التضخيم الموجي الزلزالي وعلاقته بالخصائص الفيزيائية والهندسية

mainThumb

10-09-2023 11:23 AM

من خلال المشاهدات العينية في أعقاب أي زلزال يضرب أية منطقة، لوحظ تباين لا يستهان به في الأثر التدميري لأي زلزال من مكان إلى آخر. هذا الأمر دفع المهندسين المختصين بالزلازل لرسم خرائط كنتورية للمساحة السطحية المتأثرة بأي زلزال توضح تباين الشدة الزلزالية فيها طبقا للوصف العيني للأثر أو للدمار الناجم عن أي زلزال إضافة إلى التفاعل النفسي للإنسان مع الوسط المحيط به أثناء حدوث الزلزال. هذا الأمر أدى الى ظهور مقياس ميركالي في البداية وذلك حتى العام 1964 حينما جرى تطوير على هذا المقياس ليتناسب مع الظروف المختلفة للجيولوجيا السطحية والظروف المختلفة للمنشآت المقامة عليها واصبح منذ ذلك التاريخ يعرف هذا المقياس بمقياس MSK-64، حيث اعتمدته منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (UNESCO) في نفس العام.

اهتم اليابانيون والسوفييت (روسيا حاليا) مبكرا في القرن الماضي كثيرا في دراسة ظاهرة هذا التباين وذلك نظرا لتعرض بلادهم لأنشطة زلزالية كثيفة بالمقارنة مع غيرهم. اليابانيون من جهتهم ركزوا على دراسة المحتوى الترددي للسجل الموجي لاهتزازات الجيولوجيا السطحية من حيث السعة الموجية والزمن الموجي وعلاقتهما بالشدة الزلزالية في أي موقع حيث تبين بما لا يدع مجالا للشك وجود علاقة مباشرة بين الشدة الزلزالية والخصائص الاهتزازية للجيولوجيا السطحية. في حين ركز الروس على الخصائص الفيزيائية لأي موقع وعمق المياه الجوفية وأثرهما على الشدة الزلزالية. أول مرة يكتشف فيها أثر الجيولوجيا السطحية على حجم الدمار الناجم عن الزلازل، كانت في أعقاب زلزال كانتو في اليابان عام 1923، الا أن العقبة الرئيسية أمام الباحثين كانت في ايجاد وسيلة قليلة الكلفة لتقييم هذا الأثر مسبقا.

مع التقدم التقني المصحوب بالتقدم الكبير في المعارف والدروس المستفادة منذ منتصف القرن الماضي تمكن اليابانيون من استخدام الاهتزازات الطبيعية الدقيقة الناجمة عن مسببات اما طبيعية او مرتبطة بالأنشطة الانسانية للحصول على مدي استجابة أي موقع أو بمعنى آخر تقييم الشدة الزلزالية المتوقعة وذلك لأغراض هندسية.

هذا الاستخدام كان مثيرا للجدل في أماكن أخرى من العالم وخصوصا في العالم الغربي، و السبب في ذلك كان مع الشكوك المصاحبة لعدة دراسات في هذا المجال ألمحت إلى الصعوبات الفنية في التمييز بين الأثر الموجي لمصدر هذه الاهتزازات والأثر المباشر لموقع القياس في السجل الموجي، إضافة إلى التباين ما بين تسجيل الاهتزازات الطبيعية الدقيقة وتسجيل الزلازل.

إلا أن الاهتمام بالاهتزازات الطبيعية الدقيقة في العالم الغربي تجدد مع ورود العديد من المعلومات عن المشاهدات العينية التي أوضحت التباين في الشدة الزلزالية من موقع لآخر عقب العديد من الزلازل المدمرة التي حدثت وخصوصا زلزال المكسيك في عام 1985 .

حيث بدا جليا أن المعلومات التي قدمتها السجلات السهلة والأقل كلفة للاهتزازات الطبيعية الدقيقة كانت إلى حد بعيد متطابقة مع ما تم الحصول عليه من أجهزة رصد الحركة القوية، بفارق وهو أن سجلات الحركة القوية تفترض حدوث الزلزال لتعطي بيانات عن الخصائص الحركية لموقع الجهاز نفسه في حين تقدم الاهتزازات الطبيعية الدقيقة هذه المعلومات عن الخصائص الحركية اعتمادا على القياس المباشر قبل حدوث الزلزال بوقت طويل.

على ضوء الدروس المستفادة من الزلازل التي حدثت تكشف لدينا في الوقت الراهن أن هناك العديد من العوامل المختلفة التي تحكم التباين في الشدة الزلزالية أو التضخيم الموجي الزلزالي من عدمه أهمها كثافة الجيولوجيا السطحية والتباين في المقاومة الزلزالية بين الطبقة الجيولوجية السطحية والطبقة الجيولوجية المتوضعة أسفلها.


احدى أهم العوامل التي تحكم التباين في الشدة الزلزالية من مكان الى آخر اضافة الى ما ورد سابقا، هو العلاقة الهندسية بين المصدر الموجي الزلزالي وأي موقع على سطح الأرض, حيث لوحظ أنه كلما كانت زاوية سقوط الشعاع الموجي الزلزالي على الحد الفاصل بين الطبقة الجيولوجية السطحية والطبقة الأخرى المتوضعة أسفلها كبيرة كلما أدى ذلك الى انعكاس متكرر للشعاع الموجي الزلزالي داخل الطبقة السطحية بما يترتب عليه تضخيم موجي زلزالي أكبر وبالتالي شدة تدميرية زلزالية أكبر. وهذا ما يحدث عادة على القمم او على التراكيب الجيولوجية المحدبة.

بينما يكون الوسط الجيولوجي السطحي مخمدا للأمواج الزلزالية في حال كانت زاوية سقوط الشعاع الموجي الزلزالي قليلة أو تعادل صفرا. لأنه في هذه الحالة تزداد قدرة الشعاع الموجي على النفاذ والمرور خلال الوسط الجيولوجي دون أن يحدث له انعكاس متكرر داخلها وهو ما يحدث على السفوح التي تكون عادة أكثر أمانا من القمم. تقارير كثيرة بهذا الخصوص وردت في أعقاب زلازل كثيرة منها زلزال روغنيه عام 1909 حيث كانت الشدة الزلزالية على القمة أكبر بمقدار درجتين حسب مقياس الشدة MSK-64، هذا الأمر تكرر في أعقاب زلزال بام في ايران عام 2003، حيث كانت الشدة الزلزالية على قلعة بام المقامة فوق تلة كبيرة بالمقارنة مع الشدة الزلزالية على سفوح التلة.

في هذا السياق أيضا أشارت تقارير حديثة لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية الى أن التسارع الأرضي على قمة تلة ترازانا في كاليفورنيا في أعقاب زلزال نورث بريدج عام 1994 كان كبيرا على القمة وذلك على عدة ترددات، في حين كانت السفوح على هذه التلة مخمدة من حيث التسارع الأرضي بما يؤكد خطورة البناء فوق القمم وفي اعلى التراكيب الجيولوجية المحدبة.

وبناء على ما سبق يكون للطبوغرافيا السطحية والعلاقة الهندسية بين أي موقع على السطح والمصدر الزلزالي اهمية خاصة في زيادة الشدة التدميرية الزلزالية من عدمها وبما يترتب عليه تغيير كامل في خرائط الشدة الزلزالية التي اسست على ضوء أعماق ثابتة للمصادر الزلزالية.




فيما يتعلق بالأحواض الرسوبية الرخوة ، يكون عمق المصدر الموجي الزلزالي هو العامل الرئيسي في زيادة الشدة الزلزالية من عدمها في أي موقع داخل الحوض الرسوبي. وهنا ايضا تتحكم العلاقة الهندسية بين بؤرة الزلزال وأي نقطة في الحوض الرسوبي في حجم الشدة الزلزالية او التضخيم الموجي الزلزالي، لأن التغير في عمق الزلزال يؤدي بدوره الى التغير في زاوية السقوط وبالتالي يكون وضع أي نقطة في الحوض الرسوبي اما مضخما للأمواج الزلزالية بسبب الانعكاس المتكرر للأمواج الزلزالية فيها أو مخمدا في حال تغير عمق الزلزال وذلك على الرغم من تدني كثافة هذا الوسط الرسوبي. السبب في ذلك يعود الى قدرة الامواج الزلزالية على النفاذ خلال الحوض الرسوبي دون ان تتعرض للانعكاس المتكرر في حال انخفاض زاوية سقوط الأمواج الزلزالية على الحد الفاصل بين الوسط الجيولوجي الرسوبي والوسط الجيولوجي الأكثر كثافة.

بمعنى أن اي موقع في الحوض الرسوبي يمكن أن يكون مضخما للأمواج الزلزالية في حالة عمق معين للمصدر الزلزالي بينما يكون مخمدا للأمواج الزلزالية في حال تغير عمق المصدر الزلزالي على افتراض أن الاحداثيات الجغرافية للمصدر الزلزالي ثابتة في كلا الحالتين.

هذا الأمر لوحظ في أعقاب زلزال ذمار في اليمن عام 1982، حيث كانت الشدة الزلزالية في منتصف حوض ذمار الرسوبي قليلة نسبيا على الرغم من السمك الكبير للرواسب هناك بالمقارنة مع الشدة الزلزالية على أطراف الحوض مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفارق في المقاومة الزلزالية للطبقة السطحية للحوض بالمقارنة مع المقاومة الزلزالية للوسط الجيولوجي الأكثر كثافة كانت كبيرة على أطراف الحوض بما يترتب عليه تضخيم موجي أكبر.

على الأغلب ان عمق المصدر الزلزالي لزلزال ذمار أدى الى انحراف الامواج الزلزالية اسفل منتصف الحوض بعيدا عن الحوض نفسه .

عموما وعلى ضوء الدروس المستفادة من الزلازل السابقة اضافة الى المجهودات العلمية في هذا المجال، يمكن القول ان التباين في الشدة الزلزالية من مكان الى آخر تحكمه العوامل التالية: قوة الزلزال، البعد البؤري بين الموقع على السطح وبؤرة الزلزال، عمق الزلزال، العلاقة الهندسية بين المصدر الموجي الزلزالي وأي موقع على سطح الأرض أو ما يطلق عليه أثر اتجاه المصدر الموجي الزلزالي والموقع على السطح، سماكة الطبقة الجيولوجية السطحية، كثافة الطبقة الجيولوجية السطحية، تجانس مكونات الطبقة الجيولوجية السطحية، نوع الطبقة الجيولوجية السطحية، عمق المياه الجوفية، التباين في المقاومة الزلزالية بين الطبقة الجيولوجية السطحية والطبقة الجيولوجية المتوضعة أسفلها، زاوية سقوط الشعاع الموجي الزلزالي على الحد الفاصل بين الطبقة الجيولوجية السطحية والطبقة الجيولوجية المتموضعة أسفلها، النسبة بين طول موجة الشعاع الموجي الزلزالي وسماكة الطبقة السطحية وكذلك درجة تشبع الجيولوجيا السطحية بالمياه الجوفية.

الدراسات التاريخية في منطقتنا اشارت إلى أن زلزال وادي البقاع في لبنان اللذي كان بقوة 6.6 حسب مقياس ريختر عام 1759 أحدث دمارا واسعا في أجزاء مدينة طبريا المقامة فوق رواسب غرينية رخوة والأقل كثافة والصلابة بالمقارنة مع المنشآت المقامة فوق اوساط جيولوجية أكثر كثافة وأكثر صلابة في المدينة ومحيطها. ينبغي الإشارة أيضا الى أن العرب تاريخيا مارسوا تطبيقات هندسية زلزالية في مجال البناء المقاوم لأفعال الزلازل، يستدل على ذلك من خلال التنقيبات الأثرية والمشاهد التي ما زالت موجودة حتى وقتنا الراهن في كل من الأردن وفلسطين منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام.

حيث لوحظ وجود نوافذ عريضة بعمق 90 سم في سور قصر هشام في أريحا وكانت على الأغلب تستخدم لحصر الدمار في مواضع معينة من جسم السور بحيث لا ينهار السور بأكمله في حالة وقوع أي زلزال. كذلك كان هناك تطبيقات هندسية زلزالية أخرى للعرب بغرض تحصين منشآتهم لمقاومة أفعال الزلازل على جانبي وادي عربة، مثل نحت مدينة كاملة ورائعة هندسيا في الصخر الرملي في ألبتراء, بناء المعبد النبطي على جبل رم ما بين 31 - 36 ميلادي, إضافة إلى تل الخليفة بالقرب من أم ألرشراش في فلسطين، وجود جدران استنادية على أسوار قلعة الأزرق لمنعه من السقوط في أعقاب أي زلزال. صمود القصر الأموي في جبل قلعة عمان لما يزيد على الف وثلاثمائة عام، اذ تبين أن هذا القصر يمتاز بمعامل اخماد هندسي آمن بما يثير الدهشة خاصة وأن هذا المنشأ مقام على قمة تلة تمتاز في العادة بمعامل تضخيم موجي زلزالي كبير.






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد