صحيفة السوسنة الأردنية

انطلق الحاج عمرو الملقب بالٌقِدر بصحبة عدد من افراد عائلته واقاربه الى المطار لاستقبال ابنه عالي المتخرج حديثا حاصلا على درجة الدكتوراه في القانون الدولي!
كانت الحاجة زوجة القدر تقف بجانبه وتنظر اليه نظرات هادئة: تفكرت قائلة في نفسها سأعكر صفوه الان ، فهي التي سمته القدر فكانت تقول لزوجات ابناءها : الرجل كالقدر فوق النار فإن زدت النار قوة يزداد القدر غليانا وان خففت النار تحته ، هدأ!
فكانت العجوز تثير غضبه متى شاءت فتحرق دمه غضبا واحيانا كانت تستغل قلة عقله فبحركة بسيطة تطفئ غضبه!
ٍسألته بمكر : أتظن يا أبا الجعلان أن زوجة ابنك عالي الألمانية ستتمكن من العيش في وسطنا؟
ارتعدت فرائص ابي الجعلان غضبا فناولها شتيمة من قاموس شتائمه قائلا :" أعيرينا سكوتك ايتها الهطرا"
ونزع عقاله عن راسه وكاد ان يهوي به على راسها فحال دون ذلك بعض الشبابم واختطفوا العقال منه!
حققت العجوز مرادها فلاذت وراء عمود مخفية وجهها وهي تضحك!
وقف الجميع بانتظار وصول الابن ... وجاءت اللحظة فاندفعت الام نحو ابنها فاتحة ذراعيها لابنها وانهالت عليه تقبيلا ثم عانق الولد والده بشوق وحنين !
كانت فتاة اجنبية شقراء تقف على مسافة بسيطة منتظرة زوجها عالي كي يقدمها للجميع، وبعد ان انتهى من مصافحة الجميع امسك بيد زوجته قائلا : اقدم لكم زوجتي نانسي ! فتقدمت مصافحة الحاج عمرو قائلة له: "ملعون حنوك والدك!" فصعق الحاج عمرو فصرخ:" يا ابن الكلب ، انت لم تعلمها الادب ، والله لن تدخل بيتي ابدا!" ادركت نانسي انها قد وقعت في مقلب رماها به زوجها فلفها ارتباك شديد وانهمرت الدموع من عينيها واخذت تلوم زوجها الذي انفجر ضاحكا!
لقد تناسى عالي ان اباه متعصب لا يحب الاخرين ،وانه يكره كل انسان من خارج حمولته وكل شيء خارج دائرة محيط أقاربه لدرجة انه أطلق النار على ديك جيرانه الذي دخل يوم ما الى حديقة منزله! فكان يعاني متلازمة حقد متأصل منبعه الكِبر فكان ينظر الى من حوله من الناس نظرة تعالي وخيلاء حتى انه عزف عن الذهاب الى المسجد لأن الشيخ في دروسه تحدث عن الكبر والخيلاء فظن أن الشيخ يقصده بكلامه !
لقد كانت صدمة الحاج عمرو كبيرة فرفض العودة برفقة ابنه الى البيت ... وقرر البقاء في العاصمة طالما كانت الفتاة الأجنبية في البيت!
لقد عاد مستقبلو عالي والوجوم يسيطر عليهم ، لكن نانسي بقيت صامتة وعند وصول الجميع الى البيت. سألت نانسي زوجها ان يجلس معها على انفراد،
ولما خلا بها : عاتبته على الموقف المحرج الذي اوقعها فيه قالت له : انت طول الرحلة التي دامت اكثر من اربع ساعات وانت تلقني ما أقول عند السلام وانا حييت والدك بما قلت لي فقل لي لماذا والدك غضب غضبا شديدا ، فلابد ان تدرك انك انت السبب ، لكن لدي إحساس ان هناك شيئا آخر غير التحية الخاطئة جعلته الا يعود معنا الى البيت!
فقال عالي :" حتى اكون صادقا معك ، والدي عنصري متزمت لا يحب أي احد غريب عن العائلة والمحيط الذي يعيش فيه . لذلك لما ادرك انك زوجتي غضب جدا . لكنه مع الزمن سيرضخ للواقع وبتقبل الامر ... انت زوجتي وليست زوجته . وان لن أقيم في هذه القرية بل سأجد عملا في العاصمة ونعيش هناك!
ابتسمت نانسي ساخرة لكنها قالت له انت تحلم فأنت قلت إن والدك متعصب عنصري ونسيت انك تحمل جيناته التي ستورثها لأبنائك، ، انا منذ الان ارفض مواطنتك فأرجوك ان تخلي سبيلي فهذا فراق بيني وبينك فانا سأعود الى موطني فلا حاجة بي للغرق في بحر من الكراهية وتكوين ذرية يملأها الحقد !
أنا أتصور قيد الحقد الأسود الذي يترعرع في احشائي جنينا ثم يطوق عنقي طفلا ، إن عشت معك فاني أكون مجرد آلة تفريخ كتاكيت حقد عنصري اسود ، وهذا لن يكون ...
قال عالي : بناء على رغبتك فانت طالق وبعد ذلك زودها بوثيقة تثبت طلاقها منه واخذ منها ورقة مخالصة انها قد نالت كل حقوقها بمقتضى الطلاق ثم حجز لها تذكرة عودة الى بلدها !
وانطلق عالي إلى حيث يقيم ابوه في العاصمة، ولما اعلم الابنُ الابَ بما جرى سُرَّ الأخير سرورا عظيما، لكنه قال لابنه:
انت تعلم ان اخوتك الأكبر منك سنا قد تزوجوا من خارج الحمولة ، ضد رغبتي، فلم ارتح لما فعلوا! لكن احب ان ازوجك قريبة لك،فالغريبات لسن من مستوانا فنحن بني عفاش قاهر سباع الفلا وقاهر الفرسان في الميدان ... وجدنا الذي قال:
ونشرب إن وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجدينا
وافق عالي اباه على مضض فعاد الأبن وابوه الى البيت سُرَّت الأم والإخوة والأخوات بعودة عميد الدار الى عرينه ، وفي الليل اجتمعت العائلة الممتدة احفادا وحفيدات وأبناء وبنات وزوجات الأبناء الثلاثة في الصالة الكبرى في البيت الكبير حيث يعيش الجدان!
قال الحاج عمرو، بعد ان منَّ الله علينا برحيل الغريبة ، قررت ان ازوج ابني عالي . غدا سأذهب الى بيت ابن عمي طهماز كي اطلب يد ابنته "دبشة" الى عالي! قالت الام : يا حاج: هل انقطعت البنات حتى تزوج ابنك امرأة تزيد عنه سنا ؟
فقال لها بحزم :" اخرسي، وقال معرضا بزوجات ابناءه الجالسات :" لقد جربنا الحوَ ش فما جنينا غير الخيبة ، اريد ان يكون احفادي بعون الله من أعمامهم! فيكونون أصليين لا تشوبهم شائبة فالعرق دساس، لا كأبناء الحوش فيهم شرش نذالة!
انسحبت زوجات الأبناء بهدوء من المجلس لكن العجوز بقيت جالسة صامتة والغضب يعتمل في صدرها!
نظر اليها عمرو فقال :"لقد اتخذت قرارا ولن أتراجع عنه وسترين الفرق الكبير عندما تدخل العروس بيتنا: سوف تخدمنا وتحترمنا وتبذل كل جهدها في خدمتنا!
بعد أسبوع تم الزواج !
بدى الحاج عمرو في قمة السعادة اذ تحقق له أخيرا ما أراد فابنه قد تزوج واحدة من بني عمه! فاخذ يتودد اليها .
قررت العجوز الكبيرة ان تختبر العروس الجديدة فطلبت منها ان تعد وجبة مفتول ، لكل افراد العائلة الممتدة! فدخلت دبشة المطبخ فوجدت ان كمية الدقيق المتوفرة قليلة جدا لتحضير وجبة تكفي الجميع، لكنها حضرت كمية من الأرز الى جانب المفتول وعند تقديم الطعام وضعت الأرز الى جانب المفتول ، فانفجرت زوجات الأبناء الاخريات ضحكا و أطلقن تعليقات ساخرة ، الا ان الحاج عمرو خاطبهن قائلا : تعلّمن يا حَوش، كيف تُدَبَّر الأمور ، فهذه أصيلة بنت اصل تصرفت بذكاء ، فلو كانت واحدة منكن لملئت الدنيا صراخا وعويلا، فلا تسخرن يا حوش من تدبيرها!
لكن زوجة أحد ابناءه سألته: هلا أعلمتنا بقصدك بكلمة حوش يا عم!
فقال : الحوش هن الزوجات من خارج الأقارب مثلك تماما!
فانسحبت النساء وبقيت "دبشة" كي ترفع أواني الطعام !
كان الحاج كل وقت صلاة يطلب من دبشة ان تملأ ابريقا ماء قائلا : امليء الابريق ماء ، اريد الذهاب الى الخلاء كي احضر نفسي للوضوء!
وسبب هذا لها حرجا إذ سخرت منها سلفاتها وسمتها احداهن صاحبة الابريق.
وفي زيارة الى بيت أهلها شكت دبشة من طلب عمها عمرو كل صلاة ان تملئ الابريق ماء مما جعل سلفاتها يطلقن عليها " صاحبة الابريق".
امتعضت الام لما سمعت فقررت امرا دبر بليل طلبت من بنتها ان تنتظرها ، فخرجت من المنزل وعادت تحمل عبوة سائل !
عادت دبشة ترافقها أمها الى بيت زوجها ، وما ان وصلت حتى طلب منها عمها ان تملئ الابريق ماء. اتجهت دبشة الى صنبور الماء وسكبت السائل الشفاف لونه لون الماء في الابريق وسلمته لعمها ! وخرج الحاج عمرو متجها الى كرم زيتون قريب من منزله اعتاد ان يذهب اليه من اجل الاستنجاء وعندما سكب الماء على جسمه صرخ بشدة واخذ يتقافز عاليا في الهواء وارتمى على التراب صارخا : اسعفوني ، هرع اليه بعض المارة فأخبروا اهل بيته فهرعوا اليه ولما ادركوا ما حل به طلبوا سيارة اسعاف نقلته الى المشفى وهناك تم الكشف عليه فعثر على انه قد سكب مادة اسيد على جلده مما أدى الى تهتك بشرته الى ان نضج جلده وربما لن يكون من السهل تعافيه!