يثير سلوك المستثمرين وحركة أسعار الأسهم في الأسواق المالية جدل كبير بين المحللين الماليين والأكاديميين، وهناك نظريتين رئيسيتين في هذا المجال، تستند النظرية الأولى إلى النظرية المالية التقليدية وهي فرضية السوق الكفؤ Efficient Market Hypothesis (EMH)، والتي طورها العالم Fama في عام 1970، وبناء على هذه النظرية EMH، فإن أسعار الأسهم تستجيب للمعلومات بسرعة، وأن الأسهم تتحرك بشكل عشوائي، والمستثمرون عقلانيون وليس لديهم تحيز في سلوكهم، وبالرغم من وجود العديد من الدراسات السابقة التي تدعم هذه الفرضية، إلا أنها واجهت تحديًا كبيرًا من قبل نظرية التمويل الثانية، وهي نظرية التمويل السلوكي Behavioural Finance (BF)
نظرية التمويل السلوكي تم تطويرها في بداية تسعينيات القرن الماضي في عام 1990 بواسطة علماء مثل Shleifer and Summers وآخرون، وقد ركزوا على السلوك المنهجي لمتداولي الأسهم الذين يتحركون في نفس الاتجاه، حيث أظهر كثير من الباحثين في بداية عام 1994 مثل Trueman و آخرون أن المستثمرين يميلون إلى اتباع وتقليد سلوك بعضهم البعض في أنشطتهم الاستثمارية، مشيرين اليه أنه قريب الى سلوك القطيع، وفي نهاية تسعينيات القرن الماضي قدم باحثون مثل Barberis و Shleifer و Vishny و Daniel و Hirshleifer و Subrahmanyam و Hong Stein ثلاثة نماذج سلوكية أساسية تستند إلى سلوك المستثمرين المرتبط في ردة الفعل الى المعلومات، ورد الفعل المبالغ فيها لدى المستثمرين، والثقة المفرطة، والتحيز في إسناد الذات، وبالمقابل هناك المستثمرين المتحفظين الذين يستجيبون كردة فعل قليلة الى المعلومات، وقد أثبتت هذه النماذج السابقة أن قرارات المستثمرين غير عقلانية لأنها تتأثر بالعوامل النفسية وهذا يؤدي إلى تحيزات غير طبيعية في أسعار وعوائد الأسهم.
في عام 2001 صنف Hirshleifer أهم التحيزات النفسية التي تؤثر على قرارات المستثمرين، وأشار إلى ثلاثة عوامل رئيسية تلعب دور في هذه التحيزات النفسية الثلاث وهي: (1) خداع الذات (2) التبسيط الإرشادي (3) فقدان السيطرة العاطفي، وقد ناقش عام 2012 كل من Burns, Peters, and Slovic بأن المستثمرين يصبحون أكثر تشاؤمًا عندما ينخفض اتجاه ومؤشر السوق مما يؤدي إلى وجود ردة فعل في سلوك المستثمرين وانعكاس وتراجع في أداء الأسهم قصير الأجل في السوق، وفي عام 2010 لاحظ Shu أن المعنويات لها تأثير على سلوك الأسهم وأن التقلبات في معنويات المستثمرين يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على أسعار الأسهم والعوائد المتوقعة.
هذه النظرية السابقة وهي نظرية التمويل السلوكي كانت المحفز الرئيسي في فحص كيفية تأثير سلوك و معنويات المستثمرين خلال جائحة كورونا على بورصة عمان (ASE) ليس فقط على مستوى مؤشر السوق العام، ولكن أيضًا على مستوى المؤشرات الفرعية للقطاعات، وعلى مستوى الشركات الأردنية المدرجة في بورصة عمان في الأردن، وبناءً على تحليل السلاسل الزمنية اليومية لكل من المؤشرات الرئيسية والفرعية، وقد أظهرت الدراسة أن هناك أثرا سلبيًا قويًا لحالات كورونا المؤكدة التراكمية اليومية على العائد اليومي لمؤشر بورصة عمان، كما أشارت النتائج إلى أن القطاع المالي الذي يقاس بمؤشر البنوك كان الأكثر تضررا خلال الوباء، يليه قطاع الخدمات ومن ثم قطاع الصناعة، بينما تأثر قطاع التأمين بشكل ايجابي نسبيا، واستنادًا إلى البيانات الربع سنوية لعائدات الشركات، أظهرت النتائج أثرا سلبيًا ذات دلالة إحصائية لوباء كورونا على عوائد أسهم الشركات غير المالية، كما أظهرت الأدلة أن الشركات ذات الحجم الأكبر والتي تمتلك مستويات أعلى من النقد والسيولة تتمتع بمناعة أفضل وبالتالي شهدت عوائد أعلى خلال فترة الوباء.
دعمت نتائج هذه الدراسة نظرية التمويل السلوكي لوجود تحيزات في أسعار عوائد الأسهم والقطاعات، وبالتالي فان المستثمرين يستجيبون الى المعلومات القادمة الى السوق بطريقة غير عقلانية في كثير من الأحيان، يمكن أن يكون لنتائج هذه الدراسة آثار مباشرة على قرارات المستثمرين، فعلى مستوى المؤشرات الفرعية للقطاعات الرئيسية، فقد أظهرت الدراسة أن مؤشر قطاع التأمين كان الأقل تأثراً بفيروس كورونا، هذا يمكن أن يقود المستثمرين إلى الاستثمار في هذا القطاع في ظل أزمات مماثلة، بالمقابل يمكن للمستثمرين أن يقوموا ببيع الأسهم في القطاع المالي، وتحديداً البنوك، حيث يعتبر هذا القطاع الأكثر تضرراً في مثل هذه الأزمات، على مستوى الشركات، قد يفضل المستثمرون الاستثمار في الشركات الكبيرة التي تمتلك سيولة ونقودًا أكثر، حيث أن هذه الشركات حققت عوائد أعلى أثناء الوباء.
يمكن أن يكون لنتائج دراستنا أيضًا آثار مهمة لصانعي السياسات، ففي حين أظهرت النتائج أثرا سلبيًا قويًا للوباء على أداء السوق بالإضافة إلى عوائد الشركات، فيترتب على صانعي السياسات اتخاذ العديد من الإجراءات لحماية السوق والحفاظ على ثقة المستثمرين، فعلى سبيل المثال، في الأردن، في بداية تفشي جائحة كورونا، قد تم اتخاذ العديد من القرارات لحماية السوق، مثل تقليل ساعات التداول إلى ساعة واحدة فقط، والتحكم في سقوف الصعود والهبوط لأسعار الأسهم التي تم تعديلها من 7٪ إلى 5٪ و لتصل إلى 2.5٪ كحد أقصى لتحرك الأسعار صعودًا وهبوطًا، وهذا الإجراء الاحترازي الذي تم اتخاذه يحسب إلى صانعي السياسات في الأردن، وقد كان له أثر مباشر في التخفيف من تقلب أسعار مؤشرات الأسهم.
* البحث مقبول للنشر في مجلة علمية محكمة متخصصة Scopus (Q3).
الدكتور عمر خليف غرايبة/ قسم التمويل والمصارف/ جامعة آل البيت
الدكتورة بثينة خرابشة/ قسم العلوم المالية والمصرفية/ جامعة اليرموك