خطة ضمور الأحزاب

mainThumb

30-05-2024 12:57 AM

السياسة جوهر عمل الأحزاب، وهي آلة الحزب وأداته في تنفيذ برامجه التي تأسست على أعمدة أفكاره. تلك هي الفرضية العامة لفكرة الحزب وماهية عمله ودوره والغاية من إنشائه؛ غير أننا نلمس عند تتبّع بعض الصور غير هذه الحقيقة.

حين نرى أن مجموعة ممن لم يعد لهم دور ما، بعد أن استنفذوا مراحل حياتهم في أماكن أمضوا فيها عمرهم، معظمهم لم ينجز شيئًا! وإن فعل؛ فقد بتنا نلمس مجموع تراكم أخطائهم وعثراتهم التي أمضوا سنوات عمرهم يتعلمون فيها على حساب مصالحنا نحن أفراد المجتمع؛ غير أنه لم يتعلم أيضًا، وخرج من مكانه بهذا الحمل الثقيل على نفسه وعلينا بعد أن كلفنا كومة من الدنانير وأضاع أضعافها، كل هذا ونحن لا نتحدث عن فاسد بالمفهوم المعروف، مع تحفظنا على هذا المفهوم.

بعد أن لم يجد مثل هذا له مكانًا، حيث أوصله فشله وقلة حيلته التي وضعته قبل سنوات طوال في مكانه الذي لا يستحقه؛ بفعل الأساليب التي نعرفها جميعًا ولا تخفى على أحد منا؛ إلا أولئك الذين تصب هذه الأساليب في صالحهم، أو من لا يريد أن يرى إلا بعين الخائف الذي يمشي خلف الحائط ويطلب الستر في مساحة لا حائط فيها ولا ستر.

هذه النماذج التي كان العمل الحزبي والسياسي محرّمًا في عقيدتها؛ ليس باعتبارها تخلص إلى عداء هذه الأحزاب أو السياسة؛ بل باعتبارها تخلص إلى مصالحها الشخصية التي تتعارض مع فكرة الحزب وعمله السياسي طالما بقيت هذه الشخصيات في مكانها، أو حتى أن العمل في السياسة يتنافى مع وجودها في هذا المكان مع أنه مكان سياسي في بعض الأحيان.

لك أن تتخيل كيف لمثل هذا الذي أمضى معظم عمره يسير بهذه العقيدة؛ أن ينقلب في ليلة وضحاها ليكون مفكرًا أو سياسيًا وغير ذلك؛ باعتباره حالما بما هو أكثر؛ من خلال التحاقه بحزب سياسي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: لك أن تتخيل مدى جدية هذا الحزب وقدرته على السير وفقًا للفرضية العامة لفكرة الحزب؛ باعتباره مشاركًا فاعلًا في الحياة السياسية؛ بسعيه - أي الحزب ذاته - لضم فريق ربما يهمه أن يكون كبيرًا من هذه النماذج؛ باعتقاد الحزب أن مثل هؤلاء يشكلون رافعة لاسمه وطريقة عمله.

في جانب آخر من عمل الأحزاب نرى بأنها تحاول إثراء مخزونها من الأعضاء المكونين لها والمنتمين إليها؛ مستغلة بعض الظروف، منها ظرف الانتخابات التي نعيش في ظلالها هذه الأيام، وتتبع فيما تتبع سبيل توليف الكتل المرشحة؛ سواء من بين المنتسبين لها أو من خلال دعم بعضها من غير المنتسبين.

وجدت الأحزاب في هذه الطريقة عاملًا فاعلًا - فيما تعتقد هي - في زيادة رقعتها العددية ومساحتها الفكرية؛ حيث رأت في تقديمها بعض الدعم المقنن والمشروع إلى بعض فئات الناس ليشكلوا معولًا في سيرها في العمل السياسي من خلال ترشحهم للانتخابات النيابية، تحت ظل راية هذه الأحزاب وبدعمها.

فرضت هذه الحالة على الأحزاب التنقيب - باستخدام الخرائط الشعبية - عن كل دفين ممن لا حول له ولا قوة؛ باعتباره الوحيد الذي يعتبره مثل هذا الطرح فرصة عمره التي يظهر من خلالها إلى العلن ويطفو على السطح - وفقًا لما يعتقد - وهو بهذه الحال يعتقد بأنه يضع أساسًا لمستقبله، وهو في كل الأحوال لن يتكبد أية خسارة؛ بل إن المكسب في جانبه في جميع الاعتبارات.

بيت القصيد في كل ذلك: جدوى ومقدرة الأحزاب السياسية على إقناع الجمهور بالانتساب إليها وفقًا لإقناعهم بجدية دورها وفاعليته، وهو ما يحمل كثيرًا من الشكوك؛ بفعل اعتماد الأحزاب - وفقًا للطرق السابق ذكرها - على مجموعة من الفئات التي بان ضعفها أمام جمهور المراقبين لعمل هذه الأحزاب، إذا افترضنا أنهم يترقبون فرصة الاقتناع بعملها ودورها للالتحاق بها.

هذه اللوحة التي رسمتها الأحزاب بقلم ضعفها: أراها كمراقب بذرة فشل تجربة الأحزاب وعملها، قبل التوغل في الحديث عن قدرتها على تشكيل الحكومات أو التأثير في تشكيلها على الأقل؛ مضافًا إلى ذلك: الخوف الجماهيري القديم من فكرة الانتساب إلى الأحزاب؛ التي لن تستطيع الأحزاب بعملها هذا التخلص منها أو التخفيف منها على الأقل.

لقد سمعت أحد المنتسبين إلى هذه الأحزاب منذ ما يقرب العقدين من الزمن، وقد أعلن نيّته الترشح لهذه الانتخابات يقول في معرض توضيح برنامجه الذي لا يعلم هو ذاته ماهيته أنّه: لن يتدخّل في السياسة وأنّه لن يقوم إلا بما يخدم جمهوره. وقد رأيت آخرين دفعتهم مصلحة السعي إلى وظيفة يفعلون ما فعل.

مثل هذه المقدمات: تحتّم إنتاج نتيجة واحدة - وفقًا لما نرى - تسير بعمل الأحزاب إلى الأمام قليلًا؛ ثم التراجع إلى الخلف كثيرًا، سيّما إذا ما علمنا أنّ عدد المنتسبين لمعظم الأحزاب في أيّة محافظة لا يتعدى المئات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد