تسجيل صوتيّ يحرّك الشارع .. لماذا؟

mainThumb

04-10-2023 01:01 AM


من الضّروريّ الانتباه أولًا إلى أنّه، وفي ظلّ تطور الاتصالات وتقنياتِ الذّكاء الاصطناعيّ حديثًا، من الصعب السّيطرةُ على آراءِ الناس الناقدة والمعارضة، أو المُغْرضة والمثيرة للهلعِ والقلق في بعض الأحيان؛ فالتسارُع العلميّ في مجالات الاتصالات، مذهلٌ وسريع جدًا، ويتطور مختصرًا الزّمنَ، وخالقًا ازدحامًا وزَخَمًا هائلًا في المعلومات، وأيضًا... فقدانًا للقدرة على السّيطرة عليها.

تحاولُ كثيرٌ من الدُّول، أنْ تضبطَ المشهدَ لديها من خلال الخطابِ الدينيّ، والتوعية في المدارس والجامعاتِ من مخاطر الشائعاتِ المُغْرِضة، وإثارة الهلع والقلق بين الجماهير، وأحيانًا كثيرة من خلال تشديد العقوبات في التشريعات الجزائية، إلّا أنّ السيطرة المطلقة شبهَ مستحيلة.

وعليه، فإنّ المتأمّلَ يرى أنّ قضية مَطعوم الحصبة (MR)  وما رافقها من هلعٍ وخوفٍ لدى كثير من الأردنيينَ من الشمال إلى الجنوبِ، ومن الغرب إلى الشّرق دون استثناءٍ، أحدَثَها فقط "تسجيلٌ صوتيٌ"، وهذا ما قالَهُ وزيرُ الاتّصال الحكوميّ في مقابلته مع فضائيّة المملكة، تسجيلٌ أطلقه شخصٌ واحدٌ بصورةٍ منفردة.!
فعندما نعترف أنّ تسجيلًا صوتيًا، تناقله الأردنيون عبر تطبيقِ واتساب وغيره من التطبيقات الإلكترونية الكثيرة وسريعة الانتشار، أحدَثَ مثل هذا القلق والرعب لدى ملايين الأردنيين، علينا أن نتوقّف مليًا، ونطرح أسئلةً كثيرةً تحتاج إلى إجاباتٍ ومن ثمّ إلى معالجةٍ، فنحن اليومَ أمامَ واقع "تأثيرٍ جماهيريّ" مذهلٍ بأدواتٍ بسيطة جدًا، ودونَ كلفةٍ تذكر. ومقابِلَ هذا، يعجزُ الإعلام الرسميّ والخاصّ أمامَ الدِّفاعِ عن حملة التطعيمِ، وإقناع الناس بمأمومنيّة هذا المَطعوم... فأينَ الخللُ إذن؟!

لمحاولة الإجابةِ على هذا التّساؤل أوَدُّ العودةَ إلى بداية انطلاقِ الصحافة الإلكترونية في البلاد، وما رافقَ ذلكَ من حملاتِ تشهيرٍ وذمٍ وتحقيرٍ وابتزازٍ بحقِّ الكثيرين، الأمرُ الذي دفَعَ الحكومة إلى المسارَعةِ في تنظيم عمل المواقعِ الإخباريّة، وتنظيمِها وتنقِيَتِها من الشّوائب، ووصلت عملية التنظيمِ إلى تقييدِ فكرة الإعلامِ التفاعلي، من خلال تحميل ناشرِ الموقعِ مسؤوليةَ التعليقاتِ، الأمرُ الذي دفعَ الكثيرَ من الناشرين إلى حجبِ التعليقات، خوفًا من الغرامات، بل إنّ المُشرِّعَ الأردني في عام 2015 أجازَ حبسَ الصحفيين في تعديلاتٍ طرأت على قانون الجرائم الإلكترونيّة آنذاك .
هذا التنظيمُ والضبط الكبيرُ للمواقع، فتَحَ المجالَ للناس كي يلجؤوا إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ بتطبيقاتها المختلفة، ومن هنا عمّت الفوضى الإلكترونية، فانتشرتْ أخبارُ غير دقيقة، ورُوِّجَت الشائعاتُ، ووقعَ الكثيرُ من جرائمِ الذمِّ والتحقير التي غصّت بها أروقة المحاكم، الأمرُ الذي دفع المشرِّع الأردني إلى ضبط المشهد من خلال تشديد العقوبات في قانون الجرائم الالكترونية لعام 2023.
إذن، علينا أن نعترف أنّ ضبط المشهد في ظلِّ التسارع التكنولوجيّ والذكاء الاصطناعيّ، صعبٌ جدًا، فالفضاء الإلكترونيّ مفتوح، ونشهد كلّ يوم تطورًا تقنيًا جديدًا، فقريبًا سنشهد مقاطعَ صوتيّة وفيديوهاتٍ مُلفّقة ينتجها عابثون عبرَ تقنياتِ الذّكاء الاصطناعيّ، وقد بدأتْ فعلًا.. إذْ يمكن للذكاء الاصطناعيّ الآن أن ينتجَ أصواتًا طبق الأصل بعدَ تحميل مجموعةٍ من الأصواتِ السابقةِ عليه.. والأمرُ بدَأَ بأصواتِ الفنّانين، لذا؛ علينا أن نكون مستعدينَ لمواجهةِ مثل هذه الهجمات .
ولكن كيف؟، يجب أن نطلق الحريات العامة، ونقوّي الإعلام الأردني، ونفتح له المجال، ونحميه تشريعيًا وماليًا، ليكون سدًا منيعًا في الدفاع عن الهجمات العبثية القادمة، وألّا يكونَ عاجزًا وضعيفًا في الدفاع عن مجرَّدِ حملةِ تطعيم، فتحتْ المجال لتسجيلٍ صوتيٍّ لشخصٍ واحدٍ فقط، أنْ يزعزِعَ الأمنَ المجتمعيَّ.. نحنُ اليومَ نحتاجُ إلى إعلامٍ حقيقيّ وقوي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد