسنة» إنّ "الوضع الآن أصبح مؤسفًا، إذْ يوضعُ الشباب في معتقلاتٍ بولايتي لويزيانا والمسيسبي لعدّة أشهر، وتعقد لهم محكمةٌ، ويصدر قرار ترحيلهم دون أنْ يدخلوا الولايات المتحدة الأميركيّة.. بعد أنْ تكبّدوا عناءَ السّفر والرحلة الشّاقة".

الموقف الرسمي :

لم يصدر عن الحكومة الأردنية أي موقف حول القضية، وأنتهجت مبدأ الصمت إزاء مهاجرة عشرات آلاف الأردنيين في هذه الرحلة الخطرة، وحاولت السوسنة الاستفسار من وزارة الخارجية عن مدى متابعة القضية، لا سيما عبر السفارة الأردنية في واشنطن.
لم تحصل السوسنة على أية اجابة رسمية، في خطوة تعد "المواصلة" في الموقف الصامت من هذه القضية المعقدة التي كانت معدلات البطالة المرتفعة في البلاد، الدافع الرئيسي لها .





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد