هكذا ببساطة .. هكذا بوقاحة ..

mainThumb

07-06-2024 09:10 PM

 

في سياقِ احتدامِ المعركة الانتخابيّة بينَ الرئيس الأميركي الحاليّ بايدن، وسَلَفِه ترمب، خرجَ بايدن، قبل نحو خمسة أشهر من الانتخابات، بمقترحٍ أو مبادئ كما أسماها (الجمعة الماضية) وقرارٍ صعب (الثلاثاء الماضي) كما وَصفتْه إدارته. ولا أظنُّ أنّه من الممكن إلّا قراءتهما في سياقٍ واحدٍ، هو سياقُ المعركة الانتخابيّة الداخليّة.

المقترحُ الذي أعلنَ عنه بايدن، لإنهاء الحرب الإسرائيليّة على قطاعِ غزّة، والذي قالَ إنّه مقترحٌ «إسرائيليّ»، لا يختلفُ حسبَ ما تسرّبَ لوسائِل الإعلام عن المقترحاتِ السّابقة كثيرًا، ومع أنّ مصدره «إسرائيليّ»، إلّا أنّ دولة الاحتلالِ لم تصدر أيّ موقفٍ بالموافقة رسميًا عليه، بل إنّه أثار موجة من ردود الأفعال والأخذ والرّد، وبين «حانا ومانا» ضاعت آمال الفلسطينيين، في حين أنّ التّصور الأميركي الحقيقيّ لإنهاء الحرب كما عبَّر عنه غيرَ مرّةٍ بايدن (الذي لا يرى أنّ الاحتلال يرتكب أيّة إبادة جماعيّة في غزّة)، هو أنْ تقوم حماس بتسليم الأسرى المحتجزين لديها، وينتهي كلّ شيء. هكذا ببساطة.. هكذا بوقاحة القويّ.
وبالتّالي، فإنّ إعلان بايدن، وما تبعه من تحشيد دوليِّ لهذا الإعلان، وما تلاه من محاولة لرمي الكُرة في ملعبِ الفلسطينيين (أو في ملعب حماس)، ما هو إلّا مناورة تعطي المزيد من الوقت لدولة الاحتلال، وتُحسّن فرص بايدن الانتخابيّة، تمامًا كما هو توقيعه على القرار أو (الإجراء التنفيذيّ) بــ«إغلاقِ الحدود مع المكسيك»، الذي اعتبره بعضُ الديمقراطيين تخليًا عن تعهدات الحزب تجاه اللاجئين، في حين رآه الجمهوريونَ غيرَ كافٍ للحدِّ من الهجرة، التي يعتبرها 27 بالمئة من الناخبين الأميركيين أهمّ قضيّة تواجه البلاد وفق استطلاعٍ لمؤسّسة «غالوب» نهاية إبريل الماضي، وأنّ القرار ما هو إلّا خدعة انتخابيّة، في حين وصِفَ أنّه محاولة لسحب الورقة الانتخابيّة الأهم من يد الجمهوريين. أمّا حيثيات القرار التنفيذيّ فمازالت ضبابيّة، كما هي ضبابيّة المبادئ والرؤى الأميركيّة.
هذه الضّبابيات كلّها لا تُنتِجُ حلولًا، ولا تؤخذ على محمل الجد، ولا يبدو أنّ الولايات المتّحدة أصلًا لديها القدرة حاليًا على إرساء أيّة حلول في الشرق الأوسط. وتبقى احتماليّات توسّع الحرب الإسرائيليّة نحو لبنان متسارعة، والثّابت الذي يكادُ يتّفق عليه الجميع (بما في ذلكَ بعضُ «الإسرائيليين»)، أنّ «نتنياهو» ومن معه من اليمين المتطرف لا يُريدون أنْ يتوقّفوا، ولا يُريدُون.. لهذه الحرب أنْ تنتهي، وأنّه لم يعد بالإمكان كبحُ جنون التّوحش هذا.
مرّت قبل يومين «ذكرى» نكسةِ حُزيران 67، وما أكثرَ نكساتِنا وانتكاساتنا الطويلة والممتدّة، ومرّت مسيرة الأعلام السّنويّة في القدس، ودخلَ المتطرّفونَ المستوطنون إلى المسجدِ الأقصى، ودخل جيش الاحتلال رفح وكلَّ شبرٍ من غزّة، وتمرُّ كلّ هذه الأشياءِ كأنّها لا تَعني أحدًا، ولا تهزُّ مشاعر أحدٍ، أو... لأنّ المسلمين، كما أخبرني شابٌ ذاتَ مساء، ينتظرونَ وعدَ الله ونزول «المهدي» ونهاية العالم، وهذا هو الحلُّ الوحيد للقضيّة الفلسطينيّة، أمّا الآن فليسَ إلّا الدّعاء والانتظار. وتلكَ الساعة، ولغاية الآن لم أجد لديَّ تعليقًا على ما قال.
وعودةً إلى مسيرة الأعلام، ففي كلِّ مرّة تنطلقُ فيها هذه المسيرة في القدس، أجدني أفكّر في أنّ ثمّة نسقًا في المتخيّل الجمعيّ لسكان دولة الاحتلال، يتعلّق بإدراكِ المحتلّ أنّه محتل، وهو يتجلّى في عدد من التّصرفات أبرزها مسيرة الأعلام كمسيرة ذات بعد رمزيّ معنويّ تهدف (للتأكيد على سيطرة «الدّولة المزعومة» على جزءٍ من دولتها!)، بوجهة نظرهم. لكنّه في الحقيقة ينبع من شعور المُحتل أنّه مُحتل، وبالتّالي هو بحاجة لإثبات قوّته، ووجوده، وسيطرته. لا أعرف إن كنتُ أوضّح الفكرة بشكلٍ كافٍ ومفهوم. ما أريد قوله أنّه لا يوجد دولة سويّة ذات سيادة نابعة من حقّها الطبيعي بأرضها تقوم بإدخال جنود جيشها إلى أحد (المعابد) الدينيّة لمجرّد إثبات ملكيّتها لهذا المكان، حيثُ تصبح الصّلاة خطرًا على كيانها، ولا توجد دولة تستمر بالتّأكيد على مظاهر سيادتها بمسيرة ترفع أعلامها على أرض تعلن أنّها أرضها تاريخيًا، ولا يوجد دولة سويّة تخاف من عَلَم، ولا يُوجد دولة سويّة يهرب ملايين من سكّانها إلى دولهم الأصليّة بمجرّد اندلاعِ نزاعٍ أو حرب، و(...).
إنّ هذه التّصرفات كلها برأيي ترجع لتعمّق واستمرار شعور الاحتلال أنّه احتلال، وأنّه مغتصب لهذه الأرض من سكّانها الأصليين، وليس له حق الملكيّة لا التاريخيّة ولا القانونيّة لها، ولا الدينيّة حتّى. بل هو تملّك بالقوّة، ولم تنجَح السّنوات كافّة التي تلت نكبة 48، في تحويل التَملك إلى قناعة بالملكيّة حتّى عند أفرادها. هذا مجرّد تفكير بصوت عالٍ ربّما يحتاج التّأطير والتّوضيح أكثر فيما بعد (...).



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد