على حافة الإنتظار

mainThumb

23-08-2023 08:01 PM

خرج سمير كعادته كل ليلة متسللا في زحمة الظلام ،خائفا من الظلال التي تلاحقه في كل مكان . جاب دروب المدينة القديمة مستأنسا بقططها السائبة ، تلامس ثوب سرواله الفضفاض ، لقد اعتادت وجوده أو ربما رائحته العفنة .خيوط أفكاره تجره إلى ويلات الذل وقهر الزمان بعدما تلاعب بالأموال أصبح مدينا للجزار والخضار وحتى الخمار،أما رجال الشرطة يطرقون بابه كل نهار لأنه مدان بسرقة المال.


بمجرد وصوله إلى محطة الأسفار تربع في ركن من الأركان يترقب قدوم الحافلات من مدينة طنجة ،انتظر طويلا دون ملل ساندا ظهره على حائط راش مفترشا الأرض غير مبال بالمجرمين والمتسكعين . تسرب إلى قلبه المتلاشي بصيص من الأمل حين تأكد من دخول حافلة حمراء ،قصدها بحذر شديد يحصي الأشخاص . فإذا بيد خشنة الملمس تمسك قفاه ، بلل ثيابه ورفع يديه إلى الأعلى مستسلما لقدره فإذا بصوت حزين النبرة يهمس : لقد توفي أخوك وعليك المطالبة بجثته . اصفر وجه سمير وانحبست أنفاسه دقيقة كأنها سنين حلت وارتحت ثم سقط أرضا لعل التراب يدفئه إلى الأبد .


أفاق في غرفة ساطعة البياض ونغمات ممرضة حسناء تطمئنه على استقرار حالته الصحية ، أبحر في عينيها الحوراوتين حين حقنته إبرة في ذراعه اليسرى بيديها الناعمتين لتتضاعف نبضات قلبه البئيس بعد سبات عميق . استدار يمينا برأسه ليشكرها على الإهتمام فإذا برجل يدخل باستعجال مرتديا بذلة سوداء ، انصدم حين علم أنه أخاه التوأم ، أغلق عينيه وهو يردد إنه حلم ثم فتحها على نفس الوجه فتمتم بشفتيه المرتعدتين : قيل لي أنك ميت فأجابه بتهكم : أيهما أصدق السمع أم البصر؟ ثم جلس على الكرسي المقابل ينظر إلى ساعته الباهظة مواصلا كلامه : عليك شكري ، لقد حررتك من ديون لا تطاق، رد عليه سمير محاولا النهوض من سريره : معروفك لن أنساه ، سأسدد كل ماصرفته فور حصولي على وظيفة محترمة .

قاطعه أخوه قائلا: لقد سددت وبعد نصف ساعة سترتاح هاني البال. ارتعب سمير وحاول الوقوف فإذا به يهوي أرضا من جديد لكن هذه المرة تحت أقدام أخيه الذي يطلب النجدة والناس يصرخون من حوله إنه سكير ومجرم خطير والآخرون يؤكدون للشرطة أنه تعاطى جرعات زائدة من المخدرات. أما سمير قد سئم الإنتظار وقرر الإنتحار، يتنفس بصعوبة والألم يمزق أحشاءه وهو يردد : عيش كريم أو موت رحيم.


* كاتبة من المغرب .






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد