دور الضفة الغربية في المعركة

mainThumb

16-11-2023 12:33 AM

تنتشر على شبكات التواصل مقولة «الكل خذل غزة»، وهي مقولة تعميمية غير دقيقة، وعدم دقتها ليس لأن التعميم لغة الحمقى، بل لأن أغلبية أصحابها إما أنهم يريدون تبرئة أنفسهم من هذا الخذلان، أو لأن عاطفتهم الوطنية دفعتهم لأن يكتبوا أي شيء، المهم أن نكتب ونصرخ ونشفي غليلنا، ونخرج الغضب الكامن فينا.. وهذا أمر طبيعي ومشروع في أجواء الشد العصبي والشحن العاطفي، من هول ما نراه وما نسمعه.. ولكن لا أحد يحدد بدقة طبيعة هذا الخذلان.. فهو مجرد تعبير عن شعور باطني (صادق) نُشمل به جميع الآخرين دون استثناء، علماً أن البعض لا يفعل شيئاً حقيقياً سوى الكتابة والصراخ.. سيظل مجرد صراخ طالما أنه عبارة عن مطالب غير محددة وغير واضحة وربما غير مفهومة من قبل قائلها، أو غير واقعية أحياناً.
المهم أن اتهامات الخذلان تطال جماهير الضفة الغربية.. ولأنها اتهامات محمولة على شحنات عاطفية، فستكون كما هي العادة: موسمية، ومنزوعة عن سياقها التاريخي والواقعي، ودون ذاكرة.
بمعنى أن مروّجي هذه المقولة ينسون تماماً أن الضفة الغربية كانت ساحة مشتعلة قبل الحرب بزمن طويل، وإذا أردنا الدقة والتخصيص لنركز على السنتين الأخيرتين، حيث شهدت الضفة عشرات العمليات نفذها شبان منفردون، وظهر العديد من التشكيلات والكتائب المسلحة التي نفذت العديد من العمليات، وتصدت لاجتياحات جيش الاحتلال في جنين ونابلس وطولكرم وأريحا وغيرها.. وهذا كله ضمن حاضنة شعبية دافئة وداعمة ومتقبلة للأثمان التي تدفعها، فضلاً عن المسيرات الشعبية والاشتباكات على نقاط التماس، والتصدي لهجمات المستوطنين.. وخلال الشهور العشرة الأخيرة التي سبقت الحرب قدمت الضفة 210 شهداء، ومئات الأسرى والجرحى.
وما إن اندلعت الحرب العدوانية حتى عمّت المسيرات الحاشدة مراكز المدن، وعلى أطرافها حيث نقاط الاشتباك الساخنة، فسقط حتى الآن نحو 200 شهيد، ونحو ألفَي جريح، إضافة إلى آلاف المعتقلين. وقد أدرك أهالي الضفة أنها حرب على الشعب الفلسطيني بأكمله، وأن الضفة ضمن دائرة الاستهداف المباشر، وأنها جزء من المعركة، وأن إسرائيل تخفي أهدافها الحقيقية منتهزة فرصة الدعم الأميركي والأوروبي غير المسبوق لتحقيق هدفها الكبير: تصفية القضية الفلسطينية، مستغلة انشغال الإعلام بالحرب على غزة، لتقوم بتنفيذ مخططها في الضفة بهدوء ومثابرة، والمتمثل في توسيع الاستيطان، وتهجير السكان قسرياً، وبانتظار حسم حربها في غزة لنقلها مباشرة إلى الضفة.
وما تفعله إسرائيل حالياً في الضفة الغربية: تقطيع أوصالها عبر مئات الحواجز العسكرية التي تشل حركة المواطنين، وإغلاق المنافذ المؤدية للتجمعات السكانية حتى تحبسهم في مناطق معزولة، مع صلاحيات كاملة للجيش بإطلاق النار على أي فلسطيني ودون تحذير، كما تنفذ كل ليلة حملة اعتقالات واسعة، إضافة إلى تضييقها الشديد على الأسرى في سجونها، وإطلاق يد قطعان المستوطنين لإرهاب المواطنين، بحيث يقومون بقطع الطرق الرئيسة والفرعية والاعتداء على المارة، ومهاجمة القرى المعزولة بأعداد كبيرة وإحراق بيوتهم، ومهاجمة قاطفي الزيتون، حتى أنهم وزعوا بياناً على القرى جاء فيه: استعدوا للنكبة الثانية، النكبة الكبرى، احملوا متاعكم وارحلوا، سننتقم منكم.
وبالمناسبة، استهداف الضفة الغربية لم يتوقف لحظة واحدة منذ احتلالها؛ فالاحتلال لم يتوقف عن سياسات الاستيطان وقضم الأرض، وتهويد القدس، والتهجير القسري البطيء والهادئ بعيداً عن الإعلام، إلى جانب مسلسل القتل والاعتقالات والاجتياحات وهدم البيوت وإقامة الحواجز وإعاقة الحركة والتنقل.
وفي الآونة الأخيرة تصاعد إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية بشكل خطير، حيث جرى تسليحهم وإنشاء ميليشيات مسلحة تتبع المتطرف اليميني إيتمار بن غفير، ولديها صلاحيات مطلقة بالقتل والتنكيل والتخريب، وقد شهدنا العديد من هجماتهم الإرهابية بحق القرى والبلدات وعلى الطرقات.. حيث يقيم في الضفة الغربية أزيد من 700 ألف مستوطن، وهؤلاء رديف الجيش الإسرائيلي وذراعه الضاربة.
وبسبب تيقظ الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، واستنفارهم المهووس بالقتل، تراجعت حدة المواجهات على نقاط التماس، وربما كان هذا سبباً لعدم تمكن كافة الكتائب المسلحة من تنفيذ عمليات نوعية، واقتصار دورهم على التصدي للاجتياحات.
هذا كله لا يعني أن غزة لم تتعرض للخذلان، وأننا جميعاً مقصرون، ولا يعني أن الضفة قامت بواجبها كاملاً، ويجب أن نكون صريحين ونقر بوجود فئات معينة بيننا لم تعد تكترث بالحدث، واكتفت بدور المتابعة.. فأي تبرير للخطأ والتقاعس مرفوض، ولا يجوز لأحد التنصل من مسؤولياته.. ولكن النقد، والحث على التصعيد، والمطالبة بما هو أكثر، شيء مختلف عن جلد الذات، وشيء مختلف عن المزايدة.. وبدلاً من تركيزك على فلان خذل، وفلان خان.. ركّز على دورك، وقم بواجبك.
صمود أهل غزة، واستبسال المقاومة، وتوحّد الشعب الفلسطيني بجماهيره وقواه وفصائله الوطنية، وتحرك الضفة الغربية سيفشل إسرائيل، وسيحرمها من تحقيق أي نصر سياسي.. وبقاء المواطنين وصمودهم في أرضهم، وقوة الموقف العربي (وتحديداً المصري والأردني) سيفشل مخطط التهجير.

(الأيام الفلسطينية)



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد