صحيفة السوسنة الأردنية

الحلقة الثانية

أيام في المدارس

كان ترتيبي السادس في العائلة، وكانت العائلة مكونة من 5 ذكور هم عاطف ومحمد وأنا وإبراهيم وهمام، و8 إناث هن على التوالي: المرحومة نجاح وميسر وإنعام وهدى وعطاف وأسماء وختام وإسراء.

لم يكن الوالد رحمه يفرق بين بنت وولد، بدليل أن الجميع درسوا في الجامعات وبتخصصات شتى، وكان حريصا على تعليم البنات وتربيتهن التربية الصالحة، أكثر من حرصه على تعليم الأولاد، حيث حصلت على الدكتوراة من المانيا عام قي الجيولوجيا والبيئة عام 1994 وتخصص عاطف في إدارة أعمال ود. محمد في اللغة العربية واكمل الدراسات العليا في الإدارة وإبراهيم مهندس كيماوي، وهمام هندسة الكمبيوتر والاخوات: ميسر تعليم مهني، وانعام الإدارة العامة وهدى الانجليزية وعطاف درست علم الاجتماع وأسماء درست الإنجليزية ، وختام الإدارة العامة واسراء الهندسية الصناعية.

كانت والدتي رحمها الله إبنة العالم والشيخ الجليل إبراهيم صالح العمري، وهو خطيب وفقيه مفوه،وكان والده فضيلة الشيخ حامد العمري حاصل على اجازة شرعية من الازهر وكان جدي يقوم بالتدريس في المساجد والكتاتيب ،ويتنقل على حصانه بين حنايا الاودية وتعرجات سفوح الجبال، لتعليم أبناء القرى المجاورة مثل قرية سوم الشناق، التي لا يزال اهلها يذكرون البيت الذي سكنه لعامين عندهم،وكان يعمل فيها مدرسا وخطيبا بدون أجر لوجه الله.

كما كانت الوالدة أيضا امأ خلوقة وأديبة تخرجت من مدرسة والدها الشيخ إبراهيم حامد العمري، وكانت تتزين بالأصالة وتتوشح بالكرم، وكانت حريصة على بث روح الفضيلة والخلق الحسن فينا، ولم تشعرنا يوما بغياب الوالد،وكانت تركز على صلاتنا وصيامنا، حيث بدات الصلاة انا وعمري 4 سنوات، فيما بدأت الصيام الحقيقي وعمري 6 سنوات.

وتزوج والدي متاخرا زوجته الثانية بعد مرض والدتي وهي خلود الخالدي وخلفت همام واسراء.

كانت الوالدة رحمها الله مرجعية الحي، وتتمتع بعلاقة حسن الجوار مع الجيران، ولم أر لها مثيلا في العالم، رغم أنني زرت 102 دولة في العالم، وكانت حريصة على حسن الجوار، وكان أهل الحي وحتى يومنا هذا يترحمون عليها، وإمتازت علاقاتها بأهلها وبأهل زوجها بالتوازن،ولم تتدخل في شؤون أزواج بناتها ولذلك بكوا عليها بعد وفاتها أكثر منا. عند تشييعها إلى مثواها الخير كان لها جنازة مهيبة شارك فيها ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص.

كنا نعيش حياة محبة وإخاء كأبناء حي واحد تربطنا الصداقة، وكانت تربية البيت تسمح لي بإستقبال أصدقائي من أبناء الحي، وكنا ندرس معا حتى الفجر، كما كانت صحبتنا صحبة مسجد، وكان لدينا دفتر لتوثيق صلاة الجماعة في مسجد الزيوت ومسجد علي بن أبي طالب،ومنهم الكاتب محمود الزيودي والحاج سمرين المشاقبة والوجية ابو عدنان عودة والشاعر سليمان ابو شنب.

كانت تركيبة حارتنا السكانية آنذاك تمثل مجلسا مصغرا عن الأمم المتحدة حيث الشركس والشيشان والأفارقة من نيجريا والعرب من السودان والاكراد وزوجات البعض الألمانيات والأمريكيات والرومانيات،إضافة إلى اللبنانيين والسوريين والمصريين، وكانت علاقتنا مع بعضنا مترابطة .

كنا في المسجد نتعلم على يد الشيخ نور الدين الشيشاني إمام وخطيب المسجد الدروس الدينة بين صلاتي العصر والمغرب، وكان يساعده الشيخ احمد الخطيب،بينما كنا ندرس الترتيل والتجويد وحفظ القرآن الكريم بين صلاتي المغرب والعشاء،على يد الشيخين الأسعدين ، الشيخ أسعد المريان والشيخ أسعد صابر.

بدأت حياتي الدراسية مع الكتاتيب، حيث وضعني والدي رحمه الله في كتّاب أبو بكر لمدة عامين عام 1968، حفظت فيهما جزء عمّ حتى سورة الناس عن ظهر قلب ترتيلا وتجويدا، ثم إنتقلت إلى مدرسة الملك عبد الله في منطقة الغويرية بالزرقاء عام 970، وكان مديرها آنذاك الحاج حسين الرفاعي، وكان يدرسنا فيها الاسناذ الشيخ صالح ويرتدي عمامة وجبّة، ويتصف بالحزم والشدة والدقة في العلم، وكان ترتيبي الأول على الصف.

لم اجد صعوبة في الكتّاب، لأن تربيتنا البيتية كانت ملتزمة، مما جعلني اعشق التدريس، وكانت ذاكرتي قوية إلى درجة أنني كنت احفظ السورة القرآنية فور تلاوتها على مسامعي للمرة الأولى،الأمر الذي كان يذهل البعض.

إنتقلنا فجاة إلى مدرسة مسلمة بن عبد الملك، ودرست فيها الصف الابتدائي، ثم انتقلنا إلى مدرسة الملك غازي القريبة من حاووز الزرقاء ودرست فيها الصفين الثالث والرابع، ثم مدرسة أسد بن الفرات لدراسة الصفين الخامس والسادس الإبتدائي، وبعد ذلك إنتقلنا إلى مدرسة المهلب بن أبي صفرة لدراسة الصفين الأول والثاني الإعدادي، بينما درست الثالث الإعدادي والاول ثانوي في مدرسة المغيرة بن أبي شعبة ،وبعد ذلك انتقلنا إلى مدرسة الزرقاء الثانوية عام 1981 ودرست فيها الصفين الثاني والثالث ثانوي"توجيهي".

كنت متفوقا خلال مراحل دراستي في كافة المدارس، وكان ترتبي إما الول او الثاني على الدوام ،وما ازال احتفظ بشهاداتي المدرسية ،لأنني اخذت التوثيق عن والدي رحمه الله.

كنت دوما وبسبب إلتزامي وبنيتي الجسمية القوية وخلقي الحسن عريفا للصف ،وكنت أدرية حوار طابور الصباح عبر مايكروفون المدرسة،وكنت الأول في المطالعة على مستقبل المملكة مما اكسبني شهرة واسعة،وجاء ذلك لأن والدي أسس عام 1971 مكتبة أسماها الحرمين الشريفين، وهي من أوائل المكتبات في الأردن، ولم يكن يهدف للربح من ورائها، بل كان يرغب أن تكون مقرا له ليمارس فيها أنشطته الثقافية والأدبية وكتابة مؤلفاته، لذلك كنت مواظبا على القراءة لامهات الكتب مثل العقد الفريد لإبن عبد ربه وتاريخ الطبري وتفسير القرطبي وكتب اخرى، ورغم أن الكثيرين كانوا يحسدونني إلا انني كنت محبوبا من قبل الجميع.

كانت علاقة قوية بسبب نشاطي اللامنهجي المتواصل، كما أنني اتقنت الخط العربي بعد دورة اخذتها لهذا الغرض، وكنت ماهرا في الرسم، وعشقت الطبل والدف والناي، ولا أزال أعزف عليها حتى اليوم ،كما كنت كابتن المدرسة في كرتي السلة والطائرة، وكنت مدافعا شرسا في كرة القدم لصلابة بنيتي الجسمية، ناهيك عن كوني أيضا سباحا ماهرا، كل هذه الامور جعلت علاقتي مع المدرسين قوية، وكانوا يحترموني.

كنت متفوقا في كافة مراحل الدراسة، وكان ترتيبي إما الأول او الثاني على الدوام، وكان عدد الطلبة سبعين طالبا ،بمعنى أن المنافسة آنذاك كان لها معنى، وكان المدرسون يشهدون لي بتفوقي ومستواي العلمي المتقدم وبمهاراتي المتعددة، حيث كنت صاحب مواهب عديدة، وكتبت الشعر في الصف السادس الابتدائي، وكانت اول قصيدة كتبتها بعنوان "امي الحبيبة"، طلبها مني الأستاذ غالب سنجق بمناسبة عيد الأم.