هرتزوغ في دافوس: استشراق قبائح الاحتلال

mainThumb

21-01-2024 11:43 PM

لا يستوي، بالطبع، أن يستند القضاء السويسري على مبدأ الحصانة فينقذ رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي إسحق هرتزوغ من المساءلة الجنائية، أو أن يعمد بالفعل إلى توجيه الاتهام بعد أن يكون الأخير قد استقلّ طائرته عائداً إلى فلسطين المحتلة. وقد يصحّ، في المقابل، الافتراض بأن تقديم الشكوى، في ذاته وابتداءً به كفعل قانوني، يُلحق لتوّه ضرراً معنوياً وحقوقياً وأخلاقياً صريحاً بالشخص أوّلاً، وبالمنصب الذي يشغله تالياً.
الأرجح، في المقابل، أنّ نصال الاتهام الأحدث هذا قد تكسرت على نصال اتهامات أخرى طالت هرتزوغ في الماضي، البعيد مثل القريب، نهضت على لجوئه إلى سلوكيات استيطانية وعنصرية وأبارتيدية بالغة القبح والابتذال والانحطاط؛ لم تفلح خطاباته التضليلية في إخفاء مضامينها الفعلية، أو في تجميلها تحت أقنعة مكشوفة مفضوحة، مثل «الاعتدال» و«المنبت اليساري» والتغني بـ«الديمقراطية الإسرائيلية».
وكان السعار الإسرائيلي الجَمْعي الذي أعقب عملية «طوفان الأقصى» قد زوّد هرتزوغ بفرصة جديدة للإفصاح عما يحمل من بغضاء قصوى بحقّ أطفال قطاع غزّة، حين «بشّر» أنصار دولة الاحتلال بعثور الجيش الإسرائيلي على نسخة مترجمة إلى العربية من كتاب أدولف هتلر «كفاحي» في غرفة مخصصة لإقامة الأطفال. وتلك، في يقينه، لم تكن غنيمة حرب ثمينة تستحقّ العرض على العالم بأسره، فحسب؛ بل كانت، وهو الأهمّ عنده كما للمرء أن يفترض، دليلاً قاطعاً يبرر إجهاز جيش الاحتلال على أكثر من 4600 طفل فلسطيني، يومذاك.
ومؤخراً، في دافوس حين حظي بترحيب من مؤسس المنتدى كلاوس شواب وتهليل من رئيسه بورج بريندي، استعاد هرتزوغ سلسلة تنميطات استشراقية لم يأكل الدهر عليها ويشرب ويلفظ ويتقيأ فقط، بل باتت أدنى من اضحوكة ثقيلة الظلّ وأقرب إلى لافتة/ تصريح عنصري. وهكذا أنذر الحضارة الغربية بأنّ «إمبراطورية شرّ»، تنتمي إليها «حماس» و«داعش»، قد تبدأ من معاداة دولة الاحتلال، لكنها سوف تنتقل إلى تهديد استقرار المنطقة وأوروبا والعالم قاطبة. وأمّا سكّان القطاع فإنهم غارقون في «شبكات الإرهاب»، ولهذا: «الحقيقة هي أننا نخوض حرباً نيابة عن الكون كله دفاعاً عن العالم الحرّ. وأقول دائماً أنه لو لم تكن إسرائيل موجودة، فإنّ الدور التالي سيكون على أوروبا، لأنّ الجهاديين البرابرة يريدون إخراجنا جميعاً من المنطقة ويريدون إخراج أوروبا من مكانها أيضاً».
أمّا محاوِره العبقري بريندي فلم يسأل أو يستفسر إزاء السخف الفاقع في فكرة هرتزوغ عن هدف «محور الشرّ» المتمثل في إخراج أوروبا من مكانها (إلى أين، مثلاً؟ أو كيف؟، أو…؟)؛ بل لم يرفّ له جفن وهو يشكر ضيفه على هذه «المكاشفة»، ويسارع إلى تذكيره بما يردده «بعض الناس» من أنّ أرييل شارون أخطأ حين انسحب من قطاع غزّة في سنة 2005، مما أفسح المجال أمام الانتخابات وفوز «حماس» بها! في قراءة أخرى لهذا الاستذكار، يقول بريندي إن الانسحاب كان خطأ (وبالتالي استمرار الاحتلال الإسرائيلي لسائر الأراضي الفلسطينية هو الصواب)؛ كما أنّ منح الفلسطينيين فرصة إجراء انتخابات ديمقراطية، شهد العالم بأنها كانت حرّة ونزيهة، خطأ إضافي (والصواب هو إبقاء الشعب الفلسطيني تحت سلطة استبداد، أسوة بغالبية الشعوب العربية)…
ومن المعروف أنّ رئيس دولة الاحتلال، حسب توصيف متفق عليه في الصحافة الإسرائيلية، هو منصب مَن لم يعد له عمل سوى المراسم البروتوكولية والاحتفالية، وتلك كانت حال أمثال زلمان شازار وأبراهام بورغ وموشيه كتساف وشمعون بيريس؛ الأمر الذي لم يُسقط عن هؤلاء فرصة الخوض في وحول الاحتلال، ومستنقعات الدم، وإشاعة المفردات العنصرية، ومسابقة رؤساء الحكومات في تجميل جرائم الحرب وتكرار أو إعادة إنتاج الأردأ والأتفه في ترسانة الاستشراق.

 

(القدس العربي)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد