غلاء الأسعار إحدى الظواهرالاقتصادية التي يترتب عليها آثار جسيمة، ذات مساس ببنية المجتمع، مما تسببت ببعض الممارسات السلبية التي تنعكس على الأنماط السلوكية لأفراد المجتمع؛ وبخاصة تلك المتعلقة بالأسرة، لذا استوجب علينا تسليط الضوء على هذه الظاهرة، التي باتت أمراً مقلقاً ومخيفاً في الفتك بالعلاقات الزوجية .
تكمن المشكلة الأساسية لظاهرة غلاء الأسعار، في العلاقة بين ارتفاع الأسعاروالوضع الاقتصادي القائم، الذي يتمثل بالارتفاع الفاحش لأسعارالسلع، والمواد الاستهلاكية، والخدمات، وارتفاع إيجارات المساكن، مقارنة مع انخفاض الرواتب وتدني الأجور، مما أدى إلى حدوث مشاكل أسرية، بسبب عدم تمكن أرباب الأسرمن تغطية الاحتياجات، في ظل الارتفاع المتواصل للأسعار.
في الواقع، إن الغلاء ترك بصماته وآثاره السلبية على الأسر، فانعدام الاستقرار المادي للأسر، وعدم كفاية دخلها وقدرتها على الوفاء بالمتطلبات الأساسية، أدى إلى اهتزاز قيمها الأخلاقية؛ نتيجة حرمانها من الضروريات المادية اللازمة لاستمرار الحياة اليومية .
ويجدر بنا ذكر بعض الظواهرالسلبية لمشكلة الغلاء؛ مثل الكسب غيرالمشروع كالرشاوى، وانتشار جريمة التسول،والسرقة، وتحرير شيكات من دون رصيد، بالإضافة إلى لجوء الأفراد إلى الاقتراض من البنوك الربوية لسد الفجوة بين الدخل والنفقات .
ومن جهة أخرى، فإن انشغال الأسرة بحل المشكلات الاقتصادية المترتبة على هذا الغلاء يتسبب في إهمال تربية الأطفال تربية سليمة، كما يساعد في نمو السلوك المنحرف أو العدواني لديهم، ضف إلى ذلك سوء التغذية والمسكن السيء الذي يؤثر على صحتهم وسلامتهم، ولا ننكر تأثير الفقر عليهم حيث يؤدي إلى دخول سوق العمل وتركهم الدراسة من أجل الحصول على المال .
وفي طبيعة الحال، فإن الآثار الناتجة عن غلاء الأسعار من شعور بالحرمان، وعدم السعادة، وعدم الرضا؛ يضعف الاستقرار النفسي للأسرة، ويقلق راحتها، ويزعزع أمنها، ويؤدي ذلك إلى حدوث الشقاق والنزاع .
ولا مناص من القول، إن عدم قدرة الزوج وامتناعه عن الإنفاق، يؤدي إلى مطالبته بالنفقة قضائياً من قبل مستحقيها، ومن الملاحظ أن أكثر القضايا شيوعاً بالمحاكم الشرعية (قضايا النفقات) ، سواء نفقة زوجة، أونفقة أولاد، أونفقة أقارب، فمن المعلوم أن نفقة الزوجة واجبة على زوجها وكذلك الأولاد نفقتهم على أبيهم، أما نفقة الأقارب فهي على من تجب عليهم النفقة كالأخ أوالابن.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحكام الصادرة عن قضايا النفقات قد تجتمع، ويطالب بها الزوج، حيث يتوجب عليه دفع النفقة لزوجته وأبناءه وأحياناً يمتد ذلك لينفق على والده أو والدته أوأخته؛ فيتوجب عليه دفع جميع هذه النفقات؛ لأن امتناعه أو تقصيره يودي به إلى السجن .
من المؤسف، إن الحلول المتوقعة لهذه الظاهرة تكاد تدور في دوّامة، وذلك أن أطراف المشكلة – المستوردون، التجار، المسوقون، المستهلكون، الحكومة- كلٌ يضع اللوم على الآخر، في حين إن عدم وجود حلول جذرية لوقف زحف هذا الغول الجشع، يجعل من هذه الظاهرة مشكلة مؤرقة ومحيّرة ، وفي حال لم يجدوا حلولاً ناجعة أساسية لمثل هذه البلايا والمحن فإنها قد تتفاقم، وتؤدي في النهاية إلى مالا تُحمد عُقباه.
من فتّش في بعض أقاربه وأهله، وما أكثرهم في مجتمعنا! يتلمس أحوالهم، لوجد الشكوى منهم والأنين، فهل أصبح غلاء الأسعار قدراً محتوماً، وشبحاً يهدد العلاقات الزوجية والأسرية ؟
ويبدو أنه حق علينا قول شاعر النيل حافظ إبراهيم :
أيها المصلحون ضاق بنا العيـ*** ــشُ ولم تحسنوا عليه القياما
وغدا القوت في يد الناس كاليا *** قوت حتـى نوى الفقير الصـياما