المعرفة بطعم الخبز الساخن
لذلك فإنه ليس من باب الصدفة أن تركز المعرفة في أوروبا والغرب عموماً على استنطاق الحياة اليومية للأفراد والجماعات والمجتمعات والرهان على إنتاج معرفة نابضة ساخنة تفوح منها رائحة الحاضر والراهن. وفي المقابل نلحظ أن الدارسين والباحثين في بلداننا يديرون ظهورهم لليومي ويترفعون عنه ويخيّر الكثير منهم النبش في الأمس والماضي والتاريخ.
طبعاً تعلّة الباحثين العرب أن إنتاج المعرفة يشترط المسافة بما فيها المسافة الزمنية، حيث إن الكتابة التي لا تلبي شرط المسافة الزمنية مع الموضوع إنما تكون عرضة للانفعالية والذاتية ومن ثم فإن الموضوعية التي تمثل قوام المعرفة والحق تصبح محل شك.
ولكن هذه المقاربة في الحقيقة تم تجاوزها في فضاءات علمية أوروبية وغربية، ذلك أن الحياة اليومية والحاضر في معناه الأوسع يطرح علينا جملة من الأسئلة نحتاج إلى أجوبة عنها ويجب ألا يغيب العلماء عن تقديم هذه الأجوبة وإلا ضعفت الاستفادة وجدوى المعرفة.
ما هو واضح اليوم هو أن مجتمعاتنا لن تتمكن من ضبط البوصلة في النقد والإصلاح إلا بتفكيك الإنسان سلوكاً وعقلاً وهي مسألة يؤدي فيها علم الحياة اليومية دوراً كبيراً ومفصلياً، لذلك فإننا ندعو إلى تحويل الوجهة في المعرفة والعلم والإنسانيات من الماضي إلى الحاضر ولا خوف على المعرفة من باحثين يمتلكون أدواتهم المعرفية ويجيدون استخدامها.
من دون أن ننسى أن تشريح الحياة اليومية وإدخالها إلى غرفة عمليات البحوث سينتج أيضاً حركية وإقبالاً على المعرفة لأن المعرفة التي تتعاطى مع الراهن لها مذاق الخبز الذي أخرجه الخباز للتوّ من الفرن.
وفي الحقيقة، الجدير بالإشارة إليه هو أن الحياة اليومية تعد منجماً لمعرفة السلوك والمواقف والقبض على التمثلات والتصورات، وهو ما يعني أن اليومي هو طريق سانحة وسيارة لمعرفة الذات وسراديبها وتفكيك ما يحيط بالذات العربية من تشظٍّ وتعقيد.
فاليومي هو قِبلة الباحثين حاملي الشغف الحقيقي.
لقد خيّرنا أن نبين أهمية اليومي وما يمثله وعظمته قبل أن نعرف ماهيته، وهي ماهية لا تقل أهمية لأنها توضح أهمية المعرفة التي ستنتج انطلاقاً من الحياة اليومية وأيضاً توضح خصائصها.
تشير الباحثة التونسية تراكي زناد إلى أنّ هنري لوفيفر في مقدمة كتابه «علم نفس اجتماع الحسّ اليومي»، حاول تحديد موضوع المعيش اليومي، ولكن بسبب صعوبة تأمين تعريف جامع مانع يلبي طموحه العلمي، اقتصر على تقديم أمثلة منتقاة من مجال الحياة اليومية ورتابتها. وفسر لوفيفر ذلك بقوله إنّ النصّ الاجتماعي متكوّن من عناصر كثيرة ومتداخلة فيما بينها، إضافةً إلى أنّ اختزاله ضمن عدداً من الرموز يؤدّي إلى إنتاج قراءة مبتورة وساذجة؛ لذلك فإن «اليومي» عصيٌّ على التحديد ومن ثمَّ التعريف.
من جهته، يؤكد إرفينغ غوفمان، الذي يُعدّ من الوجوه الأميركية البارزة التي تهتمّ بالحياة اليومية من منظور الميكرو - سوسيولوجيا، المشروعيّة العلمية للتركيز على الحياة العامة مجالاً عانى من الإهمال والتهميش، موضحاً أنّها حقلٌ ثري لم يُدرّس علمياً بالشكل الكافي وهو الحقل الذي تُولده التفاعلات وجهاً لوجه... في الحياة اليومية؛ ذلك أنّ سوسيولوجيا المعيش التي تتعامل مع الأفراد بوصفهم وحدات، تستند أبحاثها إلى فكرة رئيسة مفادها أنّ التافه والعادي والبسيط هي الوقائع للحياة اليومية التي يلزم أن ينصبّ عليها التحليل لفهم البنية الخفية للواقع.
وتُعدّ مدرسة شيكاغو التي قدمت دراسات حول المدينة والهجرة والانحراف ومشكلات الأقليات من أكثر التقاليد الفكرية اهتماماً بالحياة اليوميّة، التي ارتبطت نشأتها الأولى بالتركيز على مظاهر الحياة اليومية الصاخبة في المدن الأميركية.
فاليومي هو العلاقات التي تكوّنها مجموعة من الأشخاص والأشياء، وهو المسكوت عنه والمخفي والمهمش والمادي والرمزي؛ بل إنّه أقرب ما يكون إلى المسرح واللعب بحكم أنه يلتقي مع المسرح إلى حدّ كبير، ويلتقي مع ألعاب الطفولة بشكل أكبر.
لذلك، فإنّ كل مكوّنات الحياة اليومية أو الحاضر هي مهمّة بلا استثناء، ونقصد بذلك كلّ ما هو رومانسي ووهمي ووجداني وعاطفي وعدواني ومألوف وعجيب، وخيالي أيضاً؛ حيث إنّ اليومي هو أيضاً «مزيج من الواقعي والخيالي تحكمه علاقة جدلية... كما أنّ الخيالي؛ أي ما نسميه التفاصيل يحتلّ مساحة مهمّة في الحياة اليومية الاعتيادية».
هذا المعيش، بوصفه شكلاً من أشكال المعرفة تتم مقاربته بصفته معيشاً حياً لا بصفته فكرة أو مفهوماً، يحدد ميشيل مافزولي مؤسّس مركز دراسة الرّاهن واليوميّ، خصائصه في التناقض الوجداني وتعدّد الدلالات... والتبدلية وانعدام الأهمية... والتكرار. أمّا هنري لوفيفر، صاحب السوسيولوجيا النقدية للحياة اليومية المتأثرة بالماركسية والرافضة لسيطرة الآيديولوجيا البورجوازية، فإنّه يصف اليومي بالعفويّة والغموض.
ومن منطلق هذه التعريفات يمكن أن نستنتج ما يأتي: إنّ الحياة اليومية هي مجال يتساوى فيه الكلي مع الجزئي، والأساسي مع الثانوي، والمادي المحض مع الرمزي. وهي «سراديب» اللعبة الاجتماعية، بما يعنيه ذلك من غموض يصفه مافزولي بـ«الظلمة القاتمة»، وهنا تكمن أهميّة اليومي والمعيش. إنّه مدخل لفهم الظاهرة الاجتماعية ومعرفة مهمة لاستنطاق الأنشطة الاجتماعية، وهي منتشرة في قلب الحاضر بتفاصيله وازدواجيته وفق جدلية متغيرة لعلاقة الواقعي بالفانتازيا.
فهل يبدد الباحثون العرب الظلمة القاتمة للحياة اليومية وينشرون في أرجائها الضوء؟
أورنج الأردن ووزارة الاقتصاد تطلقان احتضان 100 فكرة ريادية
الجامعة الأردنيّة تطلق مجموعة بحثيّة دوليّة لاضطرابات التواصل
العمل النيابية تناقش أوضاع العاملين في قطاع المياه
وزارتا التنمية الاجتماعية والعمل تبحثان عددا من البرامج المشتركة
رئيس جمعية رجال الأعمال والسفيرة التونسية يبحثان الشراكات
الملك يرعى احتفال القوات المسلحة بالذكرى الـ57 لمعركة الكرامة
هام من العمل بخصوص تصاريح العمل في البلديات
الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون وحاملة طائرات أمريكية
الإعلام الكوري يصف موسى التعمري بالخصم العنيد والمتطور
FBI يحذر مستخدمي آيفون وأندرويد من رسائل نصية احتيالية
توقعات بتخفيض أسعار المحروقات الشهر المقبل .. تفاصيل
تدهور مركبة داخل نفق المشاغل يسبب ازدحاماً مرورياً
مطلوبون لتسليم أنفسهم للقضاء .. أسماء
ظهر بفيديو متداول .. القبض على الشخص المسيء لأحد رقباء السير
بالفيديو فرحة ولي العهد والأميرة سلمى بالهدف الثالث للنشامى
تساقط غزير للثلوج على عجلون فجر الجمعة .. فيديو
استشهاد أبو عبيدة ورفاقه في مذبحة الفجر الدامي .. آخر التطورات
تساقط الثلوج على الكرك .. فيديو
مهم بشأن رؤية هلال شوال وموعد عيد الفطر
موعد تحري واعلان عيد الفطر في الأردن
تفاصيل الحالة الجوية المتوقعة الثلاثاء
الكشف عن تفاصيل جديدة بحريق دار الضيافة للمسنين
موعد انحسار المنخفض الجوي عن المملكة
مع غياب كيم كوريا الجنوبية تحذر من موسى التعمري .. ماذا قالت