السوسنة - يشهد الأردن مرحلة تحول ديموغرافي ناتجة عن الاستمرار في انخفاض أعداد المواليد-معدلات الإنجاب- وانخفاض في أعداد الوفيات، وقد أثرت هذه العوامل على الهرم السكاني وأدت إلى تغير تدريجي في التركيبة العمرية للسكان باتجاه ارتفاع نسبة السكان في سن العمل ولا سيما الشباب منها، وانخفاض معدلات الإعالة بالإضافة إلى تدفق أعداد كبيرة من الشباب إلى سوق العمل، وستبلغ ذروة هذا التحول في عام 2040 عندما ترتفع نسبة السكان في سن العمل إلى67.7% وتنخفض نسبة الإعالة العمرية إلى حوالي 48 شخص مُعال لكل 100 شخص في سن العمل.
ويمكن أن تتاح للأردن فرصة تاريخية للاستثمار في رأس المال البشري كافية إلى إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية، إذا ما تم الاستعداد لهذه المرحلة بإصلاح سياسة التعليم والتدريب لتلائم مخرجاتهما ما يتطلبه سوق العمل، وعكس ذلك سيكون لهذا التحول الديموغرافي تداعيات إجتماعية غير مرغوبة.
وحسب الإسقاطات المستقبلية من المتوقع أن يبلغ حجم السكان الأردنيين حوالي 11 مليون نسمة في عام 2040 حسب السيناريو المرتفع، مقابل حوالي 9.5 مليون نسمة حسب السيناريو المنخفض -سيناريو الفرصة السكانية، أي تقل نتائج السيناريو المنخفض بحوالي 1.5 مليون نسمة عن حجم السكان حسب السيناريو المرتفع، وفي حال إفتراض إستمرار وجود غير الأردنيين المقيمين داخل الأردن خلال السنوات القادمة سيكون حجم سكان الأردن أكبر، وسيبلغ حوالي 15.7 مليون نسمة في عام 2040 حسب السيناريو المرتفع، بينما سيبلغ حوالي 12.1 مليون نسمة عام 2040 وفق السيناريو المنخفض.
وهناك تحديات تواجه استثمار الفرصة السكانية في الأردن بشكل عام، حيث ما زال معدل النمو السكاني مرتفعاً إذ بلغ 2.4% لعام 2020، ولن يقل عدد المواليد الأردنيين دون غيرهم عن 800 ألف مولود في السنوات الخمس القادمة؛ بالاضافة إلى الآثار الديموغرافية لتبعات اللجوء للأردن؛ وإرتفاع معدلات النمو السكاني مقابل معدلات النمو الاقتصادي، فحسب رأي الإقتصاديين فإننا بحاجة إلى معدل نمو إقتصادي يعادل ثلاث أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادراً على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد من الداخلين إلى سن العمل؛ إضافة إلى تباطؤ تحويلات المغتربين الأردنيين وضعف ترجمتها إلى فرص إستثمارية في الأردن؛ وإستمرار تحويلات كبيرة للعملة الصعبة من العمالة الوافدة إلى دولها؛ والخلل في التوزيع السكاني بين محافظات وأقاليم المملكة حيث يعيش 8% فقط من سكان الأردن في المحافظات الجنوبية الأربع التي تشكل نصف مساحة الأردن، وانخفاض معدل المشاركة الاقتصادية للمرأة الذي بلغ عام 2021 (13,8%)؛ ووصول معدل البطالة على مستوى المملكة إلى 20% عام 2021 (بين الذكور 18,7% وبين الإناث 26,2%).
ويولي المجلس الأعلى للسكان هذه القضايا أهمية كبيرة من خلال برامج عمله، ولكن هناك حاجة لتنسيق الجهود الوطنية وتعزيزها خلال السنوات القادمة لتحقيق التطلعات، إلى جانب ضرورة مراجعة التشريعات وبرامج خدمات الصحة الإنجابية المساندة للتحول الديموغرافي من أجل بلوغ الفرصة السكانية، وتطبيق السياسات والإستراتيجيات الوطنية التي تضمن للمرأة المشاركة العادلة في كافة المجالات، وتسهيل وصولها لكافة الخدمات، وقد أعد المجلس الأعلى للسكان بالشراكة مع الجهات ذات العلاقة الإستراتيجية الوطنية للسكان (2021- 2030) إستكمالاً لجهوده في دعم السياسات المؤدية إلى بلوغ ذروة الفرصة السكانية وجني عوائدها بما يعزز رفاه الأسرة.
يرصد المجلس التقدّم نحو مرحلة التحوّل الديموغرافي في الأردن وإستثمارها، من خلال مصفوفة من المؤشرات توفرها الخطة الوطنية لرصد ومتابعة التقدّم في سياسات الفرصة السكانية، حيث تشير هذه التقارير الدورية إلى أن الإستثمار في الفرصة السكانية والإنتفاع منها بطيء الوتيرة، ويتطلب تحقيق هذا السياسات بفعالية وضع قيم مستهدفة بعيدة المدى للمؤشرات حسب كل سياسة من السياسات في ضوء الإسقاطات السكانية وفق سيناريو الفرصة السكانية، وكذلك معالجة بعض القضايا الهامة والتي تتعلق بسياسات الصحة والصحة الإنجابية للوصول إلى معدل الانجاب المرجو، ومدى مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل الفعلية.
إن هناك ضرورة للتركيز على تحسين نوعية التعليم وجودته في مختلف المراحل التعليمية، بالإضافة إلى أهمية معالجة التحديات المتمثلة في توفير فرص عمل جديدة في القطاع المنظم وغير المنظم، وضعف مصادر وآليات التمويل لدعم وتحفيز المشاريع الريادية المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، وضعف إقبال الأردنيين على العمل المهني والتقني، وتدني مشاركة المرأة في سوق العمل، علماً أن ترتيب الأردن في الفجوة بين الجنسين في المشاركة الاقتصادية حسب التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2021 جاء في المركز 133 من بين 156 دولة.
وإلى جانب التحديات والمخاطر التي تفرضها حالة عدم الإستقرار في ظل التقلبات السياسية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط والتي تؤثر سلباً على المناخ الإستثماري وعلى حجم الإستثمارات العربية والأجنبية في الأردن على المدى القريب والمتوسط، أضافت جائحة كوفيد-19 تأثيرات إقتصادية وإجتماعية سلبية على جميع القطاعات وبالتالي على تحقيق سياسات الإنتفاع من الفرصة السكانية.
إضافة إلى هذه الإحاطة الصحفية ستقوم الأمانة العامة للمجلس وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان بتنفيذ عدداً من الأنشطة المتلاحقة والتي من أبرزها، إطلاق الخطة الوطنية لتنفيذ إلتزامات قمة نيروبي، وعرض مسرحي تفاعلي للشباب حول موضوع وشعار اليوم العالمي للسكان، وعرض 4 فيديوهات لإعلانات الإستراتيجية الوطنية للسكان، وعقد ندوة لعرض ومناقشة ورقة حقائق عن كبار السن والصحة الإنجابية وورقة حقائق أخرى عن الإعلام والصحة الإنجابية.
صندوق الأمم المتحدة
وأشار التقرير الإقليمي لحالة سكان العالم الذي أصدره صندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية لعام 2022 إن ما يقرب من نصف حالات الحمل في جميع أنحاء العالم التي يبلغ مجموعها 121 مليون سنوياً كانت أحمالاً غير مقصودة، وبالنسبة للنساء والفتيات المتضررات من مثل هذه الأحمال، فإن خيار الإنجاب - سواء حملن أم لا - لم يعد خياراً أمامهن على الإطلاق، الأمر الذي يتطلب التحرك لمواجهة أزمة الحمل غير المقصود المهملة، حيث أن أكثر من 60% من حالات الحمل غير المقصود تنتهي بالإجهاض المتعمد، ويقدر أن 45% من جميع حالات الإجهاض غير آمنة، حيث تتسبب في 5% إلى 13% من جميع وفيات الأمهات، وهذا يؤثر تأثيراً كبيراً على قدرة العالم على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ومن المتوقع أن تؤدي الحروب والنزاعات والأزمات في جميع أنحاء العالم إلى زيادة حالات الحمل غير المقصود، لأن هذه الأحوال تُعيق إمكانية الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وتزيد من ممارسة العنف الجنسي، فعلى الصعيد العالمي، تشير التقديرات إلى أن 257 مليون امرأة ممن يرغبن في تجنب الحمل لا يستخدمن الوسائل الآمنة والحديثة لتجنب حملٍ غير مرغوب.
ويبين تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية لعام 2020 أن التوسع الحضري السريع قد تأخر مؤقتاً بسبب جائحة كورونا، ولكن زيادة عدد سكان المناطق الحضرية حول العالم قد عادت إلى مسارها بنمو يقدر بحوالي 2.2 مليار شخص إضافي بحلول عام 2050، مما يدعو الحكومات والجهات المانحة إلى الإستثمار في التنمية الحضرية بشكل كافٍ لإنشاء مدن عادلة ومرنة وصحية ومزدهرة في كل مكان.
وتبين الاستراتيجية العربية للتخطيط الإستراتيجي (2021-2025) أن المطلوب هو استحداث سياسات سكانية جديدة تستجيب لاحتياجات الدول العربية وللتحديات السكانية التي تواجهها من نمو سكاني وتحولات في التركيبة السكانية، وتحديات في مجال الصحة الإنجابية والمرأة والشباب بهدف تحقيق وجني ثمار العائد الديموغرافي، مع الأخذ بعين الاعتبار تضمين الاستراتيجيات الوطنية لكل الدول العربية برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والمؤتمرات اللاحقة له وخطة التنمية المستدامة 2030.
وذكرت الاستراتيجية أيضاً إن المنطقة العربية لا تزال تشهد نمواً سكانياً متواصلاً بالرغم من تراجع نسقه، وتسجل المنطقة معدل تغير سكاني يتجاوز كثيراً المعدل العالمي، إذ يقدر المعدل السنوي للمنطقة خلال الفترة (2015- 2020) بـ 1.9 % مقابل 1.1 % عالمياً.