شكلت الزيارة التاريخية للملك عبدالله الثاني، إلى مدينة رام الله في الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، نقطة ارتكاز لها دلالاتها السياسية والقومية، وفيها نجح الملك الهاشمي، بقيادة مباحثات لها وزنها السياسي والوطني مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رافقه في الزيارة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد.
توالت التحليلات والتداعيات، ناقشت عديد وسائل الإعلام الدولية والوطنية، طبيعة الزيارة، طرحنا سؤال المرحلة:
لماذا رام الله الآن.. وغالباً، هي فلسطين التي يعشق هواها الملك، فتكون رام الله والقدس.. رؤية وطيف وإن طال الزمان..
قيل الزيارة الرابعة التي تمت وفيها كسر الملك، صاحب الإرادة المستحيلة، كسر شوقه وحنينه للقاء الأهل، وكانت قبل ذلك ثلاث زيارات سياسية مهمة:
* الأولى:
عام 1999، بعد أن تولى الملك سلطاته الدستورية.
* الزيارة الثانية:
.. وكانت في عام 2012، نقل جلالته تهانيه والشعب الأردني للأشقاء الفلسطينيين وقيادتهم بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة، الذي وصفه الملك بالقرار التاريخي الذي يعكس مدى اهتمام المجتمع الدولي بالقضية الفلسطينية وبإيجاد حل عادل ودائم لها استناداً إلى حل الدولتين.
* الزيارة الثالثة:
تمت في شهر آب من صيف 2017 وهي الزيارة التي أعقبت الأحداث التي وقعت في المسجد الأقصى المبارك وللبحث في الجهود المبذولة لتحريك عملية السلام.
بين زيارة وأخرى، يعزز الملك إيمانه الراسخ بالحق الفلسطيني، ودور الدولة الأردنية والأسرة الهاشمية، أباً عن جد، في صقل ذلك الامتداد الوطني والقومي لمواقف جلالته الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، وترسيخ وتمتين أواصر الأخوة القائمة بين الشعبين الشقيقين، وتطوير علاقات التعاون الثنائي على مختلف المستويات لما لهذه العلاقات من مكانة خاصة وفريدة، ولما يقوم به جلالته والشعب الأردني من جهد مميز في دعم مقومات الدولة الفلسطينية وصمود ومساندة الشعب الفلسطيني في قضيته ونضاله في جميع المحافل والهيئات الدولية.
رام الله وإن طال السفر، فهي خيط النور المجاور لأقدس مقدسات فلسطين القدس وأوقافها وأهلها، ودورها في الحضارة.
جاءت تصريحات الملك، لتعيد المواقف الأردنية الثابتة من تداعيات القضية الفلسطينية، في وقت يخوض العالم أزمات وحروب متباينة في أثرها على دول المنطقة والشرق الأوسط والعالم، ودعا الملك عبدالله الثاني إلى ضرورة النظر بعمق وقال،–علينا أن نعي وندرك -: أهمية أن تحظى القضية الفلسطينية بالزخم المطلوب دولياً وألا تقلل أية أزمات مستجدة من حضورها على الساحة العالمية.
فيما قال الرئيس عباس مؤكداً: الموقف الأردني من القضية الفلسطينية هو موقف فلسطيني، يؤكد أهمية زيارة الملك للتشاور وسماع رأيه «السديد».
رداً على أسئلة المرحلة، دون شك، كان جلالة الملك ثاقب الفكر التنويري، داعياً لفهم ضروريات ما يحيط ببلادنا من مخاطر وأزمات، لهذا تمت رؤية الملك الهاشمية:
ضرورة الحفاظ على الهدوء الشامل وتعزيز الاستقرار خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك، شدد في ذات الوقت، على احترام حق المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية في الحرم القدسي الشريف، دون أي استفزازات أو تدخل.
طبيعة زيارة الملك، حرصت على تعزيز العمل السياسي والدبلوماسي مع جميع الأطراف لتفادي أي تصعيد من شأنه إضعاف فرص إحلال السلام.
الملك عبدالله الثاني في رام الله، تنسم بداية الأنوار الرحمانية وربيع فلسطين، وبثقة رفيعة المستوى قال إن الأردن سيبقى على الدوام مع الأشقاء الفلسطينيين ويقف إلى جانبهم أمام التحديات، داعماً لحقوقهم، قائلاً: «نحن والفلسطينيون الأقرب إلى بعض وفي نفس الخندق».
منحت الزيارة مناخاً للحرص الهاشمي، وموقف المملكة الأردنية الهاشمية التاريخية، الذي اتضح في مستهل مباحثات، الملك التي عقدها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة الفلسطينية بحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، وكبار المسؤولين من الجانبين.
سعادة ملك الأردن لها دلالاتها، من الوجود المؤثر لشخصية وقدرة وعمل الأردن، بإرادة وطنية صلبة، عبر عنها جلالته، معتبراً وجوده في رام الله، استمراراً لعمل المملكة على الصعد العربية والإسلامية والدولية والأممية، التي شكلت تقديره للأشقاء الفلسطينيين على كرم الضيافة، مباركاً جلالته للرئيس عباس وللشعب الفلسطيني العزيز بمناسبة قرب حلول شهر رمضان الفضيل.
وضعت الزيارة، الجهود الأردنية ومواقف الملك العربية والدولية بالتوازي مع إشارات:
الأولى:
أن المنطقة لا يمكنها أن تنعم بالأمن والاستقرار من دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة والقابلة للحياة، على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الثانية:
ضرورة وقف كل الإجراءات الإسرائيلية الأحادية وخاصة في القدس والحرم القدسي الشريف، التي تعيق فرص تحقيق السلام الشامل والدائم، «الذي هو هدفنا جميعاً حتى تعيش الدولة الفلسطينية المستقلة بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل».
الثالثة:
الأردن مستمر في بذل كل الجهود للحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم بالقدس، وحماية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، من منطلق الوصاية الهاشمية على هذه المقدسات.
الرابعة:
أهمية أن تحظى القضية الفلسطينية بالزخم المطلوب دولياً وألا تقلل أية أزمات مستجدة من حضورها على الساحة العالمية.
فلسطينياً.. أكد الرئيس عباس أهمية مبادرة وزيارة الملك قائلاً: «نحن والأردن شعب واحد، والمصلحة والهموم واحدة والآلام والآمال واحدة، مثمناً مواقف الأردن الثابتة بقيادة جلالة الملك في دعم حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، في مختلف المحافل الدولية، وقال: «إن الموقف الأردني من القضية الفلسطينية هو موقف فلسطيني»، مقدراً عالياً الجهود التي يبذلها جلالته في حماية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، والحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم فيها.
ترافقت الزيارة، وأهميتها مع تحليلات ومتابعة إعلامية، وضعت محددات حول الوضع في الأراضي الفلسطينية، منها:
* المحدد الأول:
ضرورة الحفاظ على الهدوء الشامل، وتعزيز الاستقرار خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك، واحترام حق المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية في الحرم القدسي الشريف، دون أي استفزازات أو تدخل.
* المحدد الثاني:
أهمية العمل مع جميع الأطراف لتفادي أي تصعيد من شأنه إضعاف فرص إحلال السلام والتأثير سلباً على جهود تحقيقه.
* المحدد الثالث:
تنسيق الجهود المبذولة لضمان استمرار تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتمكينها من أداء مهامها ضمن تكليفها الأممي.
* المحدد الرابع:
ضرورة مواصلة بذل الجهود الدبلوماسية بما يخدم مصلحة الشعبين، فضلاً عن تعزيز التعاون الثنائي، خاصة في الجانب الاقتصادي.
* المحدد الخامس:
بحث المشاريع الإقليمية المشتركة وكيفية مشاركة الأشقاء الفلسطينيين فيها، لا سيما تلك المتعلقة بتعزيز الأمن الغذائي والتخفيف من آثار الأزمة الأوكرانية على المنطقة.
ما بين العاصمة الأردنية عمان، ومقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، بالضفة الغربية من فلسطين المحتلة، حملت أطيافا من المحبة، حيث وصل الملك على متن طائرة مروحية حطت بالقرب من مكتب عباس في المقاطعة..
وفي ذات الوقت عبرت «لجان الخدمات والهيئات الاستشارية والفعاليات الشعبية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن «بالزيارة الملكية التاريخية إلى رام الله» والتي جاءت لتؤكد من جديد على الموقف الأردني الثابت والتاريخي تجاه القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ووقوف الأردن الدائم إلى جانب الفلسطينيين في كل الأحوال والظروف.
ونقل البيان، ذلك الحلم العامر بالصور، والإيمان بالرؤية الملكية السديدة: نحن أبناء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن إذ نعبر عن اعتزازنا بقيادتتا الهاشمية المظفرة بإذن الله ندعو الله أن يحفظ جلالة الملك ويعزز ملكه ويبقى الأردن الأبي قويا منيعا وقلعة شامخة تذود عن الحق العربي في فلسطين.. وتحقيق السلام العادل والشامل طبقا لقرارات الشرعية الدولية.
عمليا حفزت الزيارة، من وضع انتباه، ورؤية سياسية، لها دلالاتها، في وقت أعربت مصادر دولية وأممية وإسرائيلية وفلسطينية عن خشية من ارتفاع حدة التوتر خلال شهر رمضان ورأت أنها تأتي، محاولة للحد من التوتر المتوقع خاصة في مدينة القدس خلال الصلاة في المسجد الأقصى في شهر رمضان.
وبموجب الوضع التاريخي والحضاري والسياسي، يتولى الأردن الوصاية الهاشمية على أوقاف القدس والحرم القدسي الشريف، وإدارة المسجد الأقصى وكنائس القدس والاعتناء بها من خلال موظفي الأوقاف، الإسلامية والمسيحية، يشدد الملك، الوصي، على دور الدولة الأردنية وقيامه بكل متطلبات وأهمية ومواثيق الوصاية التي لها قيمتها ومكانتها القانونية والدولية والأممية.