1. غالب الفلاسفة لا يحبذون الثورات لأنها فعل عنيف يربك الأوضاع وتختل به موازين عديدة في الحياة العامة، وكثير منها يحرق المراحل الزمنية للتطور الإجتماعي والسياسي؛ وكذلك رجال الدين يتحفظون علي الثورات ويطلقون عليها "الفتنة" وفي هذا السياق دلالات شرعية بالغة التعقيد.
أما الأنبياء الذين أخرجوا الناس من الظلمات إلى النور فقد قاموا بأكبر الثورات في التاريخ الإنساني، وإن كانت بالأساس ثورات تغيير إجتماعي شمل تغيير أنظمة الحكم.
الثورة "الديسمبرية" كما يحلو لبعض قادة اليسار أن ينعتوها نجحت في إسقاط الإنقاذ بعد ثلاثة عقود من رحلة مليئة بالبذل والعطاء والإنجاز وكذلك التعب والحصار والشمولية، كل هذا المشروع الذي انتهشتة عوامل الضعف الداخلي من اشتباكٍ روحي بين أصحاب المشروع ومنفذية وحصار خارجي لئيم وعنيد، وأخيراً هزيمة نفسية.
2. في اللحظة التاريخية الملهمة خرجت قطاعات واسعة من الشعب السوداني بما فيها قطاعات من الإسلاميين لتسجل ذهاب فترة الإنقاذ إلى ذمة التاريخ..
ربما لم يأت الوقت لمعرفة كل الخبايا والأسرار التي إكتنفت تلك المرحلة من تاريخ السودان لكن الحيثيات الظاهرة للعيان تقول إنه
لولا المساهمة الفاعلة والمؤثرة للجنة الأمنية للرئيس البشير لتأخر أوان الثورة قليلاً، ولربما سُكبت دماءٌ عزيزة وكثيرة روت أرض بوابة القيادة العامة.
3. تشكلت الحكومة الأولى والثانية للفترة الإنتقالية بقيادة دكتور عبدالله حمدوك وباحتضان كامل من كل قادة "الحرية والتغيير" الذين استغلوا إندفاع وقلة خبرة الشباب من الثوار ليشكلوا أسوأ حكومة محاصصة مرت على السودان، وذلك باعترافاتهم المتكررة من رئيس الحكومة إلى أصغر مسؤول، ولم يمض وقت طويل حتى ظهر للعيان التشتت الكبير والمزعج في القاعدة السياسية الحيوية للحكومة ممثلة بقوى الحرية والتغيير والتي كانت تعتز بأنها تضم أكبر تجمع حزبي ونقابي ومؤسسي من المجتمع المدني، فإذا به لم يتبق من هذا التجمع إلا ثلاثة أحزاب عاثت إستبداداً منقطع النظير وكأن البلاد ضيعة يمتلكونها ليقرروا فيها كما شاءوا من غير هدي ولا قانون.
4. أسوأ ماقامت به تلك الأحزاب وعلي رأسها الحزب الشيوعي السوداني هو تمزيق النسيج الإجتماعي وذلك ببث الكراهية وعدم احترام النموذج والقدوة وتحطيم كل عرى النسيج المتعارف عليها بالمجتمع السوداني ثمّ بالمحاولات المستمرة لشيطنة الإسلاميين بطريقةٍ مجردة من كل التقاليد والأصول في الخلاف السياسي والإجتماعي بين أبناء البلد الواحد. وقد أثر
الطرق العنيف والمستمر علي هذا الموضوع تأثيرات عديدة ومتنوعة وأحدث شرخاً هائلاً في المجتمع يحتاج لزمن لرأبة.
5. الفشل الداوي لحكومتي الإنتقال في كل المناحي السياسية والإقتصادية أعاد التوازن قليلاً للمجتمع وللحياة السياسية بعد إفساد متعمد، وإنتبه الكل للكارثة والحفرة العميقة التي وقع فيها الجميع، وبدلاً من الاتعاظ من تجارب فشلها عمدت تلك القوى إلى استمرار النزيف الداخلي من تظاهرات وتتريس لتحافظ علي ما تعتبره دفء الثورة ونفسّها الوهاج. هذه الأيام نلاحظ تكرار ذات الدعوة لانتفاضة يوم السادس من أبريل لتحاكي ذات الطريقة لانتفاضة 1985.
لا أعتقد أن الثورات تتشابة ولا أنه تتم صناعتها في مختبرات متطورة لتنسخ نسخة شبية بالأخري.
6. أبرز سمات ما مضى من الفترة الإنتقالية هي التشاكس والتشظي وتوقف دورة الحياة حيث أغلقت المدارس والجامعات والمستشفيات والمصانع الكبرى والمخابز وحركة الحياة العامة، وبعد كل هذا الفشل تحاول الأحزاب التي جربت الحكم منفردةً ذات التفاصيل الخربة.
يرى البعض أن تكرار الفشل من أحزاب اليسار في إدارة الفترة الإنتقالية وطمعها في أن تحكم أطول مدة دون تفويض شعبي قد فتح شهية العسكر للحكم، ربما يكون هذا الإدعاء صواباً ولكن المكون العسكري دعى الأحزاب للتوافق على طريقة إدارة ما تبقى من الفترة الإنتقالية أو إجراء الانتخابات ليختار الشعب من يحكمه ولكن بتبادل اللكمات العنيفة من الأحزاب التي تبتعد عن التوافق علي الحد الأدني نجد أن أجل الفترة الإنتقالية يتمدد مع ملاحظة عدم استعداد الأحزاب لأي إجراء عملية ديمقراطية في الوقت الحالي.
7. في دارجيتنا السودانية مقولات تفيد الإستحالة مثلاً (أقابلك يوم القيامة العصر) هذه المقولة تفيد إستحالة اللقاء.
بذات الطريقة التي يحاول فيها بعض الشباب و الثوار ومن خلفهم أحزاب يسارية معروفة بكراهيتها للديمقراطية وولوغها في الدكتاتورية حتى الثمالة.
سيأتي يوم 6/4/2022 ويرحل عنّا بشكلٍ لا يشوبه إلا بعض المظاهرات هنا وهناك وربما يسقط شهيد آخر نتيجة لعدم الوعي لمشكلات البلاد وإنسداد الأفق.