عاصوف يحاسب زمن التسعينات .. والمخابرات تنتج المسلسلات

mainThumb

14-04-2022 01:16 AM

دائما نظر أهل الفن لشهر رمضان على أنه موسم الترويج الأهم في السنة، والأكثر ملائمة لإنتاج وتسويق الأعمال، نظرا لزيادة نسبة وأعداد المشاهدين فيه، مما يجعلهم يتسابقون مع الزمن للانتهاء من العمل قبل بداية الشهر، وقد تأثرت أعمالهم في العامين السابقين سلبا وايجابا تبعا لما أفرزته جائحة كورونا في جميع القطاعات، فمن جهة زادت الاحترازات من نسبة المشاهدة بسبب الحجر المنزلي الجبري، ومن جهة أخرى كان لهذه الاحترازات أحيانا أثرها في توقف الأعمال أو تأخير إنجازها.
 
 في رمضان هذا العام يُقدّم عدد كبير من الأعمال بشتى صورها، نسبةً للتحلل التدريجي من الإجراءات الاحترازية على مستوى العالم، لكن حضور السياسة في دراما الفن العربي هذا العام أثار الاهتمام ، ليس بعدد الأعمال، إنما بقوة الجرعة ومباشرة الطرح التي تضمنته، لكنها لا تدفعنا قيد أنملة إلى الأمام، بقدر ما تعود بنا إلى الوراء، فلا تتعرض لما يضير الإنسان العربي من التفاف على حقوقه في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، ولا تتعرض بالنقد لدور السلطة في الفشل والتأزيم، بل على العكس نجد التزلف لأهل السلطة، وتشويه الإسلام السياسي هو العنوان.
 
     خليجيا -وكما العادة- يتصدر مسلسل ناصر القصبي المشهد، وهو لهذا العام الجزء الثالث من مسلسل العاصوف، حيث يناقش تحولات المجتمع السعودي في حقبة التسعينات، بعد مناقشة جزأين سابقين لحقبتي السبعينات والثمانينات، فيصور المسلسل المجتمع السعودي بأنه مجتمع آمن بسيط طيب، ينبذ العنف والتطرف، وأن مظاهر التشدد دخيلة عليه، وجاءت من الخارج ممن استضافهم الشعب السعودي، لكنهم لم يلتزموا آداب الضيافة، مثلما أن هذه المرحلة صاحبها انتشار الصحوة الإسلامية، مع تبعات الأزمة الأفغانية التي شكلت أشد صور الحرب الباردة بين قطبي العالم آنذاك، كل ذلك دفع باتجاه التطرف واندفاع كثير من الشباب السعودي والعربي للجهاد هناك بدعم أمريكي ورسمي، لينقلب بعدها الكل على الكل.   
 
 يتعرض المسلسل لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رجال الفضيلة بالنقد الحاد، مستفيدا من سياق ما وصل اليه الحال اليوم بإلغاء الهيئة والانفتاح الذي تشهده المملكة في العهد الجديد، كما يشير العمل إلى بوادر المواجهة آنذاك بين من وسموا بالحداثيين مع الإسلاميين أو بين متشددين ووطنيين، ويأتي على ذكر أحداث كانت مثار اهتمام حينذاك، مثل مسألة مقاطعة الحجاج الإيرانيين للحج، وارتدادات عاصوف الكويت الذي أحدث جدلا وانشقاقا على مستوى الشعوب العربية -وكما هو معلوم- فقد شكلت العاصفة طلاقا بين السلطات والإسلاميين، اعتراضا على دخول القوات الأجنبية إلى أرض الحرمين، لكنّ المعادلة تنزاح دائما لصالح الحداثيين مقابل الإسلاميين هيئةً وإخوانا، فهم وصوليون ومتشددون لا يتوانون عن التضييق على الطرف الأخر، ومن هنا تُدان المرحلة بأكملها، ولا يستهجن ذلك بعد أن تعرضت مرحلة الصحوة للنقد من بعض أهلها، وبتحريض من السلطة التي يبدو أنها ضاقت تماما بتلك المرحلة.
 
     يقوم مسلسل الاختيار على عمل منجز من وجهة نظر أمنية مخابراتية بصورة علنية، والمدهش أكثر أنه يحاكي مرحلة من الزمن لم تتجاوز العقد، وما زالت حية في أذهان الناس بتفاصيل أحداثها ونتائجها، فمحاباة السلطة بهذه الطريقة المشبعة بالابتذال لا يقبلها المنصفون، فهي تصور أهل السلطة بأنهم وحدهم الذين حموا البلد، وأن ضباط المخابرات المنتفخين بالعنجهية هم الاحرص على الوطن -يذكرنا ذلك بفيلم احمد زكي زوجة رجل مهم الذي صور شخصية رجل المخابرات المغرور الذي يحيك التهم للجميع بحجة أنه يحمي البلد بل لا يسلم بإحالته على المعاش لكن رسالة الفيلم وقتذاك أدانت هذا النهج- أمّا في العمل الحاضر فالظرف يمجد فكرة أن رجال الأجهزة الأمنية هم وحدهم حماة البلد، متدثرين اليوم بعباءة النظام، وأن هذه الأجهزة الأمنية والجيش تمتلك الحكمة والرؤية الثاقبة، بينما باقي الأطراف وخاصة الإخوان ما هم إلاّ فئة ضالة، تريد أن تدفع البلد إلى الخراب، وتؤجج الطائفية حد الدفع بالناس إلى الهجرة، طبعا كل ذلك حدث بسنة واحدة، حُمّلوا فيها وزر عقود سابقة من الفساد، كما أن شخصيات المسلسل التي برزت بأسماء حقيقية لشخصيات حية طالها الغبن الواضح بل الفاضح بتضخيم أو تشويه مواقفها، بل شُوّهت حتى من حيث الهيئة، تيمنا بفكرة أن الكفار بشعين أبدا، والمسلمين وسيمين، والغريب أن المسلسل كان يتضمن مشاهد مسجلة من الواقع، يمكن لأي منصف أن يجد الفرق بين الدراما والواقع، إذ تعكس هذه المشاهد رؤيا مغايرة لما هدف إليه العمل المخابراتي.
 
دائما ما يصرح أهل الفن بأنهم اصحاب رسالة، تتمثل في زيادة وعي الناس، وتخفيف وطأة الحياة بالترفيه عنهم، ويفترض أن يكون الفن بصوره المتعددة يعكس ثقافة الشعوب؛ معاناتها، وآمالها، أحزانها، وأفراحها، ويشكل حلقة وصل بين الناس وأهل الحكم، لكنّ الواقع يشي بما هو مغاير، فانحياز الفن لأهل السلطة يحوله لمجرد مطية تروج للفساد والاستبداد، بل وتزيين النفاق السياسي.
 
 
الدوحة - قطر 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد