ولله عاقبة الأمور

mainThumb

16-12-2023 06:44 PM

قرأت بالأمس "تغريدة" لاحد (الناعقين العرب) يقول فيها بما معناه بأن الفلسطينيين يفعلون الحماقات ثم "يشحدون" منا المساعدات ويرجون منا خوض المعركة نيابة عنهم على حد قوله، وينعق بالمزيد ويقول في كل مرة يتحامق الفلسطينيون ومن ثم يحملوننا أعباء لجوئهم. انتهى كلام هذا السفيه، وكنت ولا أزال لا أرد على أمثاله من المغرضين ، ولكن تكرار الناعقين بنفس المعنى اضطرني الى أن أوضح وهذا التوضيح للعموم ولست ممن ينزل الى مستوى هؤلاء.
يقول عز من قائل بسم الله الرحمن الرحيم (أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )صدق الله العظيم
ولست أهلا لتفسير أي الذكر الحكيم ولكنه من الميسر لمن أراد ولله الحمد الاضطلاع على تفسير الآية الكريمة، وغيرها من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث المسلمين على نصرة إخوانهم المسلمين وتحرم خذلهم. وحيث انني أدرى بأن كلام الله عز وجل وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم أكبر من أن يفهم البعض من القلة الساذجة فتعالوا احدثكم بأحاديث الأيام وكلام العامة الموثق، فهو على بساطته ليس سردا من خيال ولا ضربا من المبالغة.
أود أن أوضح بعضا مما قد جهله الكثيرون ، فالشعب الفلسطيني شعب أصيل في وطنه ضاربة جذوره عمق التاريخ بهذه الأرض مرتبطا بها ارتباطا عجيبا ، ولم يعبر يوما على مدار المحنة التي يعيشها منذ ما يزيد عن خمسة وسبعون عاما بأنه راغب بالهجرة ولا سعيدا باللجوء ، وبنفس الوقت ليس ناكرا لجميل من احتضنه واستضافة فمعظمنا شهود عيان على ذلك فكم من شيخ رأيناه بعد هجرته بعقود لا يزال يعلق مفتاح بيته الذي هجر منه قسرا وظلما في رقبته حالما بالعودة يوما ، وكم من شاب ولد في المهجر يحمل ارث جده الذي أوصاه بان لا يضيعه ، يبرزه في وجوه كل المنكرين لحقة في العودة ، هذا الإرث ليس مالا و ذهبا فجده حين هجر من وطنه لم يحمل معه سوى مفتاح البيت ووثيقة ملكيته للأرض ، إضافة لما حمله في قلبه من ذكريات وحنين وما حمله في عقلة من فكر وثقافة ، وكم من مسنة رأيناها على الشاشات تدعوا على الظالم وتقول ان امنيتها الوحيدة أن تعود الى وطنها ولو جثة تدفن في ترابة ؟ وكم من كهل سمعناه يبكي في سجوده متضرعا ان يشتم رائحة بلاده قبل منيته؟
على الرغم من ذلك الجرح الدامي على مدار السنين فالشهادة لله و للتاريخ فان الفلسطيني أينما حل في بلدان اللجوء كان حلوله حلول خير ونفع ، لم يستجدي من أحد لقمة العيش ولم (يشحد) من أحد ، هؤلاء الذين هجروا الى خيام اللجوء قادوا مسيرة التعليم في بلدان لجوئهم واناروا عقول أطفاله و شبابه ، ومنهم من كرسوا حياتهم لتثقيف الناس وتنويرهم يما حملوه معهم في هجرتهم من ثقافة شعب تراكمت عبر الأجيال من الالاف السنين ، هؤلاء النازحين من جحيم المجازر و الألم نهضوا باقتصاد دول وتحولوا من لاجئين الى قادة مؤسسات اقتصادية هامة أسهمت في انعاش اقتصاد الدول المستضيفة لهم وتشغيل أبنائها ولم يتخذوا التسول وسيلة للعيش ، أقاموا الأسواق والمعامل والمصانع و غرسوا ايدهم في أراض جرداء وحولوها الى جنان خضراء والى مزارع و بساتين غناء، هؤلاء هم من أقاموا مدنا وشيدوا المباني ولم ينسوا أنهم أبناء المخيمات .
ولم نسمع على مدار التاريخ بأن المقاوم الفلسطيني استجدى النصرة من أحد، علما بأن الجميع يعرف بأنه يدافع عن كرامتنا و مقدساتنا جميعا فالقدس والأقصى لكل المسلمين وليس ملكا لجده، وارض فلسطين أرض وقف إسلامي صرف وقفها الناصر صلاح الدين رضي الله عنه وأرضاه بعد أن تبددت ملكية الأرض على مدى عقود الاستعمار الصليبي ، والعدو يتبجح في كل تصريحاته وكل وسائل اعلامه منذ ان دنست اقدامه ارض فلسطين الى اليوم بالدوس على كرامة العرب وليس الفلسطينيين وحدهم ،
المناضل الفلسطيني علم الدنيا فنون المقاومة الشريفة بأخلاقه وأدبه وفنه، وأضاف أبعاد على المقاومة لم يكن لاحد من قبلة أن يعرفها ولا أن يرى تناغما من هذا النوع في مقاومة الاحتلال فلم تقل ريشة ناجي العلي وقلم غسان كنفاني أهمية عن بندقية المقاتل المتمركز في الخندق، ولم نرى في تاريخ مقاومة الشعوب من يوقف عملية فدائية استنزف لأجل تنفيذها من عمر المقاوم وماله وفكره ما استنزف لأنه رأى طفلا يسير مع عدوه الا المقاوم الفلسطيني
ولم تكن المقاومة يوما ولن تكون حماقة الا في عقول الحمقى، فمن أنبل ممن يقدم نفسه في سبيل قضية أمة حملها على عاتقة؟ ومن أكرم ممن يموت راضيا في سبيل الحق؟ ومن أعلى منزلة من الشهداء الذين اثروا الموت على الذل والمهانة؟ ان انبطاح البعض وارتمائهم في أحضان أعدائهم لا يبرر لهم الانتقاص من شأن شعب أقل ما يوصف به بأنه مجاهد، مجاهد على أرضه وفي مخيمات لجوئه، مجاهد بنفسه وماله وعقله، مجاهد بقلمة وفنه وصوته.
وما نراه اليوم في فلسطين من صبر لم يشهد له التاريخ مثيلا لأكبر دليل وأوضح برهان على جهاد شعب أبى الا ان يكون مجاهدا، ان من يدفن أبنائه بيده ويحيى المقاومة ، ومن يرى الرعب في صدور أطفاله بعد انتشالهم مضرجين بالدماء من تحت انقاض منزله ويقول فداءا للقدس ، ومن لا يجد ماءا يروي به ظمأ عائلته ويقول لن نرحل ولا للتهجير لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال (شحاد أو احمق )، وان صاحب الدكان في أزقة القدس الذي لا تتجاوز ارباح دكانه في اليوم مصروف طالب مدرسة ومع ذلك يرفض شيكا مفتوحا من اعدائه مقابله لا يمكن أن يكون أحمقا قط ، الحاجة الثمانينيه التي يطل شباك مطبخها على الأقصى تقبل بزهيد الزاد عشاءا لأحفادها ولا تقبل ملايين الدولارات ثمن لبيتها ليست (شحادة)على ما أظن .
وانه لمن الاجحاف بحق التاريخ وبحق أرواح الشهداء وبحق حضارة شعب أن لا ينصف الشعب الفلسطيني، وانه لمن العار علينا وعلى ضمائرنا أن نظلم المقاومة الباسلة التي تذود عنا وعن مقدساتنا وكرامتنا بأروحها ودماء أطفالها ، هذا الظلم لا يقتصر على خذلاننا وتقاعسنا عن نصرتهم وحسب وانما سكوتنا عن من يهرف بما لا يعرف بحق هؤلاء الأبطال الصامدون لهو عار علينا سيجله التاريخ كما سيسجل بأننا نشاهد شلال دمائهم في بث حي ومباشر ولا نحرك ساكنا






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد