يتابع العالم هذه الأيام أدق التفاصيل لهذه الحرب التي بدأت منذ عدة أيام وفقاً لما تتبادله وسائل الاعلام المختلفة في تغطيتها للاحداث. فهناك الكثير من الآراء والتحليلات بين مؤيد ومعارض لسياسة الرئيس بوتين في غزو أوكرانيا.
في واقع الحال هناك الكثيرين ممن يرون في شخصية القيصر الروسي وتصرفاته الأمل باسترجاع ماضي الاتحاد السوفيتي المنصرم، ولكن للأسف هذا منافي للواقع الموضوعي وهو ما ينكره بنفسه الرئيس بوتين، على الرغم من أنه أعتز بالاتحاد السوفييتي وقال في عدة مناسبات أن أكبر كارثة جيوسياسية حصلت في القرن العشرين كانت انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي ، وقال أن روسيا الاتحادية هي الوريث الشرعي للإرث السوفييتي العتيد.
لكن من تتبع خطاب الرئيس بوتين قبل يومين يلاحظ بأنه قد صب جام غضبه على الاتحاد السوفييتي وحمله مسؤولية تاريخية عما حصل لروسيا فيما بعد ولم يتعرض في حديثه إلى يلتسين وغورباتشوف اللذان كانا في رأس سلطة الاتحاد السوفييتي واللذان كانا من ساهما بشكل مباشر في تباشير الانهيار. علي أية حال إن المشكلة الأساسية التي تزعج روسيا هي المحاولات المستمرة من قِبل حلف الناتو والولايات المتحدة للتمدد شرقاً إلى أوكرانيا وجرها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والدخول في حلف الناتو مما يتيح لها الفرصة في وضع القواعد العسكرية فيها في مواجهة روسيا مباشرةً. وهو ما لا تريده روسيا ولن تسمح به مطلقاً لأنها ترى في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
تاريخ عريق يربط بين أوكرانيا وروسيا
يجب أن يبقى حاضراً للأذهان أن هناك تاريخ عريق يربط بين أوكرانيا وروسيا كدول سلافية وكانتا من ضمن أراضي الاتحاد السوفييتي، وفي تلك الازمان لم تكن حدود الجمهوريات التي شكلت الاتحاد السوفييتي ذات أهمية كونها ككل تندرج تحت أراضي دولة واحدة. ولهذا فشبه جزيرة القرم وهي أراضي روسية أعطاها خروشوف إلى أوكرانيا عام 1954 ولم يكن الموضوع ذات أهمية في لحظتها كونها بقيت ضمن أراضي الاتحاد السوفييتي. لكن لم يعد الأمر كذلك عندما تفكك الاتحاد السوفييتي ، فقد طالب الروس بعودتها إليها ضمن المفاوضات علي ترسيم حدود الدول منذ عام 1991 . وقد تم ضمها إلى الاتحاد الروسي عام 2014 بشكل رسمي وتدار ككيانين فدراليين روسيين وهما جمهورية القرم ومدينة سيفاستوبول الاتحادية. في العام 2016 تم تجميع هذه الكيانات فيما يسمى منطقة القرم الاتحادية.
في واقع الأمر عندما تفكك الاتحاد السوفييتي كان هناك العديد من السكان الروس يعيشون في أوكرانيا وجمهوريات أخرى وبقوا في أماكن تواجدهم بحكم الواقع، وكذلك الحال بالنسبة للشعوب الأخرى التي شكلت الاتحاد السوفييتي، فهناك أوكرانيون يعيشون في روسيا، وروس يعيشون في كازاخستان وجمهوريات أخرى.
الكواسر الرأسمالية على مناطق النفوذ والثروة والطاقة
أما فيما يخص أوكرانيا بالتحديد فهي ورقة الضغط على روسيا ضمن الصراع العالمي بين الكواسر الرأسمالية على مناطق النفوذ والثروة والطاقة. فمن جهه تقوم الولايات المتحدة بدفع أوروبا والناتو في مواجهة روسيا في محاولة لخنقها عبر خاصرتها أوكرانيا ومضايقتها في سيناريو قد أُعد له مسبقاً وكان محسوباً لدى كافة الإدارات الأمريكية ومن معها من قوى تحالف غربي، ومن جهة أخرى فهي تعلم علم اليقين أنها مقامرة ليست هينة بعدما فشلت الولايات المتحدة حروبها الجيو- سياسية في الوكالة ضد روسيا، فقد خرجت تجر ذيول هزيمتها في أفغانستان وقد تركت خلفها سلاح وعتاد عسكري بما يزيد عن ال8 مليارات دولار. عداك عن كافة المحاولات الفاشلة في المحيط الجيوسياسي الروسي في وقت سابق سواء في جورجيا عام 2008 ، أو في ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان ، واحداث قرغيزستان وفيما بعد في كازاخستان وصولاً لأوكرانيا.
كل تلك السيناريوهات كانت مدرجة ضمن الخطة القديمة للإطاحة بروسيا التي أصبحت تشكل خطراً على المصالح الامريكية في العالم، ناهيك عن الصعود الصيني والتقارب الروسي – الصيني في منطقة أوراسيا ومناطق أسيا ولا سيما بحر الصين الجنوبي ومشروع طريق الحريرالصيني العملاق، كل تلك المعطيات والتحالفات تهدد المصالح الامريكية بشكل مباشر وتقوض من فرصها للبقاء على سدة العرش الرأسمالي العالمي كقوة اقتصادية ضخمة.
فنحن هنا أمام صراع رأسمالي- رأسمالي للسيطرة على مناطق النفوذ والممرات المائية والبرية بما فيها ممرات البترول والطاقة كالغاز وغيره من المصادر الهامة التي تعتبر عصب الاقتصاد للدول الصناعية الكبرى.
في حين لم تعد القدرات العسكرية والاقتصادية هي الركائز الأساسية لايجاد الحلول ، بل الإرادة السياسية هي الأهم في إيجاد الحلول والمخارج من الأزمات. لقد قال نابليون ذات مرة إن الجغرافيا هي التي تحدد مصير أي دولة.
فالصراع مناط في المصالح الرأسمالية ومناطق النفوذ الجيوسياسية للدول الكبرى. وأوكرانيا تقع ضمن المجال الجيوسياسي لروسيا الاتحادية والتي تفصل روسيا عن دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والتي تستخدمانها كحلبة للصراع فيما بينهم ، فبينما تحاول روسيا إبقاء أوكرانيا تحت سيطرتها وفي مجالها الحيوي وترفض دخولها الاتحاد الأوروبي للحفاظ على أمنها القومي والحيلولة دون قيام الناتو بنشر القواعد العسكرية في مواجهتها.
حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو
فيما يعمل الغرب جاهداً في تسميم أفكار الشعب الاوكراني بحلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو مصورة مدى التغيير الذي سيطرأ على حياة الاوكرانيين إذا أقدموا على ذلك، في حين يبقى الهدف الحقيقي هو التمدد نحو الشرق وإعطاء الناتو الفرصة لنصب قواعدها العسكرية على الأرض الأوكرانية وهو ما لا تقبل به روسيا بتاتاً كما أشرنا سابقاً.
ولتحقيق هذه الغاية فقد شهدت أوكرانيا أحداث واحتجاجات واسعة بترتيب من الغرب عام 2014 سميت باحتجاجات الميدان الأوروبي كانت تهدف للإطاحة بالرئيس يانكوفيتش الموالي لروسيا وقد نجحت بذلك، وبهذا فقد انقسمت أوكرانيا إلى قسمين قسم موالي لروسيا وقسم آخر موالي للاتحاد الأوروبي.
ونتيجة لذلك فقد أدت الاحتجاجات إلى صعود إدارة سياسية اوكرانية موالية للغرب تمثلت في بوروشينكو ومن ثم تلاه الرئيس الحالي زيلنسكي عام 2019 ، في ذات الوقت توالت الاحتجاجات في المناطق التابعة للنفوذ الروسي في منطقة القرم وهي ما عُرفت بأزمة القرم والتي تمخضت عنها إعلان جمهورية القرم التي انضمت إلى روسيا ( ويمكن القول أنها رجعت إلى روسيا كونها أراضٍ روسية بالأساس) وتلا ذلك استفتاء دونيتسك ولوغانسك في نفس العام وإعلانهما جمهوريتين بحكم ذاتي داخل الأراضي الأوكرانية.
ولوضع حد للنزاع الذي اندلع في منطقة الدونباس بين هاتين الجمهوريتين بأكثريتهم الروسية والحكومة الأوكرانية فقد تم التوقيع على اتفاقية منسك والتي صاغتها روسيا لمصلحة اوكرانيا والتي ضمت الأطراف المتحاربة بالإضافة إلى زعماء دول رباعية النورماندي التي تضم (روسيا، أوكرانيا وألمانيا وفرنسا) وقد تم التوقيع على الاتفاق الذي ضم مجموعة الاتصال الخاصة بتسوية النزاع تضم ممثلين عن حكومتي أوكرانيا وروسيا وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومنظمة الامن والتعاون في أوروبا، وتم الاتفاق على وقف القتال الفوري على أن تبقى هاتين الحكومتين تتمتع بالحكم الذاتي تحت إدارة الدولة الأوكرانية. طوال السنوات الثماني الماضية لم تلتزم أوكرانيا وبتحريض من الغرب ببنود الاتفاق المبرم في شباط عام 2015 وذلك لذات الأسباب والاطماع الغربية التي ذكرناها سابقاً.
وكانت النتيجة أن إنجرت أوكرانيا وراء الوعود البراقة لحلم الانضمام للاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى تفاقم الأزمة بين البلدين.
دوافع تأزيم الوضع في أوكرانيا
فقبل أن نحكم على الموقف الروسي في صحته من عدمه في اجتياح أوكرانيا التي يصورها الغرب لنا وكأنها ضحية لسياسات بوتين العدوانية، دعونا ننظر بتأمل إلى الدوافع التي وصلت إلى تأزيم الوضع في أوكرانيا. جميعنا يعي تمام المعرفة الطريقة التي يفكر فيها الغرب ، فالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تعطي لنفسها الحق في التدخل بإسم الأمم المتحدة والعالم المتحضر للدفاع عن الديمقراطية وتتغنى بحقوق الانسان وغيرها من الأسطوانات المشروخة التي تعودنا على سماعها وقتما تريد ، فهي تستحضر وتتباكى على حقوق الانسان عندما يتعلق الأمر بما يرفضونه ولا يتماشى مع المصالح الغربية قاطبةً.
فكان إحتلال العراق وأفغانستان وليبيا تحت شعار حقوق الانسان والديمقراطية وغيرها من الشعارات الرنانة. وطبل الإعلام الغربي مهللاً للغرب في نقل وتزييف الحقائق كيفما يريد، ينقل ويحجب الاخبار بما تتفق مع مصالحه العدوانية في قلب الحقائق وتصوير الحق باطلاً والباطل حق.
والمسألة الأوكرانية ليست أستثناءً يشذ عن القاعدة التي تعودنا عليها. فالإعلام الغربي هو الذي مهّد الطريق نحو الأزمة وتفاقمها ، فورط أوكرانيا في حرب داخلية ضد لوغانسك ودونيتسك ولم يحترم اتفاقية منسك التي وقع عليها بوجود ممثلين عن الغرب، فيما حاول الروس ضبط النفس طوال السنوات الماضية في محاولة لاستدراك خيار الحرب إلى أن استنفذت كافة الطرق للحيلولة دون اللجوء إلى قرار الحرب. في حقيقة الأمر كلنا نعلم أن هذه الحرب ليست ضد أوكرانيا بل هي حرب تعبر عن المصالح بين الدول الرأسمالية وبالتحديد بين روسيا والولايات المتحدة وحلفاؤها من دول الاتحاد الأوروبي التي تضعهم كرأس حربة في مواجهة مع روسيا على مبدأ الحرب بالوكالة مناصفة مع أوكرانيا فيما تضع نفسها بموقف المتفرج. فهذه الحرب تقوم على الخلفيات والمعطيات التي تفوق أوكرانيا وأهميتها الوهمية بالنسبة للغرب، والتي تتمثل في الحقائق غير المعلنة التالية:
أولاً: إن الغرب المدفوع بالسياسات الامريكية لا يقيم وزناً لأوكرانيا كبلد لضمه للاتحاد الأوروبي بقدر ما يريد عرقلة واستنزاف القوة الروسية لاضعاف دورها العالمي في السيطرة على مناطق النفوذ. في ذات الوقت تعي روسيا ذلك وتعلم أن التدخل في أوكرانيا سيبقيها ضمن المجال الحيوي لها ولسياساتها في العمق الأوروبي. ولذلك فإنه من المؤكد عدم تدخل الولايات المتحدة أو حتى حلف الناتو في مواجهة مع روسيا لأنهم يعرفون حق المعرفة بإن ذلك من الممكن أن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة لا يمكن لاحد من السيطرة عليها. وقد صرح البيت الأبيض بشكل رسمي عدم نيته محاربة روسيا من أجل أوكرانيا وهو ما يؤكد أن الصراع ليس من أجل أوكرانيا بتاتاً.
ثانياً: إن الصراع الحقيقي هو صراع على مصادر الطاقة واهمها الغاز الذي تمتلك روسيا منه أكبر احتياط عالمي بالإضافة إلى سيطرتها على الحقول التي تقع ضمن مناطق نفوذها الجيوسياسي. فمنطقة الدونباس غنية جداً بغاز الشيست ( وهو مكون من خليط مواد هيدروكربونية ، تكمن أهميته في كونه مصدراً للطاقة كالنفط والفحم ، ولكنه أقل إنتاجية للملوثات منها عند احتراقه، فمثلاً إن غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن احتراقه يقّدر بأقل من نصف الكمية الناتجة عن احتراق الفحم). في الآونة الأخيرة تكشفت الكثير من الحقائق التي تشير إلى اتفاق امريكي اوكراني بشأن استخراج الغاز وبيعه إلى أوروبا لكسر الاحتكار الروسي للغاز الذي تستورده أوروبا من روسيا. كما أن منطقة الدونباس كانت من المناطق الصناعية الهامة للاتحاد السوفييتي في زمانه، وفيها البنية التحتية للأفران التي تنتج محركات صواريخ الفضاء التي صارت أمريكا تشتريها من روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، فكانت أمريكا قبل ذلك تحترق نصف صواريخها التي تبعثها للفضاء. فالمسألة برمتها لا تتعلق بأوكرانيا وغناها من حيث الأراضي الزراعية والإنتاج الزراعي الذي سيفي بحاجة القارة الأوروبية بالكامل، ولا تتعلق أيضاً في المعادن النفيسة الهامة للصناعات الالكترونية كالتيتانيوم وغيرها، ولا في الاحتياط الهائل من الفحم والحديد العالمي. كل تلك الحقائق على أهميتها إلا أنها ليس سبباً مباشراً لضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي. وأوكرانيا بدورها ليست لديها مصلحة حقيقية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك لو تم فلسوف تنهب خيراتها بالكامل وستستفيد الدول الغربية من العمالة الرخيصة في مقابل الفتات الذي ستحصل عليه نتيجة الرساميل الأوروبية والتي ستفاقم الأوضاع الاقتصادية سوءاً وستزيد من رقعة الفقر. الامر الذي ممكن تلافيه في حال تراجعت أوكرانيا عن حلم انضمامها للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ثالثاً: تستهلك أوروبا 400 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. تورد روسيا ما يقارب 40% من حاجة أوروبا من الغاز والباقي تستورده من النرويج وليبيا والجزائر وأذربيجان. ينقل الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية والتركية والبولندية، كما تشحن روسيا الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط الانابيب نورد ستريم 1 والذي يمر في بحر البلطيق ويصل بين روسيا وألمانيا والذي يمتد تحت البحر بطول 1200 كيلومتر. في حين أعلنت روسيا عام 2015 عن تدشين خط الانابيب نورد ستريم 2 بكلفة تصل إلى 11 مليار دولار ويمر بخط موازٍ مع الخط الأول وبطول مشابه (1230 كيلو متراً) وكانت قد اتمت بناؤه في كانون الأول من العام 2021 ليصل بين مدينة فيبورغ الروسية ولوبمين الألمانية. هذا الخط قد تصل عائداته السنوية ما يقارب ال15 مليار دولار في حال تم تشغيله. فألمانيا وحدها تعتمد على ما بين 50 و75% من استهلاكها على الغاز الروسي. هذا الخط الجديد من الغاز يهدد باستغناء روسيا عن أوكرانيا كناقل للغاز عبر أراضيها، إذ يمر حالياً نحو 70% من صادرات الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية وهذا سيكبد أوكرانيا خسائر ضخمة تُقدر ما بين مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً رسوم العبور. وهذا ما أدى إلى إنتفاض أمريكا وحلفاؤها ضد سلاح روسيا الجيوسياسي. ففرضت الولايات المتحدة عقوبات على خط الغاز في الأعوام 2017 و2019 و2020 مما أضطر روسيا بعد إتمام بناء الخط على تخفيض إمدادات الغاز التي تمرعبر أوكرانيا بنسبة 23%
في الربع الأخير من العام 2021 وهو الأكبر خلال السنوات الستة الماضية كوسيلة ضغط إذا لم تسهل أوروبا إجراءات تشغيل نورد ستريم 2 . هذا الانخفاض في إمداد الغاز أدى إلى ارتفاع فاتورة الطاقة في القارة الأوروبية بنسبة 15% بزيادة سمحت لروسيا بمراكمة احتياطي من العملة الصعبة وصل إلى 630 مليار دولار. من هذه الأرقام نستنتج بأنه إذا كان رهان الولايات المتحدة وحلفاؤها على مضايقة روسيا بأوكرانيا. فكافة أوراق الضغط بيد الروس والخاسر الأكبر هو أوكرانيا والشعب الاوكراني ومن بعدها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيين. إن العالم مقبل على تغيرات جيو- سياسية كبيرة على الصعيد العالمي فعلى سبيل المثال لو حصل تحالف استراتيجي بين المانيا وروسيا في المستقبل وتم تشغيل خط الغاز الجديد نورد ستريم 2 بين روسيا وألمانيا، فلن تعود المانيا ودول الاتحاد الاوروبي بحاجة إلى الحماية الامريكية ولا حتى لحلف الناتو أصلاً وهو ما يخيف الولايات المتحدة وتضع بكامل ثقلها للحيلولة دون ذلك. فهذا الخط الجديد هو بمثابة البوابة بين أسيا وروسيا وأوروبا بعضهم على بعض بمعزل عن الأمريكي وبشكل مباشر. فهذا الخط يمر ببحر البلطيق ولا يمر بدول من الممكن أن تتحكم الولايات المتحدة في قرارها.
رابعاً: تسعى الولايات المتحدة وحلفائها بانشغال الروس بحرب جانبية من الممكن أن تقوض قدرتهم على المحافظة على مناطق نفوذهم الأخرى كسوريا مثلاً.
خامساً: تهدف الولايات المتحدة وأعوانها من السطو على المال الروسي وتجميد الأرصدة الروسية في البنوك الامريكية على شكل فرض العقوبات على روسيا والتي تبلغ ما يزيد عن المليار دولار. وهذا ليس بعيداً عن سياسات الولايات المتحدة في السطو على الأموال للدول التي احتلتها مثل العراق وليبيا وأفغانستان، بحيث استطاعت نهب الأصول المالية المجمدة والتي تعد بالمليارات.
للأسف إن القيادة الأوكرانية الحالية ممثلة برئيسها زيلنسكي ستكون أكبر الخاسرين نتيجة إنجرارها وراء الغرب الذي تخلى عنها مع بداية الحرب ، وهذه أيضاً عادة الغرب التي عودنا عليها في التخلي عن حلفائه وتركهم في مواجهة أعدائهم والوقوف على الحياد في محاولة لتأجيج الخلاف لا تهدئته من أجل بيع السلاح واللعب على التناقضات. وذات المشهد يتكرر اليوم في هذه الأزمة مع أوكرانيا. فروسيا التي اتخذت قرار الحرب لإعادة تصويب الأمور في مجالها الحيوي في الشرق والجنوب الشرقي لاوكرانيا ستكون الرابح الوحيد في المعادلة كونها دولة عظمى وتمتلك مفاتيح اللعبة بين أيديها. فالحرب هي الحرب، هناك رابح وهناك خاسر. أما الخاسر الأكبر هو الشعب الأوكراني الذي سيعاني لسنوات طويلة من هذه الأزمة التي ورطه بها الغرب ولن يتعافى منها بسهولة.