احتج النائب أحمد القطاونة عضو كتلة الإصلاح النيابية على آلية وسياسة المجلس في اختيار الأعضاء للمشاركة في الوفود النيابية، واستثناء نوّاب الكتلة بشكل ممنهج من المشاركة فيها، وهنا أودّ التعليق على هذه المسألة التي استفزتني، بالإشارة إلى المُعطيات التالية:
أولاً: إنّ أعضاء كتلة الإصلاح النيابية البالغ عددهم عشرة أعضاء، والممثلين لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في البرلمان، هم جميعاً مواطنون أردنيون يتمتعون بكامل حقوق المواطنة التي كفلها الدستور، ولا أحد كائناً من كان يستطيع أن يُشكك في أردنيّتهم ومواطنتهم أو وطنيّتهم وصِدْقِ انتمائهم، كما أنّ جميعهم وصلوا إلى المقاعد النيابة بجدارةٍ ونزاهةٍ واستحقاقٍ، ولم يصل أيّ منهم بواسطة التزوير الفاضح الذي بتنا نشهده في كل انتخابات، أو بواسطة استخدام المال الأسود وشراء الذمم، وبالتالي فهم من أكثر أعضاء مجلس النواب تمثيلاً للإرادة الشعبية.
ثانياً: بالرغم من كلّ محاولات الإقصاء والتضييق والتهميش التي يتعرض لها أعضاء الكتلة تحت قبة البرلمان وفي الحياة العامة، إلاّ أنّ أداءهم تحت القبة كان الأفضل من بين كافّة أعضاء المجلس، فأصبحت مواقفهم وكلماتهم المعبِّرة عن ضمير الوطن، محطّات فخر واعتزاز، ودروس في الوطنية، يتداولها الناس عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وربما تسهم في نشر الوعي السياسي وتحقيق التنمية السياسية، على نحوٍ لم تتمكن من تحقيقه وزارة التنمية السياسية عبر ما يقارب عقدين من إنشائها، والحال هذه يتمنى الكثير من أبناء الشعب الأردني لو كان لدينا عشرات النوّاب من أمثال ينال فريحات وصالح العرموطي وأحمد القطاونة وموسى أبوهنطش وغيرهم من أعضاء كتلة الإصلاح، ولكم أنْ تتخيّلوا كيف سيكون أداء المجلس لو كان تحت قبة البرلمان اليوم نوّاب تمّ تغييبهم قسراً عن المجلس من أمثال الدكتور عبدالله العكايلة أو علي السنيد أو غازي الهواملة أو صدّاح الحباشنة وغيرهم.
ثالثاً: إنّ أعضاء كتلة الإصلاح يمارسون الدور المنوط بهم في الرقابة والتشريع على أكمل وجه، فلا أحد منهم يريد أن "يدوس" على الدستور إكراما للملك، ولا أحد منهم يريد أن يرمي نفسه من "أعلى الحيط " إكراما لوزيرة الثقافة، ولا أريد أن أذكر المزيد من سلوكيات بعض النواب التي لا تليق لا بالملك ولا بالوزيرة ولا بالبرلمان، وأشك أنّ الملك المتنور وخريج جامعة اوكسفورد البريطانية ، يقبل بمثل هذه المواقف، وأقول: إنّ نوّاب كتلة الإصلاح يضعون المصالح العامّة للبلاد والعباد فوق كل الاعتبارات، وربما يدفعون ثمناً باهضاً نتيجة مواقفهم، فلا أحد منهم يملك شركة، ولم يسعَ أحدٌ منهم يوماً للحصول على عطاءٍ حكومي، ولو قدر لهم المشاركة في أي وفود برلمانية لكانوا خير سفير للأردن لما عرفنا عنهم من نظافة اليد والجرأة في قول الحق والحرص على الوطن ، وحتما لن يذهبوا الى الكازينوهات من اجل ان يحصلوا على وجبة عشاء مجانية وذلك على النحو الذي اقر به احد اعضاء مجلس النواب ، وهنا أودّ الإشارة إلى أنّ أحد البحوث الاستقصائية قد بين تواطُؤ الحكومة مع بعض النوّاب وتنفعيهم اقتصاديا في سبيل حصولها على مكاسب سياسية، إذ بيّن البحث أنّ رُبع مليار دينار كانت نصيب شركات أحد رؤساء مجلس النوّاب ، و 128 مليون دينار حصّة أشقاء أخوين في المجلس و 150 مليون دينار نصيب شركات أخوة رئيس سابق لمجلس النواب، وأنّ 92 نائباً من المجلس السابع عشر يساهمون في شركات رأسمالها مليار ونصف دينار، وفقاً لسجل دائرة مراقبة الشركات الأردني. فيما يُساهم 104 نوّاب من المجلس السابع عشر وأفراد أسرهم بنحو 770 شركة برأسمال 1.7 مليار دينار. كما ويظهر البحث الاستقصائي أنّ نواباً آخرين، حاولوا تكييف أوضاعهم ظاهرياً مع الدستور، عبر زيادة عدد المساهمين في شركاتهم لأكثر من عشرة أشخاص، لتبدو متّفقة مع النصّ الدستوري، الذي يُجيز تعاقد النوّاب مع الحكومة "إذا كان مساهماً في شركة يزيد عدد أعضائها عن عشرة أشخاص"، فيما لجأ نوّابٌ آخرون إلى الانسحاب من بعض شركاتهم لصالح أشقائهم وأبنائهم قبل التعاقد مع مؤسساتٍ حكوميةٍ في صفقاتٍ وعطاءات ( راديو البلد، 2016).
رابعاً: ينصّ الدستور الأردني في مادته الأولى والثانية على أنّ المملكة الأردنية الهاشمية هي دولة عربية مستقلة ذات سيادة، وأنّ الشعب الأردني هو جزء من الأمّة العربية، ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي، وأنّ الإسلام هو دين الدولة، واللغة العربية هي لغتها الرسمية، وقد استمدّ النظام السياسي في الأردن شرعيته الدينية والتاريخية من هذا المنطلق، وبناء عليه يقوم الملك بالإنفاق على المقدسات الاسلامية ، ونحن نعلم أنّ ما يزيد عن 97% من سكان الأردن هم مسلمون، فهل تغيّرت مصادر شرعية النظام السياسي وثوابت الدولة الاردنية؟ وهل يوجد سند قانوني يجيز معاقبة أو إقصاء أو استهداف نوّاب كتلة الإصلاح باعتبارهم ممثِّلين لحزب مرخصّ له مرجعية إسلامية "جماعة الإخوان المسلمين" ؟
خامساً: إنّ جماعة الإخوان المسلمين كانت طوال تاريخها حليفاً أساسياً للنظام السياسي ووقفت على الدوام إلى جانبه خصوصاً في السنوات العاصفة، واليوم نجد أنّ الجماعة متهمة بخذلان الكثير من أبناء الشعب، باعتبار سكوتها عن ما تنشره المنظمات العالمية ووسائل الاعلام من تقارير عن ما يجري في البلاد نوعاً من التواطؤ مع النظام السياسي الذي تمدّ له يدها ويدير لها ضهره، فالجماعة تحاول المشاركة فتجد كافّة الأبواب أمامها مغلقة، فما زالت المشاركة السياسية محدودة، وتقتصر على قاعدة ضيقة من النخب السياسية، التي لا تخضع للمساءلة والمحاسبة، مع انتشار ظاهرة الولاء الجهوي والقبلي. ويُصنّف الأردن حسب مؤشر الحريات السياسية والمدنية بأنّه "غير حرّ". ويواصل النظام السياسي سياسات القمع وكبت الحريات العامّة، وتستمر موجات من الاعتقال بحقّ المعارضين السياسيين، ويتمّ تغليب القبضة الأمنية في إدارة الشأن السياسي العام في الأردن، ولسان حال الناس يقول لا نعرف حتّى متّى يستمر هذا الصمت المريب من قبل الجماعة وهل يجوز للجماعة ان تقف موقف وسط بين الحق والباطل ؟.
سادساً: عند انتخاب رئيس مجلس النوّاب الحالي السيد عبد الكريم الدغمي رئيساً للمجلس، تعهّد بإعادة هيبة المجلس، وقال بأنّه لن يسمح لأحد بالتدخل في عمله إلّا بحدود الدستور، وهو العضو الذي غُيّب قسراً عن جلسة افتتاح المجلس، ولم يشفع له أنّه لم يغب عن افتتاح المجلس منذ عام 1989، فاليوم يقع عليه الرهان في أن يُنفّذ وعده باستعادة هيبة المجلس، فهو اليوم الرئيس الذي يُمسك بزمام كافّة شؤون المجلس ومفاصله، وهو العقل المدبِّر لكلّ حركة صغيرة وكبيرة فيه، ويلعب الدور الأساسي والمحوري لرسم المعالم والتوجهات العامّة والكبرى لحركة المجلس، والمجلس وفق الدستور الأردني هو محور السلطة التشريعية ومركزها، ويتمتع رئيسه بموجب النظام الداخلي بصلاحيات واختصاصات واسعة، وبالتالي فهو المعنيّ مباشرة بهيبة ومصالح وتطلعات أعضائه، والقادر على قيادتهم إلى برّ الأمان في كافّة الأوقات، وضمن أقلّ التكاليف، وعليه اليوم واجب ومسؤولية وضع حدٍّ للضعف الملحوظ في أداء أهم مؤسسة تشريعية في البلد، وأن يُحدث تحوّلاً حقيقياً في أداء البرلمان ويضع نهايةً لبرلمان "الديكور" أو مجلس "الألو"، وهيمنة المؤسسات الأمنية وتدخُّلها في الحياة البرلمانية.
سابعاً: في المحصِّلة النهائية فإنّ البرلمان الذي لا يتمتع أعضاؤه بالهيبة والحريّة والمساواة، ويقع تحت هيمنة الحكومة والأجهزة الأمنية، يفقد شرعيته وقوّته ومصداقيته ومبررات وجوده، ويصبح عبئاً على النظام السياسي، فوفق أبجديات الأنظمة السياسية؛ فإنّ النظام البرلماني يقوم على أساس التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وان ما يحتاجه الأردن في ظل هذه الظروف الصعبة ، هو برلمان قوي وحكومة فاعلة وصاحبة ولاية عامة ،وقضاء مستقل ،وصحافة حرة، ومؤسسات مجتمع مدني نشطة، وأجهزة امنية تركز طاقاتها في مجال اختصاصها للأمن وحماية الدولة ومواطنيها ، ولا تفوض نفسها صلاحيات ليست لها او خارج اطار مهامها ، وهذا ما يخدم الأردن ويحقق مصالحه ويليق بشعبه.
وختاماً: نجدد التحيّة لنواب كتلة الإصلاح، ونقدر جهودهم تحت القبة وفي الحياة العامة، ونعتقد أنّ بقاءهم في البرلمان رغم كل ما يتعرضون له، يسهم في الحفاظ على بقايا برلمان، لنظام سياسي قائم على بقايا دستور، لشعب يعيش في بقايا وطن.
الكاتب أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك وخبير دولي في دراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان