فضيحة إبيستين صديق إسرائيل

mainThumb

11-01-2024 12:56 AM

فضيحة جيفري إبيستين هي حديث الساعة، وأكثر قضية تشغل الرأي العام، فضيحة ملياردير أميركي لها علاقة باستغلال أطفال قاصرين، وممارسة الجنس مع طفلات، وهناك أقاويل (لم يتم التأكد منها بعد) عن تعذيب الضحايا الأطفال.
القضية الفضيحة ظهرت قبل سنوات عديدة، لكنها تكشفت في العام 2019، حين تعرفت أسرة فتاة قاصر على «جيفري إبيستين» وأكدت أنه اعتدى عليها جنسيا، فقامت الشرطة باعتقاله وقبل أن تتم محاكمته عُثر عليه ميتا في زنزانته، وادعت السلطات أنه مات منتحرا، فيما أشارت تحقيقات إلى أنه قُتل ليموت سره معه، وقد أشارت أصابع اتهام عديدة إلى تورط «الموساد» في قتله، نظرا لعلاقة إبيستين القديمة مع «الموساد».. الموضوع خطير جداً، وفضيحة من العيار الثقيل، وأقبح بكثير مما نتصور.
وقد بدأت القصة حين اشترى إبيستين جزيرتين معزولتين في البحر الكاريبي قبالة فلوريدا، الأولى أقام عليها قصوره ومنتجعاته والتي تدور فيها أحداث الفضيحة، والثانية للدعم اللوجيستي، أي للدعم والحراسة والمراقبة ومنع أي أحد من الاقتراب والتصوير، ليتسنّى للمجرمين ممارسة نزواتهم هناك دون رقيب ولا حسيب، وبحسب ما بدأ يتسرب للإعلام فإن إبيستين كان يأخذ ضحاياه الأطفال من بنات الشوارع، ومن ملاجئ الأيتام واللقيطات، ويستدرجهن إلى منتجعه، وهناك يتم استغلالهن بشكل بشع لإمتاع أثرياء ومشاهير العالم.
وقد سمحت لوريتا بريسكا قاضية المحكمة الفدرالية بنيويورك بنشر أسماء المتورطين في الفضيحة، ضمت نحو 150 اسما، من أثرياء العالم، ومن كبار المشاهير والفنانين والقادة السياسيين، من بينهم ترامب، وبيل غيتس، وكلينتون، وأوباما، وإيهود باراك، والأمير أندرو.. وغيرهم من مرضى البيدوفيليا.
وقد ارتبط إبيستين مع إسرائيل بعلاقات غامضة ومريبة، وقد كشف ستيفن هوفينبرج مالك صحيفة «نيويورك بوست» عن تعاون إبيستين مع الحكومة الإسرائيلية وعن علاقته بـ»الموساد»، وعلى إثر ذلك مباشرة تم اغتياله في ظروف غامضة. وأيضا امتلاكه مؤسسة «ويسكنر»، المعروفة بتمويلها لبرامج إعداد القادة اليهود خاصة الأميركيين ليكونوا داعمين لإسرائيل، إضافة إلى استثمارات ضخمة لإبيستين في إسرائيل، ودعمه لنادي بيتار القدس اليميني المتطرف، وكذلك لقاءاته المتكررة مع إيهود باراك، والذي ظهر اسمه أيضا في القائمة الفضيحة.
الشخصية الثانية المتورطة في الفضيحة والتي ثبت عليها تهم الاتجار بالبشر واستخدام قاصرات في تجارة الجنس وقد حوكمت بعقوبة السجن عشرين سنة، صديقته الحميمة وشريكته في أعماله غيزلين ماكسويل، وهي ابنة الإمبراطور الإعلامي وتاجر السلاح روبرت ماكسويل، صاحب «الديلي ميرور»، وهو تشيكي يهودي، ومن أكبر داعمي حزب «الليكود»، ويمتلك جزءا من صحيفة «معاريف»، وكانت لديه علاقات بـ»الموساد»، وعلاقات شخصية مع رابين. في العام 1991 أعلن عن وضع مجموعته تحت الرقابة القانونية بعد أن شارفت على الإفلاس، حيث بلغت ديونها ملياري جنيه استرليني. وحينها قام بسرقة رواتب موظفي المجموعة التي قدرت بنحو 460 مليون جنيه استرليني. وقد لقي مصرعه في العام نفسه في ظروف غامضة، وهناك نظرية تقول، إن «الموساد» هو من قتله، لأن إسرائيل رفضت إقراضه للنهوض من أزمته المالية فهددها بالانتقام. وبعد مصرعه، أقامت له إسرائيل جنازة رسمية حضرها رئيس الوزراء ورئيس الدولة. ومن الواضح أن ابنته سارت على دربه، وربما لهذا السبب اختارها إبيستين صديقةً وشريكةً لجرائمه.
الغريب، وما غريب إلا الشيطان، أن المحامي الذي كان إبيستين قد اختاره للدفاع عنه هو صديقه الشخصي آلان ديرشوفيتز (وهو يهودي بالمناسبة)، ومعروف بدفاعه الشرس عن إسرائيل، وقد ورد اسمه عدة مرات ضمن قائمة إبيستين، بل إن إحدى الضحايا أكدت أنه تحرش بها واعتدى عليها جنسيا. وفي رده على التهم الموجهة إليه قال في تصريح غريب، «أين كل هؤلاء النسويات الراديكاليات من إدانة (حماس) لاغتصاب يهوديات في السابع من أكتوبر؟»! وهو من أكثر المروجين للبروباغندا الإسرائيلية وادعاءاتها المزيفة بشأن ممارسات «حماس» «الإرهابية»، وكان من دعاة تخفيض سن الزواج للفتيات إلى الـ15 سنة.
والأغرب أنه هو نفسه من ضمن الذين عينتهم إسرائيل، للدفاع عنها أمام محكمة العدل الدولية، في إطار دعوى الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
وبالنظر للأشخاص المتورطين بالقضية، والذين من المفترض أنهم قادة ومؤثرون وعلماء وفنانون.. وأنهم صفوة النظام الديمقراطي فقد شكّل ذلك صدمة كبيرة لمتابعيهم ومحبيهم، صدمة وخيبة أمل جعلتنا جميعا نشعر بأن ذلك «العالم المتحضر والديمقراطي» كان يرتدي قناعا وقد خلعه ليظهر وجهه الحقيقي بسقوط أخلاقي مريع.. وبالتالي لم يعد جديرا بالثقة، بل إن مفاهيمه وقيمه كانت مجرد أكاذيب.
وبداية، يجب أن ندرك أن تلك الأسماء حتى وإن ظهرت في القائمة فإن المحكمة لم تدنهم بعد، وبالتالي ربما يكون بعضهم بريئا، وربما من ظهر اسمه زار الجزيرة لأغراض أخرى، قد يكون لممارسة أنواع أخرى من الفساد الأخلاقي.. إضافة إلى أن أسماء عديدة ربما زُجت في القائمة من قبل أطراف أخرى (غير المحكمة) لغايات تشويههم.. فالأفضل ألا ننساق خلق الشائعات. وأقصد بالذات ستيفن هوكينغ.
الأمر الثاني، ربما تكون الصدمة النفسية نشأت من جراء اعتقاد خاطئ، مفاده أن المجتمعات الغربية متحضرة بالفعل، وقد بلغت درجة متقدمة من الإنسانية.. أو اعتقاد خاطئ بوجود المدينة الفاضلة، أو عالم مثالي في طور التشكل، أو أن الشخص إذا بلغ درجة من العلم أو صار قائدا، أو مؤثرا، ولا يتحدث إلا عن الأخلاق وحقوق الإنسان..إلخ معنى ذلك أنه صار كاملا ومثاليا ومنزها عن الشهوات ومحصنا من السقوط.. هذه فرضيات غير صحيحة، فالإنسان يظل معرضا للخطأ والخطيئة والميل للشر، ويظل في صراع مع أهوائه ونزواته ونزعاته المادية.. والحضارة الإنسانية مهما بلغت لحد الآن من تطور ومن تبني لمفاهيم الحق والعدالة وحقوق الإنسان.. ما زالت في طور التحول والتشكل، ولم تصل غايتها بعد، بل أمامها مشوار طويل.
الإيجابي في القضية أن قاضية شجاعة قررت فضحهم، ومحاكمتهم، ولا أشك بوجود قضايا أخرى لا تقل بشاعة وخسة موجودة في أغلب دول العالم، لكن الدولة العميقة وشبكات الفساد المتحكمة تطويها، وتتجاهلها، ولا تسمح حتى بالحديث عنها.

 

(الأيام الفلسطينية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد