ما من شك أن كل زلزال يحدث يعطينا دروسا نتعلمها ويكشف لنا في نفس الوقت عن عيوب انشائية ينبغي تلافيها في المناطق التي من الممكن أن تكون عرضة لزلازل كبيرة مستقبلا. منطقة بجايا كانت قد تعرضت في 19 مارس من العام الماضي 2021 إلى زلزال وصلت قوته إلى 5.9 درجات على مقياس ريختر متسببا في بعض الأضرار في منشآت مدينة بجاية. قبل عدة أيام وتحديدا في 19 مارس من هاذا العام 2022 تكرر نفس المشهد بزلزال آخر بقوة 5.5 لكن بأضرار أخف.
بناء على الكثير من التقارير التي وصلتني من الأشقاء الجزائريين ومن المواطنين أيضا أستطيع تلخيص تقييمي للبنية العمرانية المتضررة في مدينة بجاية شمال شرقي الجزائر بناء على ما وصلني من صور. بعض مما تسبب به زلزال بجاية هاذا اليوم على المنشآت وبعض منشآت جامعة بجاية من خلال مشاهد التصدعات على الجدران، تشكل دروسا للانشائيين ينبغي أخذها بعين الاعتبار مستقبلا.
1- التركيز مستقبلا على تلافي تعدد مراكز الثقل في جسم اي منشأ كما اشارت اليه بعض الصور وخاصة في المناطق التي تعتبر نشطة زلزاليا على أن يكون لكل منشأ مركز ثقل واحد بهدف جعل كامل المنشأ يسلك سلوكا اهتزازيا واحدا عند حدوث الزلزال لا قدر الله. تعدد مراكز الثقل في جسم أي منشأ يؤدي إلى أن كل من مراكز الثقل هذه أن تسلك سلوكا اهتزازيا مختلفا عن الأخرى الأمر اللذي يزيد من فرص دمار هاذا المنشأ وقت حدوث الزلزال بتصادم مكونات نفس المنشأ مع بعضها البعض.
2- بعض الصور عن التصدعات على الجدران تشير إلى ان هذه المنشآت هي من النوع ذات التسليح الهيكلي فقط بمعني تسليح الأعمدة والجسور فقط (frame wall structures) وهذه عادة ما تكون مقاومتها ضعيفة للاهتزازات القوية كما حدث اليوم والعام المنصرم.
3- في المناطق النشطة زلزاليا كما في منطقة بجاية ينبغي تقليل الاعتماد على المنشآت ذات التسليح الهيكلي لصالح المنشآت ذات التسليح الكامل بما في ذلك الجدران (shear wall structures) وخاصة في جميع مراكز التجمع من مدارس ومسارح وجامعات ومساجد وكنائس ... إلى ذلك.
4- صحيح أن كلفة التسليح الكامل أكثر لكن عامل الأمان والسلامة اكبر.
5- ينبغي التوجه في المناطق التي من الممكن أن تكون عرضة لزلازل كبيرة أن يؤخذ بالحسبان أن يكون المنشأ متناظرا في جميع مقاطعه الوجاهية والعرضية والطولية.
6- كشفت هذه الهزة في بجاية اليوم عن وجود طوابق رخوة (soft store) على أحد الأبنية المتعددة الطوابق التي كان من الممكن لها أن تنهار لا قدر الله لو كانت قوة هاذا الزلزال أكبر.
7- واضح من بعض الصور أن بعض الأبنية متموضعة فوق تربة رخوة لم تؤخذ خصائصها الحركية بعين الاعتبار عند البناء (foundation dynamic characteristics).
8- لوحظت تصدعات على جدران بعض المنشآت ذات الدور الواحد الحديثة الإنشاء على الرغم من قدرتها على الصمود في وجه الزلازل نظرا لترددها العالي البعيد عن تردد الوسط الجيولوجي الحامل. مرد ذلك إما لعيوب انشائية فيها او أن يكون الوسط الجيولوجي الحامل تعرض لظاهرة التميع (Liquefaction).
9- في المناطق التي من الممكن لها أن تتعرض لزلازل كبيرة، لا ينبغي الإعتماد على الخرائط الزلزالية ذات النطاقات المتعددة لأنها تعمم الصورة على مساحة واسعة من حيث خصائص الأوساط الجيولوجية السطحية وهاذا غير صحيح. من الضروري بمكان لكل منشأ تحديد خصائصه الحركية قبل المباشرة بالبناء إضافة إلى دراسة كل موقع بناء جيوفيزيائيا وذلك بهدف الحد من مخاطر الكوارث الزلزالية مستقبلا. مثال من الممكن معرفة الخصائص الحركية بصورة جيدة لكن ماذا لو تواجد صدع أرضي في منطقة البناء واللذي من الممكن لأي زلزال أن يتسبب في حركة عليه موديا بكامل المنشأ.
10- الحد من البناء فوق قمة التلال وقمم الطيات الجيولوجية المحدبة (القباب) كما في حالة القلاع التاريخية وذلك نطرا لأن من عادة هذه القمم أن تعمل على تضخيم الأمواج الزلزالية كئيرا.
11- العمل مستقبلا على أن يكون أي منشأ بمعامل إخماد أقل من 1% عند تصميمه من قبل المهندس المعماري.