نتنياهو في ضواحي فرنسا ..

mainThumb

02-06-2024 10:06 PM

قناة LCI الفرنسية الإخبارية الخاصة لم تشأ التغيّب عن مناخات الاستعداء التي تستعر اليوم في فرنسا ضدّ فلسطين والفلسطينيين، فكان أن منحت بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، منبراً مفتوحاً عبر شاشتها. ليس لاستغفال عقول الفرنسيين، وتكديس المزيد من الأكاذيب، وتزييف حقائق ساطعة لكلّ ذي بصر، فحسب؛ بل، كذلك وأساساً، كي يحرّض الفرنسي على الفرنسي، ويغذّي المستويات الأقبح من خطوط الانعزال والشعبوية والعنصرية.
ففي خطّ أوّل، تقصّد نتنياهو عقد مقارنة بين التهديد الذي ينطوي عليه إنشاء أية دولة فلسطينية، وبين تهديد الضواحي وتجمعات الهوامش السكانية في فرنسا؛ على نحو يصعب أن تخفى تلميحاته العنصرية الصرفة، سواء انبثق التهديد من فلسطيني غير يهودي أو من فرنسي ذي أصول مهاجرة عربية أو أفريقية أو مسلمة. وليست هذه هي المرّة الأولى التي يعمد فيها نتنياهو إلى إهانة الضواحي الفرنسية، إذْ سبق له أن أعلن أنّ «داعش» على مبعدة 20 كلم من العاصمة الفرنسية، على مسمع ومرأى الرئيس الفرنسي الذي لاذ بالصمت، هو اللاهث مثل غالبية زعماء الديمقراطيات الغربية إلى «حجيج» التأييد لحرب الإبادة الإسرائيلية.
وفي خطّ ثانٍ، أدهى وأعلى عنصرية وأشدّ خبثاً، صرّح نتنياهو بأنّ «انتصارنا هو انتصاركم! إنه انتصار الحضارة اليهودية ـ المسيحية ضدّ البربرية. إنه انتصار فرنسا!»؛ وذلك ضمن توقيت شهد استنكار العالم بأسره جريمة قصف مخيمات النازحين في رفح، وحرق العشرات أحياء؛ وسجّل اضطرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى طلب مذكرات توقيف بحقّ نتنياهو، على خلفية ارتكاب جرائم حرب؛ كما شهد ويشهد المزيد من تظاهرات التضامن الشعبية الفرنسية، مع فلسطين عموماً وأهل قطاع غزّة خصوصاً؛ وترافق مع مبادرة دول أوروبية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية…
والحال أنّ نتنياهو يتغافل، عن سابق عمد وتصميم واستغباء للعقول، عن حقيقة مواقف حزب «الليكود» المتشنجة تجاه فرنسا، والتي بلغت مراراً شأو اتهام البلد ــ بأسره: شعباً وحكومة وثقافة وتاريخاً ــ بأنه الأكثر تجذراً وثباتاً في كراهية اليهود، و«البلد الغربي الأسوأ في ميدان العداء للسامية» حسب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق ميكائيل ملكيور. صهاينة آخرون يمكن أن يفترقوا عن هذا التأثيم لفرنسا، بالنظر إلى مكانتها الخاصة التاريخية التي تُعزى إلى قضية الضابط الفرنسي اليهودي ألفريد دريفوس، نهاية القرن التاسع عشر؛ التي لم تحرّض تيودور هرتزل على كتابة كرّاسه الأشهر «الدولة اليهودية» فقط، بل استقطبت ضمائر نافذة على شاكلة إميل زولا صاحب الصرخة الشهيرة: «إني أتهم!».
من جانب آخر فإنّ الركون إلى مقولة «التحالف اليهودي ـ المسيحي» باتت مستهلكَة مملّة خاوية، بعد أن تكفّلت حروب الإمبريالية المعاصرة بتجريدها من أيّ معنى جيو ـ سياسي أو ديني أو حضاري ملموس؛ وبالتالي لم يكن غريباً أنّ عدداً من اليهود النابهين، مفكرين وساسة وحاخامات أحياناً، حذروا من التأثيرات السلبية لاجترار المفهوم، لجهة تخفيض القيمة المعنوية لامتياز الضحية كما تزعم الصهيونية احتكاره.
وليس عجيباً، أيضاً، أن فرنسا تشهد اليوم استعادات، أكثر سخونة واحتقاناً، لتلك السجالات التي احتدمت مراراً حول أسئلة مثل: هل في وسع المرء أن يناهض السياسات الإسرائيلية، لدى حكومات «اليمين» أو «اليسار» أو «الوسط»، من دون أن يقع في محظور العداء للسامية؟ أكثر من هذا، هل في وسع يهودي ــ كاتب أو مؤرّخ أو صحافي أو مواطن عادي ــ أن يعترض على بربرية نتنياهو من دون أن يُلحق بالضواحي الفرنسية، حيث «التحالف اليهودي – المسيحي» يحارب «الدواعش»… أنصار الدولة الفلسطينية؟ وهل تظاهرة الآلاف أمام مبنى الـTF1، احتجاجاً على بثّ مقابلة مجرم الحرب نتنياهو، عداء للسامية بدورها، وإنْ خارج أحزمة الضواحي وفي قلب العاصمة؟

(القدس العربي)


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد