طفلة سورية تستحيل أستاذة

mainThumb

10-11-2022 03:21 PM

لم تكن الحياة عادلة لأطفال سوريا. تشرد بالآلاف وجوع وصقيع، وغرق وموت بشع وظالم. وأشلاء في البحار لا تعد ولا تحصى.
لقد دفعوا الثمن الأكبر لحرب جهنمية، لا يد لهم فيها. وما زال الكثيرون منهم يعانون مما خلفته تلك الحرب من آثار على مستقبلهم وصحتهم النفسية والجسدية.
قد يسأل البعض: هل هناك موت جميل وموت بشع؟ الموت هو الموت. حارق ومؤلم وموجع إلى أقصى حدود. وفراق الأبناء هو أصعب أنواع الفراق، ربما لأنه يعاكس الطبيعة ويقهرها، فحسب الترتيب المتوقع لآلية الموت، يرحل الأبوان أولاً ثم الأولاد. لكن هذه المعادلة تنقلب بشكل مأساوي في بعض الظروف، وخاصة في زمن الحروب، التي تعاند فيها الرياح مسار السفن. قد يرحل الأبناء أولاً ليتركوا ندوباً مفتوحة في قلوب أهاليهم.
نعم هناك موت دافئ في فراش هادئ، وهناك موت قهّار في البحار، وموت وحشي على الطرقات وموت ظالم في المخيمات من شدة البرد، وموت مدوٍ ناتج عن الجهل والأمية وانعدام فرص التعليم. وربما الموت الأخير هو أقسى أنواع الموت، لأن الفرد يحتضر فيه مدى العمر ليصل من خلاله إلى مستقبل معدوم.
ألا يقول المثل الشعبي: «يا رب ما موت لا صقيع ولا غريق ولا مشرد بالطرق» و»العلم نور»، أي أن الجهل موت محتم.
وكل تلك الميتات على اختلاف أنواعها كانت من نصيب أطفال سوريا.
لم يعرف أحد القهر، كما عرفوه واختبروه وعاشوه بتفاصيله.
ومع ذلك يمتد رأس صغير من تلك العتمة الحالكة ليضيء بعينيه شيئاً من ظلمة الموت العنيدة.
إنها مريم. طفلة لا يتعدى عمرها العشر سنوات. شعر طويل مجدول إلى الخلف. عقدته خصلة خصلة، وكأنها تعقد به أيامها الموجعة. تبتسم لتطلق شعاعاً دافئاً من عينيها البنيتين المشبعتين بالمحبة. لم تتعلم كثيراً في بلدتها كفر بطيخ الواقعة بريف إدلب قبل النزوح إلى مخيم عفرين، ولكنها تحفظ ما تعلمته جيداً. ولم يكن أمامها خيار سوى أن تصبح معلمة لعشرين تلميذا في المخيم، بعد أن انعدمت فرصة وجود أستاذ يتولى تدريسها وأصدقاءها الصغار.
هكذا تقف بحب وتفان، لتعلم الأطفال القراءة والكتابة والحساب في خيمة استحالت صفاً. هناك يجلس الطلاب على الأرض، لا أوراق ولا دفاتر ولا أقلام. هناك أحلام معلقة في الهواء وأمنيات مؤجلة. ينظرون بعيون مفتوحة إلى معلمتهم الصغيرة ويحاولون فهم ما تقوله لهم، وربط الحروف ببعضها علهم ينطقون كلمة تعيد لهم بعضاً من الأمل الغائب.
أما المدرسة الطفلة فتقف أمام لوح أبيض صغير تكتب عليه حروفاً وكلمات، وتشرح لهم قدر استطاعتها كل ما تحمله ذاكرتها المنمنمة من علم ولو قليل.
مريم الصغيرة، تحاول مدهم بكل ما تعرفه، وكأنها تسعى لانتشال أصدقائها من موت أصعب من موت الجسد، وهو الموت المحمّل بالجهل والأمية.
هي بطلة تقاوم أوجاعها وخساراتها لتقف في وجه الظلم، محاولة انتشال أصدقائها من حفرة عميقة ومصير بائس.
قد تكون من خلال تدريس رفاقها ترسم لنفسها هدفاً يربطها بالحياة. ينسيها قسوة العيش في مخيم ويمنحها شيئاً من التوازن والفرح.
وقد تكون تلعب لعبة الأستاذة والطلاب. إنها حتماً تضيء شعلة وإن كانت صغيرة في درب هؤلاء الأطفال.
ولكنها، مهما حاولت لن تستطيع إنقاذ نفسها وهؤلاء الصغار إلا بحضور أساتذة مختصين يتولون مهامها ويقدمون لهؤلاء الأطفال ما يستحقون من علم ومعرفة.
ويبقى السؤال أين هو تكاتف وجهود المؤسسات الدولية والجمعيات الإنسانية؟ وما مصير هؤلاء الأطفال إن لم يتم تزويدهم بسلاح العلم؟

امرأة ترفض 4 مليارات دولار

من مريم إلى قصة امرأة ألمانية تبلغ من العمر ثلاثين عاماً، تدعى مارلين إنجلهورن انشغل بها رواد مواقع التوصل الاجتماعي وملأت حكايتها صفحات الـ»سوشيل ميديا».
إنها المرأة المحظوظة. أو على الأغلب هذا ما قد يصفها به معظم من يسمع بحكايتها.
نامت لتستفيق على ثروة قد يحلم بها الكثيرون من سكان الأرض: 4 مليارات دولار «بشحمها ولحمها» ورثتها عن جدتها، التي توفيت عن عمر يناهز 94 عاماً! لكن مارلين رفضتها! نعم رفضتها لأنها لم تتعب في الحصول عليها. لم تعمل ليل نهار، ولم تكن لها أي مساهمات في بناء تلك الثروة الكبيرة، ولم تجتهد للحصول عليها. ببساطة شديدة، لم تر في ذلك الميراث ما يحقق العدالة الاجتماعية.
كم من مارلين نحتاج في لبناننا، كي نوقظه من موته المحتم في ظل موجة الفساد الكبيرة الممتدة على طول البلد وعرضه؟
هل من مارلين واحدة تنقذنا من تبادل الصفقات وتحكّم الإرث السياسي، بدل الكفاءات في اعتلاء المراكز. فحكامنا لم ينهبوا ثروات البلد فحسب، بل كانوا على وشك ابتلاع الشعب ولم يشبعوا. حكامنا لم يسمعوا يوماً بالعدالة الاجتماعية ولا يعرفوا عنها شيئا.
مارلين انزعجت من مجيء ثروة لا تستحقها. في حين أن ملايين اللبنانيين لا يستطيعون تحصيل أموالهم الخاصة من البنوك. إنه المضحك المبكي!
يا حسرة عليك يا لبنان!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد