ظل في الزيت

mainThumb

07-11-2022 05:32 PM

سار الدواج أبو حوشان الهوينى في أزقة خربة " ام السحالي" يقود حماره خلفه كان ينادي: قطين..... عجوة .... حلقوم ... ملبس قلايد.... ناشد ... كان ممسكنا برسن حماره القبرصي الابيض الضخم توقف عند كل بيت مر امامه ... وتحلق الأطفال من حوله فرحين اشترت الأمهات ما استطعن من بضاعته لأطفالهن ... كان قدوم الدواج عيدا للأطفال.. فتراهم يطفقون فرحا خلف الحمار.... واذا مر ببيت ولم تشتر الأم منه الحلوى يسمع بكاء الأطفال فليحقه غلام ينادي سائلا : تأخذ حبوب : قمح... شعير .... ذرة بيضاء.؟. فيعود ويأخذ حبوبا مقابل العجوة او الحلقوم واحيانا يجود بقلادة ملبس لطفل يبكي.
اقترب من خشة لبّود... فخرج اليه لبّود طالبا منه ان يعطيه الحلقوم والعجوة دينا لكن الرجل رفض ... امتلأ صدر لبّود حقدا وغيظا وبيّت في صدره امرا.... اضطر لبّود ان يعطيه نصف كيس من القمح المنقى لشراء العجوة فوقها قلادة ملبس!
ما ان حان اذان العصر الا وقد نفدت بضاعة الدواج فركب حماره العالي ... واتجه شرقا الى حيث بيته في مركز اللواء...
كان أبو حوشان مسرورا بحصيلة اليوم وكان حماره أكثر سرورا منه إذ تخلّص من الحمل الثقيل رغم ان أبا حوشان كان يعتلي ظهره! كانت أغصان الرتم تعوي برياح الخريف التي تناوحت من خلالها .
هبَّ قاصف من الريح يحمل شجيرة بلان فصفع بها وجه ابي حوشان فأدمت اشواكها صفحة وجه فبرزت نقاط من الدم دقيقة على وجه بفعل رؤوس الاشواك التي خدشت بشرته! فقال هذا فأل شؤم! اقترب من منحدر كثيف الأشجار المتشابكة .... المكان موحش كثيف الأشجار. حتى الحمار أحس بوحشة المكان توقف ضاما اذنيه... لكن أبا حوشان حثه بمِطراق على رقبته فانطلق الحمار مسرعا ... كان على الحمار تفادي صخرة ضخمة في وسط الطريق سمّاها الناس " المتراس" لأن قطّاع الطرق كانوا يكمنون في ظلها كي يمارسوا هواياتهم في سلب المارة.
سرت رعشة في جسد أبي حوشان عندما قفز شبحان غارقين في السواد لا تبان الا عيونهما ... قفزا وامسكا برأس الحمار صارخين ... انزل وضرب احدهما بخيزرانة راس ابي حوشان فهوى عن الحمار يتلوى من الألم أرضا انهالا عليه ضربا .. وفي النهاية جرّداه ملابسه وجلس احدهما يفتش جيوب ملابسه وثناياها ... سلباه كامل غلته مع علبة دخان "الهيشي" والقداحة ذات الحجر!
وأطلقا ساقيهما للريح ...
ركب أبو حوشان حماره منكسر الخاطر وعاد الى الخربة ودخل على بيت كبيرها الشيخ “المرتجى" شارحا له ما جرى!
صدح النجر في بيت الشيخ المرتجى واجتمع رجالات القرية عنده فقال الشيخ : من العار علينا ان يسلب دواج مسكين في حمانا فلابد ان نعرف من سلبه تعبه أو ان ندفع له ما خسر !
سأل الشيخ : اين لبّود وسلّيم وطلب ان يحضرا ... فخرج شابان من المضافة يسعيان لجلبهما الى الديوان ... فوجداهما في طرف القرية فأبلغاهما ان الشيخ المرتجى يريدهما.
وصلا ودخلا المضافة فانتفض الشيح واقفا بيده خيزرانة فصاح بهما :" اين مال الرجل؟" فنظر اليه لبّود باستهتار قائلا : على هونك لا يطق لك عرق ، انا لا اعرف شيئا وكذلك قال زميله سليّم . خاطباه قائلين : اسمع , شدّ راس حصانك ، زمان اول حوّل ,,, لا تنس كيف صرت مختارا ... فصندوقك الأسود لدينا ان فتحناه ستشرق شمس الضاحية على كهوفك المظلمة . فلا تحسبّن أيها السادر في غيه انك المبجل المقدم علينا لا تجعلنا نفتح الصندوق !! اكفنا شرّك خير لك لسنا من مطاياك ، ابتعد!" أدرك الشيخ ان بشائر حركة تمرد تلوح في الأفق ، فاختصر الامر .
خاطب الشيخ المرتجى ضيفه : توكل على الله انا اتحمل كل ما خسرت , وأمر احد العاملين عنده ان يسوق بقرة ويوصلها مع ابي حوشان الى مقره في اللواء!
بعد مغادرة ابي حوشان : قال الشيخ مرتجى أنه لابد ان يكشف اللصوص , فطلب من ابنه راجي ان يركب حصانه وينطلق الى العرّاف " بو عزيز بن الوليّ كندريش " في الاغوار ويحضره لعله يكتشف اللصوص.
وفي ضحى اليوم التالي حل بو عزيز ضيفا على المرتجى ... مدت البسط تحت شجرة بطم كبيرة امام الديوان وجلس بو عزيز في وسط المجلس .
جلس أبو نون يعزف ربابته ::
ليت المنايا اللي تجي يا سلامة
تحوم ع الانذال دارن بدار
قال المشعوذ : توقف يا هذا... انا ما اتيت لسماع الربابة انا قدمت لأكشف اللصوص المعتدين!
نظر الى الحاضرين متأملا وجوههم... فقال : انا سأكشف اللصين اللذين سلبا أبا حوشان.
وخاطب الشيخ المرتجى : اريد غلاما في الثانية عشرة شجاعا ينظر في قدح الزيت كي يتعرف على صورة السارق التي ستظهر في الزيت.
وأضاف أريد من الحاضرين الهدوء وعلى الذين يخافون الانسحاب من المجلس لأنه ربما يظهر مارد ناري يلتهم كل جبان خوّاف!
انسحب عدد من الحاضرين ووقفوا بعيدا
وفي الناحية الأخرى من حوش البيت كان عدد من النسوة يُحَضْرِّن وليمة كبرى من لحوم الضأن فقد كان يحضرّن المناسف وعدد كبير من جفان المفتول بالدجاج البلدي
جلس الوحيشي حفيد المرتجى بجانب الشيخ المشعوذ الذي اخذ يشهق ويرتجف ويتمتم ، اخذ يشنج عضلات وجهه حتى تراقصت شعرات لحيته الثائرة واحمر وجهة ! وبعد ربع ساعة صاح : "أترى شيئا يا ولد ." فأجاب الولد لا أرى شيئا استأنف تمتمته . بعد وقت قصير سأل الولد أترى شيئا ." أجاب الولد ...لا...لا ثم استأنف المشعوذ تمتمته صارخا : آدوناي صبئوت آل شداي! وكررها بصوت عال مرات عديدة صرخ بالطفل قائلا : يجب ان تراه لقد ظهر فقال الولد : نعم ... نعم
سأل المشعوذ مبتهجا ماذا ترى ؟؟
أجاب الولد بكل هدوء : أنا لا أرَ سوى ظل لفتك في الزيت يا سيدنا!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد