الخيل والليل

mainThumb

02-06-2024 12:16 AM

لم يعد في البرية خيل تركض حرة إلا القلوب، فالقلب حصان أبيض يركض حباً ولهفة وفخراً، يركض وعلى صهوته فارس ملثم تبرق عيناه إصراراً وعزماً، يركض كما الريح وفي يده راية عربية تزينها نجمة المثان السبع، وفي الأخرى رمح قرشي. هذا القلب النابض بالحب هو قلبي وقلبكَ وقلبكِ.
تلتف قلوبنا سياجاً للوطن عزّةً وفداءً وصموداً أمام أطماع الأعداء وتحديات السفهاء. على ثراه حبونا وتعثرت بنا خطواتنا الأولى والتقطنا قطع حلوانا التي غمسناها بترابه، فكان مذاقها السكر. وعدونا في ساحاته أطفالاً كفراشات الحقول تدور بين زهرة وزهرة. فيه بنينا أحلامنا فتياناً، وارتقت بنا مقاعد الدرس إلى العلياء، تاركين عليها كلمات رقيقة وقلوباً صغيرة وبعض تواريخ عزيزة. غادرنا قاعات الدرس إلى ميادين الشرف والرجولة، وعلى هاماتنا فخر ونور. تعلمنا منه الصبر والتحدي، فكان منا الجندي والمعلم والفني، سائحين في ميادين الحياة.
عركتنا الحياة وبدى لنا الوطن في أشكاله الرائعة الحنونة، فالأم وطن والحبيبة وطن والعدل وطن والحرية وطن، ومحيّا القائد الذي يسهر على هذا كله وطننا الذي نلوذ به.
على هذه الأرض أشرقت الحياة بهجة وافترّ ثغرها عن ابتسامة ساحرة، تتمايل لها السنابل في سهول حوران، ويصدح لها العصفور في غابات عجلون يلتقط قطرة ندى من على خد وردة. تلحق موجة أختها تضرب الشاطئ برفق، وفي الأفق تطير طائرة ورقية وترتفع على جناح الريح يمسك بخيطها فتى يواجه الهبوب ويداعب قسمات وجهه الفرح.
كلاعب السيرك الذي يسير على حبل مشدود بين عمودين بمهارة وحنكة واتزان، يحافظ الوطن على حقوقه ودوره التاريخي في عالم يلفه الظلام يشبه عالم الغاب، حيث لا عزاء فيه للضعفاء.
في هذا الليل الذي يغزو الشرق الأوسط بما فيه من تحديات اقتصادية وعدوان سافر وضياع للحقوق، يمسك فرساننا بأعنّة خيولهم بقوة ويقظة لا تنطفئ لهم نار. تراهم في كل ميدان يقارعون الفساد ويسهرون على حدود الوطن وفي سمائه، بل تراهم في سماء غزة وعلى أرضها لا يؤثرون على أنفسهم شيئاً ولو كان بهم خصاصة، فحق لنا أن نفخر بوطننا وقيادتنا ونحتفل بإنجازاته.
هذه الخيول البيض تركض بفرسانها لاقتناص الأمل وتصنع الحلم بغد مشرق، وترقب التهديدات التي تلوح في أفقنا الغربي إن كان تهويداً للقدس أو تهجيراً لأبناء الضفة والقطاع، رافضة كل عدوان ومهيئة الدرب لعودة الحقوق لأصحابها.
يحتفل أبناء وطني في كل الربوع بانتصاراتهم المتواضعة ويحضنون انكساراتهم اليومية الصغيرة، وفي القلب من غزة جرح نازف. يهزجون عاش الوطن، عاش الوطن حراً أبياً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد