الاستقلال يعني الإرادة

mainThumb

01-06-2024 11:53 PM

لكلمة الاستقلال موقع خاص ومعنى كبير في الضمير الإنساني. والاستقلال، كما نعلم، النتيجة والمحصلة النهائية لنضال وكفاح الشعوب، فهو ثمرة النضال والكفاح والراية التي تعاقبت على رفعها أجيال وأجيال. وكان الثمن هو هذه الكلمة السحرية، الاستقلال الحقيقي، الغالي الثمن والتكلفة والقيمة.

وفي وطننا العربي نجد دولًا محترمة كالجزائر الشقيقة، دفعت ثمن استقلالها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد منذ عام 1954م، وحتى عام 1962م، رغم أن نضال الشعب الجزائري لم يتوقف عن المقاومة منذ الغزو الاستعماري الفرنسي عام 1830م، ومنذ فجر الاستقلال العظيم أصبحت الجزائر، وفي كل العهود، حرة قرارها وطني من صميم مصالحها الوطنية والقومية؛ لأن ثمن استقلالها كان غاليًا ومرتفع التكلفة، ولم يجرؤ أحد على خيانة دماء الشهداء الطاهرة. إذًا، الاستقلال ليس مجرد كلمة في القاموس، ولكن الاستقلال يعني حرية الشعب وامتلاكه إرادته، وتم المحافظة على مكتسبات الوطن وليس بيعها أو تأجيرها ولا سيما من لها علاقة بأمن الوطن واستقراره وسلامه أراضيه، كالموانئ والمطارات والأماكن الحساسة الأخرى.

والاستقلال هنا يعني مسؤولية وطنية وقومية وإنسانية؛ لأن مواقف الدول تحسب عليها ولكن أن نخرج الاستعمار من الشباك ونعيده من أوسع الأبواب، فإن هذا استقلالٌ شكليٌ ممنوحٌ لأصحابه وليس حق الشعب الذي يجب أن ينتزعَ انتزاعًا، لأن من يمنح يعطي لنفسه بحكم حقائق الأشياء أن يستعيد ما منحه إذا تعارض مع مصالحه كما نرى الكثير من الأنظمة المدعية للاستقلال، وهي تدور في فلك مستعمريها أو من ورثهم من الاستعمار الجديد المتمثل في شيطان العصر الولايات المتحدة الصهيونية التي رغم أن مصالحها السياسية والاقتصادية في وطننا العربي، لكنها للأسف تنتهج سياسة عدوانية اتجاه أمتنا العربية لصالح الكيان الصهيوني اللقيط الذي اعترفت به هذه الأمريكا بمجرد الدقيقة الأولى لوجوده بقرار التقسيم الظالم رقم 181 لعام 1948م.

وهو الحالة الشاذة الوحيدة بتاريخ البشرية منذ أن بدأ عصر الدول وذلك بفضل الاستقلال الشكلي لكثير من الأنظمة في وطننا العربي. والأردن كأي دولة بالعالم يحتفل بذكرى استقلاله عن بريطانيا العظمى سابقًا في الخامس والعشرين من أيار مايو من كل عام، ولكن منذ إعلان الاستقلال أتساءل ماذا أنجزنا من مقومات وشروط الاستقلال. هل حافظت حكومات الأردن المعينة والمتعاقبة على أمن الوطن وسلامة الأراضي؟ اللهم باستثناء حكومة المرحوم سليمان النابلسي الناصري الاتجاه ومجلس النواب الذي أفرزها عام 1956م في أول وآخر تجربة ديمقراطية حتى اليوم. وللأسف لم تعمر حكومة النابلسي  أكثر من ثلاثة أشهر.

خلال هذه المدة القصيرة، ألغت الحكومة البسيطة الاتفاقية الأردنية البريطانية، التي فُرضت على الشعب الأردني، وسمحت تلك الحكومة للقوى السياسية بالوطن بالظهور وصحفها بالصدور. وشهد الأردن لأول مرة حالة ديمقراطية منسجمة مع أمتنا العربية، ولكن للأسف حُلت الحكومة وأصبح أعضاؤها، ومجلس النواب الذي أفرزها في ذلك الوقت، مطاردين، وأعلنت الأحكام العرفية البغيضة التي ندفع ثمنها كل يوم، وحتى لا يزاود أحد من تجار الوطنية إياها، نتمنى أن يكون وطننا أفضل الأوطان ومؤسساته أفضل وأقوى المؤسسات، ولكن الواقع بالتبني والأمنيات.

ما يطلبه الوطن اليوم منا جميعًا أن نفكر بصوت عالٍ مسموعٍ من كل مواطن، بعيدًا عن لغة التخوين الكئيبة لبعضنا البعض، وليس أن نزاود على بعضنا البعض بوطنية المصالح الضيقة ووطنية هز الوسط. الوطن الذي هو الأرض والإنسان مسؤوليتنا جميعًا، وهو أكبر من كل خلافاتنا، فهو الذي يحتوي الجميع، القائل: "لا" والقائل: "نعم"، المؤيد والمعارض والمعترض، لأنه أكبر وأبقى من الجميع. ونحن إلا صفحات في تاريخ الوطن كما قال الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، رحمه الله، وهو القائل أيضًا: "الاستقلال ليس قطعة قماش تسمى علمًا ولا نشيد من التراث يسمى وطنيًا، ولكن الاستقلال الإرادة الحرة". وكل عام وشعبنا وأمتنا العربية والإنسانية جميعًا بألف خير ومحررة من سرطان العصر الصهيوني، ولا عزاء للصامتين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد