الهروب إلى الأندلس

mainThumb

01-11-2022 08:08 PM

حين يستبدّ بي الحنين وأحاول أن أهرب بعيدا إلى حيث أجد نفسي أسافر بذهني إلى الأندلس حيث الأنهار والأشجار واللهو والطرب وأسراب الحسناوات واللوحات التي تدعو إلى نهل ما تجود به من رقّة ومن شغف ومن حياة بلا هموم أو متاعب وتجدني أنهل من شعراء الطبيعة ما أنهل فهم الذين يروّحون عن النفوس المتعبة بوصفهم للرياض والورود والرياحين والسحب والغيوم والأنهار والشجر متناسين وصف النياق وحمير الوحش والنعام وبقر الوحش والرمال والدمن .. كانوا شعراء الوصف دون منازع فالنقلة الحضارية التي ودّعوا بها حياة الجزيرة العربية من رمال وخبوت واستقروا بأرض الأندلس حيث الجبال الخضراء والجداول الغزيرة المياه والأنهار والأشجار الوارفة الظلال والطيور المغردة والمراعي والأجواء المعتدلة كان لهذه الأجواء مجتمعة الأثر الأكبر في إثراء النفوس بالشغف
يا أهل أندلس لله درّكــــــــم ماء وظلّ وأنهار وأشجــار
ما جنّة الخلد إلاّ في دياركم ولو تخيّرت هذا كنت أختار
وقد طبعت جمال الطبيعة هذه قرائح الشعراء بالرقة وقد كان للشعراء الأندلسيين كابن هانيء وابن حمديس وابن زيدون وابن خفاجة النصيب الأوفر في نشر هذه المباهج التي تحرض على الإستسلام للحب واللهو وحبّ الحياة وقد تفننوا في وصف مشاهد الطبيعة وصوروها في لوحات خالدة
ومن الأغراض التي حفل بها الشعر الأندلسي شعر الغزل يقول ابن حمديس :
نثر الجوّ على الأرض برد أيّ درّ لنحور لو جمـــــــد
ولقد شخّصوا الطبيعة على نحو إنسانيّ تقول حمدة بنت المؤدب :
وقانا لفحـــــة الرمضاء واد سقاه مضاعف الغيث العميم
حللنا دوحه فحنا علينــــــا حنو المرضعات على الفطيم
يصدّ الشمس أنّى واجهتنا فيحجبها ويأذن للنسيــــــــــــم
كما لو كانت الطبيعة إنسانا فحنو الأشجار كحنو المرضعات على فلذات أكبادهن وحين تشتعل شمس الظهيرة ترى الدوح يحجب الشمس الحارة ويأذن للنسيم بإبعاد الحرارة عن الأجساد ..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد