حين احتلوا البلد

mainThumb

25-01-2024 02:21 AM

كأن الوقت هُنا يَدُور حول نفسه، يَعُودُ الفلسطيني ليَقِف في طَوابير الإنتظار مِن أجل دَلو ماء، أو أخد لقمة تُبقِيهِ على قَيدِ الحياة، يعود التاريخ ليَسطُو على الذاكرة، وكُل مُبتَغَاه لهذا الذهن المُشتعل، هو جواب يُخمِد نيرانه لهذا السؤال المُؤرِق كأنه سؤال وجودي لباحث عن الله في أديان كثيرة خاض في بحورها.
لماذا لم نفز؟
تَجتَمِعَ القِوى العربية وتُطلق على جيشها "جيش التحرير والإنقاذ" وأمام دولة لم يكن لها من وجود نخسر، ونُسلِّمُ الفلسطيني لحتفه، لينال من بعضه الرصاص، ومن آخر كان يُقَاوم بالحجارة السجن الأبدي، ومن كثر تهجير قسري ليلجأوا إلى مخيمات لبنان وسوريا و الأردن...
والمنازل هنا تثقل بالحجارة حتى لا يطير بها الريح، والسقوف من الزنݣ والأرض تراب، وقطرات الندى توقظ الصغير في زلفة الليل فكيف بالمطر.
والفلسطيني لا ينسى حصار تل الزعتر، ولا صبرا وشاتيلا، لا ينسى كل هذا وغيره الكثير.
حتى المفاتيح شاهدة.
تشهد المفاتيح المُعلَّقة في أَعنَاقِهِن للأمهات بخيط لا يُبدَّل إلا حين يتآكل، على كل شيء، على القائد العربي المتخاذل، وعلى الجيش النقذ الذي لم يُنقِد وسَلَّم المدني لحتفه، أو تُرَاهُ سَلَّم الأرض؟ من سَلم الأرض يا تُرى؟
يؤرِقُني ويَقُظَّ مضجعي هذا السؤال الوجودي وأقول:
هل يا ترى قاتلنا بنفس الشراسة التي كُنا نقاتل بها تحت جناح الغرب لحرب ليست بحربنا، وعلى قضية ليست بقضيتنا، هل فعلنا ذلك من أجل قضيَّتِنا وأرضنا؟
ما يزال الدمع يغالب الخِتيَارة وهي تَتَلمَّسُ صدرها الذي يَتَدلَّى فيه المفتاح وما إن تتلمسه حتى تعود الذكرى طاغية عليها، فكل القصص المَروِية من أفواه الفلسطيني، تبدا ب"حين استَحَلُّوا البلد" تكون الكلمة هي البداية وبها يُقفَلُ الحديث،
يعود الشَّريط ليعرض نفسه بنفسه بدون إذن من أحد، يدور المفتاح سبع مرات ليوصد الباب الضخم، يرتدي الأبناء ثلاث بدلات حتى لو كان الجَوُّ صيفًا، يحمل كل شخص حتى الصغير ما كان ضروريا من لوازم، لِيَستقِر المفتاح في أعناقهن للأمهات من يومها، وتُحَملِقُ العائلة في هذا المنزل مُطيلَة، هذا الباب تلك الشجرة وكل هاته الجدران، إلى أن يصدر صوت الأب الجهوري "يلا يللا" الكل يهمس في دواخله حتى الأب "سنعود قريبا" تَطُول القريبًا لسنة وسنتان، وخمس وعشر وما يزال المفتاح بنتظر فتح باب لا وجود له، وقُفل تغيَّر ومنازل فَقدت أصحابها وتحاملت على أن يسكنها محتل، ومهما تغيرت فإنها تَبقى في كُرهٍ للمحتل، وشوق لصاحب الأرض، تنتظر بدورها من ينقد، ولا منجد.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد