صحيفة السوسنة الأردنية

مشهداً يتسم بالتعقيد الميداني على أرض قطاع غزة ومُنحنى يتسم بالضبابية حول اليوم التالي للقطاع الذي حتى اللحظة لا وجود ملامح لليوم التالي نظراً ان انتهاء الحرب يعني انتهاء نتنياهو الذي لا يوجد مخرج لورطة دخوله الى غزة حيث ما زال ملامح المخرج غير مرسوم فعلياً ناهيك عن ازمته لوجود عدد كبير في الخسائر البشرية والمادية وعدم ايجاد آلية لحل مُعضلة المحتجزين الاسرائيليين والتي تعتبر ورقة رابحة للاثنين رابحة للكيان للاستمرار في القتال في القطاع ورابحة للمقاومة الفلسطينية لعل ان تُحقق انجاز واهم شرط لديها وهي وقف اطلاق النار بشكل مُستديم.
من الرابح؟
المُتتبع لمراحل المعركة كلا الطرفين في ميزان الحرب رابحين الجانب الاسرائيلي ربح تدمير البُنية التحتية لقطاع غزة وانهاء مقومات الحياة لترسيخ في ذهنية المواطن الغزي التهجير الطوعي من خلال التدرُج في تكتيك التهجير والورقة الاخرى التي ربحها محاولة الدخول البري بجُزء من المناطق بشكل بري واعادة تغيير القطاع جغرافياً لتحويل جزء منها الى مناطق امنية عازلة.
فيما ربحت المقاومة الفلسطينية حيث ما زالت تمتلك القوة وتواصل ضرب العمق الاسرائيلي وتفوقت اعلامياً ونفسياً واعادت القضية الفلسطينية الى اوج صدارتها بعد محاولات حثيثة لانهائها واستبدالها بحوافز اقتصادية مُعاشية.
من الخاسر؟
كلا الطرفين خاسرين ان استمرار اسرائيل الحرب سيُضعف موقفها السياسي العالمي كما ان حتى اللحظة لم تُحقق صورة الانتصار التي تريدها وهي استسلام حماس وبالاخص يحيى السنوار القائد الفعلي للقطاع وخسرت جنود وعتاد على ارض الميدان وغزة باتت مقبرة لجنود الجيش الاسرائيلي، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية وتعميق فجوة في الداخل الاسرائيلي بين الحكومة الحالية والجماهير الاسرائيلية.
فيما خسرت المقاومة ازدياد الارقام في عدد الشهداء والجرحى وتدمير البنية التحتية التي انهت الحالة الحياتية للقطاع، ناهيك عن الحرب مستمرة لانهاء حكم حماس الهدف القائم حتى اللحظة في العقيدة اليمينية الحالية وتصميم الولايات المتحدة الامريكية لازاحة الحكم وايجاد سلطة متجددة بديلة عن حكم حماس.
من الداعمين؟
تعتبر الولايات المتحدة الامريكية اهم الداعمين وهي التي تعطي الضوء الاخضر للانتقال من مرحلة الى اخرى من خلال اعطاء المشورة والنصيحة في ادارة الحرب على القطاع ناهيك عن التحالفات الاخرى في دعم الجيش الاسرائيلي سواء عبر الكادر البشري او اللوجستي.
فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية الداعم الاساسي هو ايران لكن هناك داعم ذاتي من خلال مصادر تمويل تدعم حماس سواء فردية او الاموال التي جاءت من قطر تم استثمارها لصالح المقاومة، لكن على ارض الميدان محور المقاومة يُنسق فيما بينهم لكن لم يدخل المعركة بشكل فعلي مثلاً حزب الله حاول اشغال اسرائيل من خلال ضرب المناطق الحدودية وان تطور الامر الى نقاط اشتباك اكثر وتوسع في العمق لكلا الطرفين لكن ما زالت المفاوضات سارية حتى اللحظة عبر فرنسا وواشنطن لترسيخ الترسيم البري وابعاد حزب الله عن جنوب لبنان الى ما بعد نهر الليطاني الامر الذي يرفضه الاخير لكن الضغوطات عليه ما زالت قائمة لتجنب لبنان حرب تحوله الى دمار كما حدث في قطاع غزة.
فيما يتعلق بالجبهة اليمنية قد تكون اكثر فاعلية واكثر صدق فيما يتعلق مساندة الحوثيين للمقاومة الفلسطينية حيث ان عملية وضع قيود على مرور السفن التجارية من منطقة باب المندب في البحر الاحر تُرهق الواقع الاقتصادي سواء لاسرائيل او لحلفائها رغم محاولات الولايات المتحدة الامريكية تشكيل ناتو بحري بهدف حماية الملاحة البحرية من قوات المسلحة اليمنية لكن هذا التشكيل لم تعتبره الاخيرة تهديداً بل زاد التحدي اليمني وبات التهديد يصل لقواعد حلفاء اسرائيل في منطقة البحر الاحمر، حيث وضعت القوات المسلحة اليمنية في صنعاء القواعد الامريكية والبريطانية والفرنسية والاسبانية والايطالية في جيبوتي ضمن بنك الاهداف بعد اعلان تشكيل الحلف البحري وهذا يعني التطاول على الوجود الاجنبي في دول مشاطئة تتواجد فيها قوات تابعة للحلف، حيث ان اميركا تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي وتعتبر مقر لقوات "افريكوم" لمراقبة المجالات البحرية والجوية والبرية للدول المُطلة عل البحر الاحمر ولديها قاعدة تسمى "باليدوغل" في محافظة "شبيلي السفلى" في الصومال وقاعدة اخرى في اثيوبيا تسمى"اربا مينش"، اما فرنسا لديها قاعدة عسكرية في جيبوتي ناهيك عن شراكتها مع القوات الالمانية والاسبانية، اما ايطاليا لديها قاعدة بجوار مطار جيبوتي لحماية السفن التجارية اما بريطانيا لديها بارجة "دايموند" دفعت بها الى البحر الاحمر و3 سفن عسكرية في خليج عدن ولديها قاعدة عسكرية في الصومال وقوات محددة في مطار الريان بمحافظة حضرموت وفي مطار الغيضة بمحافظة المهرة باليمن.
ان محاولة اليمنيين في تقييد السفن مقابل وقف اطلاق النار على القطاع تاتي ضمن التنسيق بين القوى المختلفة التي تدعمها ايران رغم ان الاخيرة تحاول ان تُبعد ذاتها عن أي حرب مباشرة بين اسرائيل واميركا من خلال تحريك الاذرع الاخرى لكن المشاغلات هذه لن تردع اسرائيل عن القضاء على الذراع العسكري للمقاومة الفلسطينية امام تصميم اسرائيل على تنفيذ الهدف وان طالت المدة.
مأزق لا مخرج له؟
المقاومة الفلسطينية واسرائيل كلا الطرفين لن يتنازلا فكلاهما صعدا على الشجرة والنزول صعب فاسرائيل لديها خياران اما النصر او الهزيمة التي لن تقبل بها، والمقاومة الفلسطينية لديها خياران اما النصر او الموت وكلا الخيارين بالنسبة للعقلية الفلسطينية ربح سواء الاستشهاد ونيل الجنان او النصر وابقاء واقع حكم حماس على ارض الميدان.
صعدا ولم ينزلا وهذا يعني ايجاد مخرج غير موجود المخرج الوحيد بيد الولايات المتحدة الاميركية وهو عدم وضع حق النقض الفيتو على مشاريع الهدن الانسانية وادخال المساعدات الانسانية لغزة ومن ثم الانتقال التدريجي لوقف اطلاق النار ومن ثم الحديث عن ايجاد نقاط التوافق بين المقاومة الفلسطينية واسرائيل على الية العمل حول اخراج بقية المحتجرين الاسرائيليين ومن ثم الحديث عن حكم اليوم التالي رغم محاولة اسرائيل الحديث مع قيادات داخل السجون لحكم اليوم التالي وهذا ما يتفق تماماً مع المقاومة الفلسطينية بتحقيق صفقة تبادل لاخراج قيادات تحكم اليوم التالي لكن الخلاف بين الطرفين من هي القيادة التي ستحكم المرحلة الانتقالية والانطلاق لمراحل اخرى .
شبح المحاسبة؟
منذ اندلاع الحرب استعادت واشنطن حضورها في منطقة الشرق الاوسط وفتحت ملفات اغلاقها حتى اللحظة مرهون بعامل الزمن، فملف الضفة الغربية وغزة بيد اسرائيل حتى اللحظة الحسم العسكري لم يعطي نتائج فعلية، اما ملف اليمن وسعي انصار الله السيطرة على البحر الاحمر ملف بدأ يتحرك وكيفية اغلاقه ما زال رهن الضغوطات الاقليمية، واما اشتعال جبهة الجنوب اللبناني ما زالت رهن المفاوضات، وفيما تحريك ساحتي العراق وسوريا بوتيرة تسمى الطقطقة على الراس الذي لا يؤلم لكن يُرهق، هذه الامور تنشغل بها اميركا لمحاولة عدم التحول لحرب شاملة من خلال منع الاندفاعات الاسرائيلية على جبهة لبنان حيث ان نتنياهو الوحيد المُصر على مواجهة شاملة لاطالة الحرب واطالة عدم محاسبته والحفاظ على موقعه السياسي لذا زيارة الوفود الاميركية لاجل ذلك ولجم توسع الحرب.
واشنطن تبحث عن طرف فلسطيني محاور؟
تسعى واشنطن وبمساعدة الاردن ومصر والسعودية والامارات وقطر الى ايجاد طرف فلسطيني محاور للخروج من المأزق لحكم اليوم التالي في الضفة والقطاع وبسبب عدم التوافق بين القيادات الحالية بين حماس وفتح وعدم الاتصال المباشر بينهما فان الامر يزداد تعقيداً امام مهمة واشنطن ما يساعد اسرائيل في استمرار الحرب على القطاع حتى ايجاد من الحاكم التالي للقطاع وهذا يعني ان التسوية السياسية النهائية فعلياً لا يملكها الا الفلسطينيين من هذا المنطلق ايجاد طرف فلسطيني مشترك بين الاثنين هو الحل لوصول نقطة نهائية والنزول عن الشجرة لكلا الاطراف والاتفاق على اعادة الامن والاستقرار بصيغة ليست مثل قبل السابع من اكتوبر بل رؤية جديدة يشترك بها الجميع "الاسرائيليين والفلسطينيين" لاعادة الازدهار الذي تشير اليه واشنطن في المنطقة ما يساعدها على تحقيق مصالحها في منطقة الشرق الاوسط.