خرافة الزعيم الأوحد

mainThumb

02-06-2024 09:42 AM


من الذي رسّخ في وجدان الأمة أن البطولات والانتصارات يصنعها شخص منفرداً، حتى راحت أماني العاجزين تكبر يوماً بعد يوم، حالمة بقائد فذ يظهر فجأة وبصرخة واحدة تنتظم له الجيوش وتنصاع له "الدول" ويخلص الأمة من الضياع، ويعيدها إلى ضبط المبدأ!!

قد يكون من رسّخ ذلك هم كتبة التاريخ، أو رجال البلاط في الدول ذات الحكم المنفرد؟!! طبعاً هذه الميزة لا تتعلق بالعرب فقط، ولا أظن أنها من ثقافتهم، وما نقله التاريخ عن العرب أنه ساد في مجتمعهم هذه الثقافة، كان من نسج خيال القصاصين والإخباريين غير المحققين، والدليل أن الرسول تخلى عن رأيه يوم أحد ونزل عند رأي الشباب المتحمسين لملاقاة المشركين، حتى العرب كان القائد ينزل عند رأي الأكثرية وكذلك فعل دريد بن الصمة عندما قال:
وما أنا إلا من غزية إن غوت/ غويت وإن ترشد غزية أرشد..
مع أن نزوله عند رأي الأكثرية كلفه حياته!!

من المحتمل أن قصاصي العرب والمسلمين استوردوا هذا الأسلوب في "التأريخ" من الغرب أو من الفرس، واستقراء بسيط في كيفية استخدام السلطة في الاسلام وخاصة ممارسات الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، والخلفاء من بعده الذين لم ينفردوا في السلطة، يؤكد أن الانفراد بالسلطة وتقديس القائد لم يكن موجوداً في الدولة الإسلامية الأولى ولا في ثقافة العرب قبل الاسلام.
فسيدنا محمد لم يعتمد على شخصيته وتفرده لبناء أمة، وليس كونه نبياً يصير مجرد ظهوره يجعل النتتبعه و يغير الواقع، بل بدأ "صلى الله عليه وسلم" بالدعوة وأنشأ خلية وسار حسب معطيات واقعه حتى أنشأ جماعة قوية كانت بداية تكوين دولة.. وأعطى الذين حوله أدواراً كثيرة وشاركوا في السلطة ولمع نجمهم، وكان لهم دور حاسم في السياسة أو في قيادة الجيوش... ومبدأ تقاسم السلطة(تقاسم ليس بين متضادين يقتسمون الرئاسة، بل بين أصحاب دولة واحدة ينهضون جميعاً بمهام الحكم) كان من أهم المبادئ التي كرسها الاسلام، لذلك انتشر بسرعة وسهولة بين الناس لأنه مبدأ قائم على الحق والعدل، يتميز بالشورى ويشعر الأفراد بالإيمان بالمبدأ والرضا بما يمليه عليهم..
التعلق بالبطل الفرد الذي طرأ مؤخراً على العرب، جاء من ثقافة اليهود تحديداً، لأنهم متقاعصون إتكاليون وليسوا أهل حرب كبقية العرب، وعندما وصل العرب إلى حالة تشبه حالتهم من التيه والحيرة، بدأت تتسرب إليهم هذه الأفكار، وقعدوا ينتظرون معجزة تغير حالهم حتى لو كانت مستحيلة، فما الذي سيفعله رجل وحيد يظهر في واقع لا يعرفه وبين قوم متقاعصين، وأنظمة متواطئة، ومجتمع دولي خبيث؟! لذلك أي مجتمع يسعى إلى النهوض والتحرر، لابد له من المقاومة الشعبية وإنشاء حركات تحرر أو أحزاب أو تجمعات لها مبدأ يقودها وهدف تسعى إلى تحقيقه، تبدأ من نواة ثم تتجذر في المجتمعات وتنمو نمواً طبيعياً وتقوم على الشورى وغير معتمدة على القائد الفرد الذي يؤمن بشخصه وتميزه، ولا يؤمن بالعدل وحرية الشعوب.

سلطة الفرد المطلقة دون الاعتماد على مبدأ يرجع له الجميع، "الحاكم والمحكوم" مفسدة كبيرة، وقلما يطول زمنها وإن طال فإنما بسبب تواطؤ الخاصة على العامة، وتغولهم على الناس وسلب مقدراتهم بسلطة الفرد المتحالفة مع لصوص الداخل أو لصوص الخارج..!!

ما أريد قوله هو: إن سلطة الزعيم الأوحد، غير طبيعية ولم تأت بها أي شريعة، ربانية كانت أم وضعية، وهي تنتج دائما عن الأنظمة القمعية، وفساد الشعوب ونخبهم.. وانتظار فرد ليصلح فسدة الشعوب ونخبها، أمر مستحيل، لم يُتح لمعظم الأنبياء المؤيدين بالوحيووالمعجزات، ولم ينزل به كتاب سماوي، والتغيير الحقيقي ينبثق من القواعد الشعبية، ومن يقمع حرية الشعوب ويقصرهم على رأيه وشخصه فهو فاسد، وفكرة الحاكم الفرد المتصف بالعدل ما هي إلا خرافة لم يكن لها واقع في الماضي، وانتظار ها في المستقبل محض خُرافة أيضاً..






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد