بقلم / عبد اللطيف مهيوب العسلي
البقاء على هذه الحياة لأطول وقت ممكن ،هو الهم الأكبر للطبيعة البشرية ،فكلما فكر الإنسان بالموت فإنه يصاب بالذعر ،الخلود والتركيز على هذ الأمر جعل الإنسان يتخبط في طلب النجاة ، بطرق غريبة فتارة عن طريق الطب وتارة عن طريق الخرافة ،والخرافة الدينية كان لها نصيب فذهب الإنسان إلى امتلاك الإله حتى يجعله يفعل له ما يريد ،ويجنبه عما يحذر ،وكان المبرر الذي لا يفصح عنه ،أن الآلهة من غير الخالق ستجامل فتعطيه أكثر مما يستحق ،أو تعطيه ما لا يستحق ،وحتى لو كان في حقيقة الأمر ليس مفيدا له ، ويدفع عنه كل المحذورات ،ويتسامح معه وإن جار وظلم
فعبد الإنسان الأحجار والوهم وعبد الجن والملائكة أراد في كل ذلك التذمر على الله الخالق الذي خلق الكون والإنسان وخلق الموت والحياة وسن هذه القوانين ،ولأن الإنسان عرف من حقيقة نفسه أنه لا يستطيع الإحاطة بالله الخالق أو التأثير عليه ،ويعلم أن الله الخالق لن يعطيه ما لا يستحق ،ولا يؤيده بنصره وهو ظالم ،وعلم ان الله لا يحابي أحدا دون احد ،وانه لا يغير سننه وقوانينه الكونية من اجل هوى شخص او جماعة ما لم يكن تفريقا ،بين حق وباطل ضمن الله إظهاره تصديقا وتأييدا لرسوله ...
إن الخلط بين ملك الله وإرادته في الدنيا ،وملك الله وإرادته في الآخرة
دفع الإنسان إلى الاغترار بحلم الله عليه، فمارس الشر بأنواعه والكفر والفجور بأنواعه .
وتحت مبرر (لماذا لم ينزل عليهم عذابه ؟
ولم لا يمنع نعمه على الكافرين فيقصرها فقط على الشاكرين المؤمنين ؟)
تحت هذه الذريعة هلك من هلك .
*كيف نظر القرآن للموت والحياة ؟
قال تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الملك .)
عالج القرآن هذه المشكلة من زاويتين
الأولى : النظر إلى الدنيا بميزان الآخرة ،فقدم الله الموت على الحياة لأن الحياة في الدنيا لا تساوي شيء بالنسبة لحياة الأخرة ،وإنما عبر بالموت لأنه الباب إلى الحياة الآخرة وكأنها هي الأصل ،والتي هي الأطول والأفضل .،فالدنيا في نظر الآخرة كالموت ما لم يتوجها عمل صالح ،فهي في حقيقة الأمر لا شيء إن لم يحسن فيها العمل .
الثانية : - أولا : وقبل البحث عن إكسير الحياة اسألوا أنفسكم ما هي الحياة التي ينبغي أن تطلبوها ؟
فالحياة إما أن تكون حياة تعاسة وشقاء وعذاب ، أو تكون مملة او ...الخ . وبالتالي يكون عدم الحياة خير من وجودها ..
وأما أن تكون ممتعة ورغدة فهذه هي التي يقصد سبيلها الناس جميعا والطريق إليها أما أن يكون سليما وصحيحا ومفيدا ويوصلك بأفضل الطرق وأما أن يكون خاطئا ويتوهم لك أنك ستصل ثم لا تصل ..
وأما أن يكون جائرا فيوصلك بمشقة (وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) النحل )
نذهب في الغالب إلى اختيار الطرق القصيرة ، مع أن الطريق الطويلة هي التي تكون المؤشرات تؤكد تحقق النتائج بها ونصل من خلالها .
فكثيرا ما يدفعنا الاستعجال لحصول النتائج على نحو يجعلنا لا نصل إليها أبدا ،نحاول الوصول بوصفة سحرية وتكون النتائج كارثية ،ويكاد يكون هذ النزق طبيعة بشرية ،ولكن البشر يتعلمون من تجاربهم ولذا فقد تم ترويض الإنسان وتهذيبه بما انزل الله من كتب وارسل من رسل ،ومع ذلك فمنهم من تروض وآمن ،ومنهم من تولى وكفر ... ،
* ومن باب البحث عن ( الخلود ) وعدم الموت وكان المدخل الاول من الشيطان إلى آدم و
توشح إبليس - لعنه الله - ثوب الواعظ والناصح فدل آدم وحَوَّاءُ
.) على الشجرة تحت مبرر إكسير الحياة الأبدية فأخرجهما مما كانا فيه
وهنا أراد الشيطان بصورة قذرة وخفية أن يسوس إلى آدم كيف لم يعدك الله بالخلود ولماذا منعك من هذه الشجرة ؟ فما منعك إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ألا ترى يا آدم كيف قال لك ( إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)
ولماذا لم يقل لك أيضا فإن لك الخلود فيها .
( فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) طه )
ومع أن الإنسان قد تعلم هذ الدرس إلا أنه لم يستفد منه الاستفادة القصوى ...
ومن أجل ذلك وحتى يقطع الله دابر الشيطان بالحجج فيقيم الحجة للإنسان له او عليه أرسل الرسل وأنزل الكتب ليعرفوا الناس الطريق الآمن للخلود بالكفية التي يريدها الله لا كما يريدها إبليس ،
ويقطع الطريق أمام الأوهام والأباطيل بأن هذ الأمر إلى الله وحده (إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98)
فلا مجال لك أيها الإنسان في البحث عن شفيع ولا أحد غيري يستطيع أن يحقق لكم الخلود الآمن
وإن عليكم أن تفكروا جديا بالخلود الآمن ،لأن الخلود بعد الموت أمر مؤكد ،( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100)خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) طه)
فاهتموا بما تستطيعون فعله ولا تهتموا بما لا تستطيعون فعله ،اهتموا بإمكانياتكم ولا تَمَنوا انفسكم بما لم يريده الله فلن يكون لأحد من البشر الخلود على هذه الأرض فاصرفوا النظر عن ذلك فلم يكن ذلك لأفضل الرسل فكيف سيكون لكم وكذلك لم يكن لأحد من قبل رسول الله ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) ) الأنبياء َ.)
وعليكم أن تصدقوا كلامي ووعدي وتحذرون وعيدي ولكم في آدم عبرة وفيما سبقكم ، لقد وعد إبليس آدم ولم يحصل لآدم شيء مما وعده به ،بل أنه خسر المزايا التي كان يتمتع بها قبل الأكل من الشجرة ،
*فإذا أردتم حياة الخلد الكريمة الآمنة فإن ذلك ممكن شرط أن تعملوا الصالحات ،
وشرط ان تطلبوها ممن يملكها ولا يملكها إلا الله وحده فاطلبوها من الله وحده فقط ..
إن الله قد خلقكم ابتداء دون مقابل فلماذا لا تصدقونه انه سيفعل ذلك في المستقبل
فالأمر خطير فإن الله لن يترك الأمر كما هو عليه في الدنيا فإن في الحياة الأبدية ستكون العواقب وخيمة على المكذبين وستكون النتائج ثمينة ومثمرة وفائقة للمؤمنين
،فإذا لم تفعلوا ما ارشدكم رسلكم فإن مصيركم وخلودكم سيكون وبالا عليكم وستتمنون حينها لو كنتم ترابا ،فلا تستعجلوا هذا الأمر فإنه قريب قال تعالى (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) الأنبياء )
وعليكم أن تعلموا أن المتعة في هذه الدنيا محدودة ،وقصيرة ولا تساوي شيئا بالنسبة للآخرة ؛ حتى يقول بعضكم يوم ينفخ في الصور أنه لم يعش سوى يوما ،او عشرة أيام
قال تعالى :
( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) طه )
إذا اكسير الحياة ( وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)
3 - فعجبا للإنسان كيف يبحث على اكسير الحياة الأبدية وفي الوقت نفسه يكفر بالحياة الأبدية !
{ وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.. ..(5}الرعد )
وقال تعالى ( وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) الإسراء .)
كلا بل تريدون العاجلة وتذرون الآخرة
(قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16) الفرقان .
إن إكسير الحياة السعيدة الأبدية بين أيديكم
فكتاب الحياة الابدية هو القرآن الكريم وهو الصراط المستقيم
( وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه )
الأمر بيدك أيها الإنسان فأنت من تقرر كيف تكون النهايات
فاعرض او اقبل ثم لا تلوم إلا نفسك :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) إلى ...قوله تعالى ( قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)}
...
الخلاصة :
ولأني لست متأكد هل أعطيت القارئ
جوابا للسؤال ( ما إكسير الحياة ؟)
الجواب بكل ثقة إكسير الحياة هو الإيمان بأن الموت هو المحطة الأولى للحياة الأبدية
وبقية الموضوع يعطيك فكرة أي الطريقة التي تموت عليها
فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
فالله فقط هو الذي يستطيع أن يوجد المعدوم ويعدم الموجود وما بعرف الله ليس في عرف الإنسان وما هو في عرف الإنسان يتعالى الله ان يكون في عرف الله فيحصره
قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين