كُرة القدَم .. هُبَلُ العصر

mainThumb

26-09-2022 09:21 AM

لا ريبَ أنّ لعبة كرة القدم تحتلّ مكانةً كبيرةً جدا، من الاهتمام بها والإنفاق عليها، مقارنة بغيرها من الألعاب الرّياضيّة، وتُعَدّ هذه اللّعبة من أكثر الألعاب التي تُبَثّ على القَنوات التّلفازيّة، وهي ذات شعبيّة قلَّ نظيرها، ولها متابعون ومشجعون وجماهير بالمليارات في كلّ أنحاء المَعمورة، وأصبحت تلك اللّعبة الشّغل الشّاغل عند الشّباب وعند غيرهم من الصّالحين والطّالحين.
وهكذا، فبما أنّها قد صَنَعَت جمهورا عريضا وكبيرا، فهذا يعني أنّها قضت على الفرد بوصفه حرّا مُريدا، وصار مُنقادا مع جمهوره بلا وعْيٍ أو تفكير، وبما أنّ الجمهور لا وعي له، حينئذ، سيتصرّف وينفَعل بطريقة همجية وعنيفة وغوغائية. يقول غوستاف لوبون في كتابه (سيكولوجية الجماهير): "تتلاشى شخصية الفرد الّتي تميّزه حينما يكون جزءا من الجمهور، فلا ذكاؤه سينفعه ولا علمه سيمكّنه من اتّخاذ قرارات منطقيّة سليمة. فالفرد حينما يصبح جزءا من جمهور ما فهو يتحمّس لأفكار بسيطة نتيجة التّحريض والعدوى للعواطف والأفكار، وقد يفعل أمورا لا يمكن أنْ يفعلها إنْ كان وحيدا، كالتّحطيم والقتل، وكالتّضحية في سبيل الهدف دون خوفٍ من الموت ". وهكذا، يصبح الجمهور كالآلة، لا تتحرك إلا بمُحرِّك، ومُحرِّكها لعبةُ كرة القدم والقائمون على هذه اللُّعبة.
من هنا تأتي خطورة هذه اللعبة؛ إذ إنّها دخلت كلَّ عقل وكلَّ قلب وكلَّ بيت بوصفها رياضة، فلا ضير من متابعتها، ومُقْنِعين جمهورها أيضا، أنَّها ممثل رائعٌ للسّلام والمحبّة بين النّاس، وتهدف دائما إلى صناعةِ مجتمع متماسك يخلو من أيّ نزاع وفُرْقَة، وأنّها تسعى إلى رأب الصّدع بين الدّول المتناحرة سياسيّا، فهذا ما يتبادر إلى أذهانهم أوَّل الأمر، متغافلين عن كلِّ ما سوى ذلك، فأصبحنا نشاهد المتدين الملتزم من متابعيها ومن المنشغلين بها والباحثين عنها، للأسف، ولا يعلم هؤلاء أنَّ أخطر شيء، يمكن مشاهدته ومتابعته الآن هو كرة القدم، حيث إنّها باتت أداةً فعّالة وقويّة في تغيير سلوكات الشّباب والفتيات وغيرهم، سواء من خلال اللّاعبين واللّعبة أم من خلال الجمهور والمدرّجات أم من خلال التّنظيم بشكل عام. فالعاطفة الكرويّة لا تقلُّ عن العاطفيّة الدينيّة حضورا وتأثيرا لتعبئة الجماهير، وهي أفضل وأقوى مُعبِّئ للجماهير، للهدف الذي يريده سَدَنة هذه الآلهة.
ويَحقّ لي الزّعم، بأنّ أغلب الانحرافات عند أكثر الشّباب بدأت من كرة القدم، سواء أكان انحرافا أخلاقيّا أم سلوكيّا أم فكريّا أم سياسيّا أم اجتماعيّا، وبدأ بتدرُّج مخيف وخطير، من عصر الثمانينيّات إلى وقتنا الرّاهن، فبعد أن جذبت هذه اللّعبة الكبير والصّغير بطريقة مهووسة، بدأ العمل على صناعة القُدُوات، بإبراز لاعبين مُميَّزين بمهاراتهم، فأشهروهم وقدَّموهم على أنَّهم أبطال وأساطير وخارقون، أجلَ التأثير بالشّباب، واتباعهم حذو "الشُّوز بالشُّوز"؛ فظهر ما يُعرف بلبس (الحَلَق) على يد اللّاعب الأرجنتينيّ "ماردونا" أوّل الأمر ثمّ على غيره من اللّاعبين المشاهير، بعد ذلك بدأتْ تظهر الوشومُ على معاصمهم وأيديهم، حتى انتشرت في جميع أجسادِهم بطريقة بشعةٍ وبرسومات وعبارات وثنية وشيطانية وقذرة، وهذا ما بدأ يظهر أكثر وأكثر عند الشّباب وبشكل ملحوظ ومتسارع. وأصبحنا نلاحظ حركات لا إراديّة من الأطفال والشّباب عندما يلعبون كرة القدم، مُقلِّدين بذلك ومتأثرين باللّاعبين الغربيين بأن يضرب أحدهما الآخر على "مؤخرته" من باب التَّشجيع له، وذلك عندما يتم تبديل لاعب مكان لاعب، أو سقوط أحدهما على الأرض، ومن سلوكاتهم اللإرادية، قيام أحدهم بِرَفْع (شُورْتَه) إلى أعلى فخذيه مبرزا عورته، كما يفعلها الكثير من لاعبي هذه الكُرة.
ثم انتقلت هذه اللُّعبة من لعبة ذكوريّة، لا يشاهدها إلا الذكور إلى لعبة أنثوية أيضا، فأصبحت المرأة العربية تشاهد وتتابع المباريات أكثر من الرّجال، والمباريات الغربيّة تحديدا، سواء على شاشات التّلفاز في البيوت والمقاهي، أو في الملاعب والمدرّجات، ويَعرفن أسماء اللَّاعبين، ويَحملْن صورهم ويتغزلّن بهم، وبأجسادهم ورشاقتهم و وسامتهم. ويتابعن حياتهم الخاصة ورحلاتهم وعشيقاتهم وأكلهم وشربهم، وتمكّنوا من ذلك من خلال تركيز الكمرات على الجماهير الحاضرة للمباريات في الغرب، لإظهار مشاركة ومتابعة المرأة الغربيّة لها، وتصويرهن مع عُشّاقهن أو غير ذلك، وبصور تخلو من أيّ خُلُق وحياء، من أحضان وتقبيل وصراخ وقفز و تعرّي ورسومات على الوجه والجسد لرموز فريقها، وانطلاقا من منطق اتّباع المغلوب المَهزوم للغالب، غَزَتْ المرأةُ العربيّة الملاعب تقليدا واتّباعا للمرأة الغربيّة بحركاتها وسلوكاتها و وقاحتها، متجاوزة بذلك، حياءها وقيمها وعاداتها، وهذا ما كان واضحا جليّا في كأس العربِ الأخيرة.
أضف إلى ذلك، أنَّ كرةَ القدم أمْسَت كفتيل جاهز لإشعال أيّ حرب أو فتنة أو نزاع بين الأفراد أو الجماعات أو الشّعوب، فبمجرد خسارة فريق على فريق، أو اندلاع مشاجرة بين لاعبي الفريقين، أو طرد أحد لاعبي الفريقين، أو ظهور خطأ في التحكيم لصالح أحدهما، حتى تندلع الحرب بين المشجعين (الجماهير)، إما بالمشاجرات والعِراك بالأيدي، وإمّا بالسّب والشّتم واللّعن في وسائل التّواصل الاجتماعي، وإمّا بقطع العلاقات الدّوليّة بين دولتي الفريقين وسحب السّفراء.
وتسعى "الفيفا" الآن لنشر الشّذوذ والتّرويج له من خلال هذه اللّعبة؛ إذ ستشارك عشر دول أوروبيّة من خلال كرة القدم في حملة "OneLove" للتّرويج للشّذوذ ومحاربة الفِطرة والفضيلة. وتَشمل الدّول المشاركة في الحملة: هولندا وإنكلترا وبلجيكا والدّنمارك وفرنسا وألمانيا والنّرويج والسّويد وسويسرا وويلز، والتي تأهّلت منتخباتها لكأس العالم 2022، باستثناء السّويد والنّرويج.
يُذكر أنّ حملة ""OneLove تأسّست في هولندا في عام 2020 "للتأكيد على أنَّ جميع مُشجعي كرة القدم لديهم شيءٌ واحد مشترك على الأقلّ (حبّهم لكرة القدم) وللتّحدث علنا ضدّ أيّ شكلٍ من أشكال معاداة الشُّذوذ والانحراف الأخلاقي". وعليه، فليس من الصُّدف، في تصوّري، أنْ يصنعوا، لشبابنا المتردّد، أبطالا ونجوما في فِرَقِهم وأنديتهم الغربيّة من العربِ والمسلمين.
والحقّ، أنّ كرة القدم ليست كذلك، كما يدّعي هؤلاء، بل هي آلَةٌ لِبَثّ الكراهية والفتنةِ والتّمييز بين أفرادِ جمهورها، وأداةٌ لِتَعزيزِ العصبيّات والعنصريّات بين الدول وبين مدن الدّولة الواحدة ومناطقها وحاراتها وأعراقها. واستطاعوا من خلالها التّلاعب بعقول المتابعين والمشاهدين وسلوكهم، والشّباب منهم بوجه خاصّ، والتّلاعب بأفكارهم وطموحاتهم وآمالهم.
وهي الآنَ في طريقها لإقناعِ جمهورها بالشّذوذ والانحراف الأخلاقيّ ومحاربة الفطرة السّليمة ونشر الرّذيلة والفساد في الأرض، وإذا كان إنفاقُهم على كرة القدم من ملاعبَ وأنديةٍ وقنوات وبرامجَ، يفوق بمئات المرّات إنفاقهم على الصّحة والتّعليم، كما في البرازيل وغيرها، فاعلمْ أنَّ هذه اللّعبة ليست مجرّد رياضة. ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ، إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ﴾.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد