نصر الله .. حينَ يُلدغ المتلقي من «الفيلم» نفسه

mainThumb

04-01-2024 02:00 AM

هُناك مجموعةٌ من روادِ التّواصل الاجتماعيّ، لم يُطلّوا برؤوسهم علينا، ولم يُتحِفونا بـ"حسِّهم الفُكاهيّ"، منذُ آخرِ خطابِ لحسن نصر الله في نوفمبر الماضي. ولا شكّ أنّ خطاباتِ نصر الله تحفِّز الحسَّ الفكاهيّ السّاخِر "بمرارة" من كمِّ الاستعراض. لكنَّ "خيبة الأمل" التي يتحدّث بها "المتلقّون" للخطابِ تدلُّ على أنّهم "لُدغوا ويلدغونَ من (الفيلمِ) نفسه" عشرينَ مرّة على الأقل، أو أنّهم أصبَحُوا متخصّصين في "الاستظراف" على خطابِ نصر الله، خدمةً لأجنداتٍ وافتراضاتٍ طائفيّة وسياسيّة، ومؤامراتٍ يظنّونَ أنّهم وحدهم من يعرفونها. مع أنّ الحقيقة بسيطة وهي أنّ كلّ تصريحاتِ السياسيين في بلداننا العربيّة، خاصّة أمامَ هولِ ما يجري، تدفعُ للضّحك و"الاستظرافِ" والكوميديا السّوداء، وليسَ هذا بالأمر الجديد، بل ربما بدَأ منذُ قال الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم في افتتاح مشفى للأمراض العقليّة: "بنيتُ هذا المشفى لي ولكم ولكلّ أبناءِ الشّعب العربيّ".
المشكلة برأيي تكمُن أيضًا، في أنّ السياسيين في بلادنا لم يعودوا يفرّقوا بينَ كونهم سياسيين أو محلّلينَ سياسيين، فكانَ مثلًا بإمكانِ حسن نصر الله، أو "السّيد" أو "سماحته" كما يحبُّ "مُريدوه" تسميته، أنْ يكتب عمودًا أسبوعيًا في إحدى الصّحف العربيّة، وأنْ يقدّم تحليله ورؤيته لنتائج طوفانِ الأقصى، وانهيار صورة "دولة الاحتلال"، وأنْ يقتبسَ كما يشاء من تصريحاتِ المسؤولين في دولة الاحتلال حولَ أعدادِ القتلى أو الخسائر الاقتصاديّة، وكنّا (بصدرٍ رحب)، وحسبَ وقتنا وفراغنا، سنقرأ هذه المقالاتٍ ونتفاعل معها، في حينَ يمكنه أن يتركَ الخطاباتٍ (وما يسبقها من دراما وتشويق) ليتحدّث إلينا كسياسيّ ورئيس حزب فاعِل في الأزمة الراهنة.
بكلّ الأحوال، وبعيدًا عن السّخرية، فإنّ ما قاله حول نتائج طوفان الأقصى صحيحٌ لكنّه.. معروف. والأمرُ الآن يتعلّق بقدرة الحزب أنْ يرُدَّ على اغتيال الشيخ صالح العاروريّ، بعيدًا عن أسطوانة "الزمان والمكان المناسبين"، ويحقُّ لنا، وللمراقبين، أن نسأل إذا كانَ الحزب أصلًا ردَّ على اغتيال القياديّ مغنية أولًا؟.
يبدو أنَّ اغتيالَ العاروريّ، بكل الأحوال، سيجعلُنا أمامَ خيارينِ أساسيين، إمّا أنّ دولة الاحتِلال وتحديدًا "نتنياهو" يبحثُ عن "هذه الصّورة" للنَّصر كمقدّمة لتوقيع اتّفاق وقف إطلاق نارٍ وَشيك، وإمّا (وهذا الأرجَح)، أنّه يُكملُ سِياسة "عليَّ وعلى أعدائي"، ويبدأُ مرحلةً من الحرب الكُليّة في الشمال الفلسطينيّ المُحتل؛ لأنّه غير معني بوقف أيِّ حرب، ويزدادُ الضّغط الدوليّ عليه.
ويمكن النظر إلى الكثير من الإشارات التي ربما تعطينا ترجيحاتٍ ما، فالإدارة الأمريكيّة سحبت مُدمّرتها من البحر المتوسّط (هل ذلكَ رفضٌ لخطوة نتنياهو المتوقّعة؟)، وقادةٌ في الاحتلال صرّحوا، لـ"رويترز" الإثنين الماضي، أنّ سحبَ الألوية من غزّة يعني استعداها لاحتماليّات الحرب على "الجبهة الشّماليّة"، إضافة إلى الأزمة الحقيقيّة مع المستوطنين الذينَ أخلوا مستوطناتِ الشمال المحتل، ويرفضونَ العودةَ إليها إلّا بعدَ "إزالة" خطر حِزبِ الله.

أمّا حِزبُ الله، الذي أكّد أمينُه العام على أنّ "فتحَ ساحةِ لُبنان للاغتيالات سيتمُّ الردُّ عليه"، وأكّد في خطابِ اليوم أنّ هذا التصريح كانَ "قبلَ السابع من أكتوبر" لكنّه ملتزمٌ به بكل الأحوال. فهو أمامَ تحدٍ صَعب.. في الخُروج أو "إخراجِه" مِن كونِهِ "جَبهة تَضامُن" حسبَ ما صنَّفَ نفسه، إلى دخوله أو "إدخاله" كفاعلٍ أساسيّ في حربٍ وشيكة، يمكن أن يقفزَ إليها نتنياهو. والأيام قادمة...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد