تناولت دراسات قليلة المحددات الرئيسية للاستثمار سواء في البلدان المتقدمة أو النامية، وبالرجوع إلى تلك الدراسات يظهر الفساد كواحد من أكثر المتغيرات إثارة للجدل، وهناك نظريتين تناولها الباحثون في هذا المجال، النظرية الأولى قدمها Gould and Amaro-Reyes (1983) الذي أشار الى أن الفساد له تأثير سلبي على الاستثمار ويزيد من تعرقله (نظرية رمال العجلات Sands the wheels)، وفسر ذلك بأن الفساد كالرمال للعجلات تعيق حركتها وكذلك الفساد يؤثر سلبا على الاستثمار ويعرقل مسيرة ويسبب ارتفاع حاد في تكاليف الإنتاج، وضعف في توزيع الموارد، مما يعمق من معدلات الفقر والبطالة، وهناك دراسات كثيرة دعمت هذه الفكرة وخاصة في الدول النامية، وقد نوه Mauro (1995) الى أن الدول الفقيرة تميل لمزيد من الفساد و البيروقراطيات، وعدم الاستقرار السياسي مما يؤدي إلى تباطؤ في معدلات النمو.
بالمقابل، هناك وجهة نظر قديمة أخرى قدمها Leff (1964) أشار فيها إلى أن الفساد له تأثير إيجابي على الاستثمار ويعمل على تعزيزه (نظرية أو فرضية التشحيم The greasing hypothesis )، حيث وجد أن الفساد يمكن أن يساعد في التنمية من خلال إتاحة معدلات استثمار أعلى، ووضح أن الفساد قد يؤدي الى تعزيز الابتكار وتشجيع الاستثمار، ويمكن ان يقلل الفساد من عدم اليقين الناتج عن التدخل الحكومي، وهناك دراسات أخرى دعمت هذه النظرية وأشارت الى أن الفساد يمكن أن يؤدي إلى سرعة اتخاذ القرارات، وتوفير الوقت للمعاملات الاقتصادية من خلال المدفوعات غير القانونية (الرشاوي)، وأكدت على هذه النظرية دراسات في الصين وكوريا الجنوبية، وهناك دراسات أخرى مثل Qureshi وآخرون (2021) وجدوا أن الفساد يؤثر سلبا على اقتصاديات الدول المتقدمة بينما يؤثر إيجابا على اقتصاديات الدول النامية.
وبناء على ما سبق، تم دراسة تأثير الفساد على الاستثمار في الأردن خلال فترة زمنية طويلة امتدت من عام 1987 إلى 2020 معتمدا على بيانات سنوية، وتم استخدام مؤشرين للفساد الأول مؤشر درجة الفساد Corruption Score Index والثاني مؤشر مرتبة الفساد Corruption Rank Index وهما مؤشرين موجودين على موقع الشفافية الدولية Transparency International وقد خلصت الدراسة إلى نتيجة أن مؤشري الفساد سواء مؤشر درجة الفساد أو مؤشر مرتبة الفساد كان لهما تأثير سلبي وذو دلالة إحصائية على الاستثمار في الأردن، وهذه النتيجة دعمت نظرية رمال العجلات Sands the wheels التي تؤكد على التأثير السلبي للفساد على الاستثمار.
والى جانب تأثير الفساد فقد تم دراسة عوامل أخرى مثل عدم الاستقرار السياسي في الإقليم، وأظهرت الدراسة أن عدم الاستقرار السياسي كان له أثر إيجابي على الاستثمار في الأردن وذلك بسبب نزوح المستثمرين من تلك الدول الى الأردن، وأخيرا، تناول البحث إلى جانب العوامل السابقة العوامل الاقتصادية الكلية، وأظهرت نتائج الدراسة أن الإنفاق الحكومي الجاري ومعدلات الفائدة لها تأثير سلبي وذو دلالة إحصائية، بينما الناتج المحلي الإجمالي والواردات والإيرادات المحلية لها تأثير إيجابي وذو دلالة إحصائية.
وأوصت الدراسة في النهاية أن على صانعي القرار في الأردن محاولة تطبيق الشفافية، وتقليل الفساد من خلال عدم استغلال المنصب لأغراض شخصية، وتسهيل الإجراءات أمام المستثمرين، والتوجه نحو أتمتة المعاملات، وتحديث التشريعات بما يجذب المستثمرين، كما أوصت الدراسة متخذي القرار في الأردن التوجه إلى ترشيد الإنفاق الحكومي الجاري لما له من أثر سلبي على الاستثمار، وتوجيه البنوك الأردنية لإعطاء أولوية أكبر للتسهيلات الائتمانية الممنوحة نحو القطاعات الإنتاجية لتعزيز الاستثمار في الأردن ويزيد من نسب النمو فيها.
* البحث منشور في مجلة علمية محكمة متخصصة Scopus (Q3).
الدكتور عمر خليف غرايبة/ قسم التمويل والمصارف/ جامعة آل البيت
الدكتورة بثينة خرابشة/ قسم العلوم المالية والمصرفية/ جامعة اليرموك