جمال باشا السفاح: خداع ومجاعة

mainThumb

08-12-2022 09:04 PM

لو بحث الحزن والاسى والشقاء والظلم عن مكان في الكون لما وجد غير ما يدعى بالوطن العربي ، فطبيعة الوطن العرب بصحاريه الشاسعة في افريقيا كانت ام في الشرق العربي تخلق ظروفا مناسبة للمجاعة ، حتى وان احتال ساكنها على الطبيعة الجافة وقهرها بزراعة المحاصيل الزراعية فإن تلك البيئة الحارة الجافة تستخدم ما لديها من أسلحة فتاكة تأكل الأخضر واليابس، ومثال على ذلك ما وقع في نهاية عهد الخلافة الإسلامية العثمانية تحديدا في 21- تشرين الثاني سنة 1914 إذغادر السفاح جمال باشا الاستانة ووصل سورية في كانون أول في تلك السنة. وبدأ فترة ولايته بأسلوب ماكر ( سياسة ميكافيللي وعجائز زمان: قليل العقل يرضيه الكلام وكبير البطن يرضيه الطعام.) لكنه بمكره ودهاءه عمل على تفاقم اخطار الطبيعة على الانسان بل اتبع سياسة التجويع مغلّفا ظلمة بمعسول الكلام وبحركات قرعاء : بدأ عهده بالتظاهر بالميل إلى العرب ، والتقرب من رجالاتهم. فعين طبيبا عربيا اسمه عبدالرحمن شهبندر طبيبا خاصا له، وقرب جمال باشا الكثير من رجالات العرب إليه حتى انه امتدح العرب بطريقة مسهبة في خطاب ألقاه في النادي الشرقي في أوائل كانون الثاني 1925 قال فيه:
" يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم منذ شروق أنوار الهداية الأحمدية، إحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام، عضوا على عربيتكم بالنواجذ، ودافعوا عنها بكل قواكم ....الخ "
لكنه في اليوم الذي ألقى فيه هذه الخطبة، أًصدر امرا عسكريا بتفريق كتيبة ضباط العرب الشبان في دمشق وعددها 80 شابا،لأن أناشيدهم الوطنية الحماسية في تلك الحفلة قد أزعجته. وفعلا أرسل الشبان إلى ميادين القتال في الدردنيل والقوقاز ووُضِعوا في السواتر المتقدمة من خطوط القتال، ثم لم يلبث أن التفت على من قربهم من العرب إليه فاعتقل الكثيرين منهم في أوائل شهر حزيران1915, وعلّقهم على اعواد المشانق بعد محاكمة صورية في بيروت صباح 11 آب - 1915. ثم لم يلبث أن ألحق الدفعة الأولى من أحرار العرب الذين علقهم على اعواد المشانق بدفعةثانية من الأحرار الأبرياء. ولم يكتف بذلك بل بدء بإبعاد الضباط والجنود العرب عن سورية والعراق وتنسيب أحرار العرب وقادة الرأي فيهم إلى مناصب مدنية وعسكرية خارج البلدان العربية.
وتأتي المجاعة بجبروتها كأنها كانت سلاحا معينا لجمال باشا وربقته إذ تفشت المجاعة والضيق الاقتصادي الرهيب في البلدان
العربية. ولم تتخذ الحكومة التركية ولا جمال باشا بالذات أي خطوات فاعلة لتخفيف حدتها وازالة أثرها السيْ على الناس. وقد أصابت المجاعة عوائل الذين كانا يقاتلون تحت لوائه. ولقد بلغت المجاعة في أيامه في البلاد العربية حدا فظيعا ، حتى لقد قدر عدد الذين ماتوا جوعا في لبنان فقط بخمسة وثمانين الفا خلال ثلاثة اشهر. ولم يكن حال سورية والعراق بأحسن من حال لبنان. وقد وصف أحد الفارين من سوريا الحالة الاقتصادية في تلك البلاد قائلا:
" ... أين أدرت نظرك رأيت رجالا ونساء و أطفالا عراة حفاة يشكون من ألآم الجوع جهارا ويقفون أمام كل من يدخل مطعما من المطاعم القليلة الباقية ليأكل فيه ، يغبطونه على لقمة تدخل فمه.

ويصب ربك سوط العذاب بإرسال الجراد مع ارتفاع الأسعار وقحط المواد المعاشية فسطا الجراد على سورية في سنة 1915 فالتهم جانبا من الزرع وافنى محصولات كثيرة.
واللبيب الذي يتدبر بلايا الجراد وبلايا حكومة الاتحاد والترقي لا يستغرب بعدها أن تكون البلاد التي عرفت منذ قديم الزمان بانها بلاد تفيض لبنا وعسلا واشتهرت باليسر والرخاء قد امست بلادا خيم العسر والضيق عليها وضرب الفقر اطنابه فيها حتى صار فقراؤها يتزاحمون على قشور الليمون والبرتقال ومصاصة قصب السكر كي يقتاتوا بها بعد ما بارت فيها التجارة وتوقف دولاب الصناعة وندرت الايدي العاملة في الزراعة".
ولم تقتصر مصائب سوريا على ما ذكر، بل دهمتها الامراض الفتاكة أيضا لتساعد الجوع على حصد الخلق فتفشت فيهم حمى التيفوس من حلب الى حمص وحماه وطرابلس حتى اتصلت بدمشق وما جاورها، وقد خلت البلاد من الأطباء بعد ما ارسلتهم الحكومة التركية مع جنودها إلى ساحات الحربوخلت الصيدليات منالأدوية بعدما أخذت الحكومة ما فيها لمداواة جنودها.
وقد توفي ثمانية الالاف نفس بالتيفوس في ولاية حلب فقط. وأتهمت الحكومة الاتحادية بمنع وصول الإغاثة والمساعدة للمناطق المذكورة
صور مرعبة:
كانت صور تلك الأيام في سورية مرعبة فظيعة، وحسب ما روى الفارون منها في تلك الأيام الذين رَوامآسي الأمهات اللواتي مُتْنَ جوعا على قارعة الطريق ضامات أطفالا ناحلين على صدور نضب لبنها وتقوست عظامها، و الذكور هائمون في الحقول والغابات يحاولون انتزاع جذور الشجر ليسدوا الرمق ، والجميع يرون المشانق منصوبة وأبواب السجون مفتحة والناس تساق زرافات الى المنفى في الاناضول.
ولم تكن العراق أحسن حالا، فقد عانت الموصل من المجاعة الشيء الكثير ووصل الحد بأهلها ان اقتاتوا بالكلاب والقطط ولم يتورع بعضهم عن أكل لحوم البشر.... ومن أغرب حوادث المجاعة ما أوردته صحيفة ( علم دار ) التركية بعنوان موائد الاتحاديين جاء فيه:
" دعي في الموصل رجل وزوجته الى المحكمة بجريرة انهما كانا مدة سبعة أشهر يأكلان لحوم الأولاد الصغار، فدارت في الجلسة المناقشة التالية:
القاضي : كيف أقدمتما على هذا العمل؟
المرأة:جعنا واحتملنا الجوع الى حد لا يطاق، فاتفقنا أخيرا على أكل الهررة. وهكذا كان. بقينا نصطادها ونأكلها الى ان نفذت من حيّنا.
فبدأنا بالكلاب ونفذت أيضا وكان لحمها أطيب وأشهى من لحوم الهررة ، فجربنا اكل لحو م البشر.
القاضي: بمن بدأتما اولا ؟
المرأة: بإمراه عجوز خنقناها وطبخناها في حلة كبيرة الا اننا قضينا كل تلك الليلة نتقيأ لأن لحمها كان صلبا دسما. ثم ذبحنا ولدا صغيرا فوجدنا لحمه في غاية اللذة والجودة!
القاضي: وكيف كنتم تصطادون الأولاد؟
المرأة : بواسطة ولدنا كل يوم يأتني بواحد بحيلة اللعب معه ، فنخنقه ونأكله وندفن عظامه في هوة عميقة حفرناها داخل بيتنا.
القاضي : كم ولدا أكلتما؟
المرأة: لا أذكر عددهم تماما، ولكن يمكن احصاؤهم من عدد جماجمهم.
وارسلت الى البيت هيئة تفتيشية فوجدتما يزيد على مائة جمجمة بينها جمجمة العجوز
قال شاهد اخر انه يخشى ان يأتي زمان لا يجد الناس فيه الا خنافس المزابل و" الجعلان" فيأكلونها لذلك اتخذت الخنافس والجعلان من العقارب رفيقة جحر لها!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد