البطالة في الأردن أصبحت شبح مرعب بات يخيم على كل بيت أردني، ويهدد أمنهم واستقرارهم الاجتماعي، ونحن كأصحاب إختصاص لا بد لنا أن نوضح الحالة ونطرح بعض الحلول التي يمكن أن تجد آذان صاغية وتستفيد من هذه الأفكار، لعل َوعسى أن تفتح نوافذ كنا نعتقد أنها كانت مغلقة، كما أننا لا نرغب في أن تكون أفكار هذه المقالة كصرخة في وادٍ لا نسمع لها أو عنها إلا الصدى والذي يعود بالأسى على هذا الوطن والمواطن. ويشير هذا المقال إلى ستة عوامل رئيسية تلعب دور كبير في زيادة نسب النمو والتنمية وتقليل نسب البطالة في الأردن إن شاء الله.
.
العامل الأول والثاني يتعلقان في السياسة المالية، وأولى هذه العوامل التي يمكن أن تخفف من مشكلة البطالة إعادة النظر في العبء الضريبي سواء الضرائب المباشرة أو الغير مباشرة، صحيح أن الدولة تعتمد بشكل كبير في إيراداتها على الإيرادات الضريبية وهي تشكل ٧٠٪ من إيرادات الموازنة، ولكنها أرهقت المواطن لأنها أضعفت قدرة المواطنين على الشراء والاستهلاك، وبالتالي انخفاض الطلب الكلي والذي بدورة انعكس على النمو والإنتاج والتشغيل، وأضعفت قدرة التجار على المنافسة. في المقابل، ولتعويض ذلك، فرض ضريبة على إجمالي الثروة على الأغنياء، وذلك من أجل إعادة توزيع الثروة وتقليل الانقسام الطبقي الذي حدث في المجتمع الأردني خلال العقود الأخيرة الماضية.
.
أما العامل الثاني والمهم هو زيادة الإنفاق الرأسمالي ليعود إلى ما كان عليه بحوالي ٤٠٪، وهذا يعتبر صعب في ظل الموازنة الحالية التي تعتمد على ٩٠٪ من الإنفاق الجاري، والحل هو بإصدار صكوك سيادية عن طريق وزارة المالية وبالتعاون مع القطاع الخاص وخاصة المؤسسات المالية سواء البنوك أو غيرها، وتكون هذه الصكوك مضمونة من الحكومة، وتوجيه المبالغ المتأتية من بيع السندات نحو البلديات داخل المحافظات، من أجل عمل مشاريع إنتاجية تعمل على تنمية الاقتصاد المحلي داخل المحافظات وتساعد على إعادة بناء البنية التحتية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية وخلق العديد من الوظائف وزيادة التشغيل مما يقلل بشكل مباشر من نسب البطالة.
.
العامل الثالث هو عامل إداري استراتيجي، يتمحور حول إعادة النظر في النخب السياسية والاقتصادية التي تصدرت المشهد والموجودة حاليا، والتي أوصلت الأردن إلى هذا الحال، واعادة تقييم جميع المسؤولين تقييم موضوعي، مع إيجاد طريقة أو أسلوب واضح بالإستناد على كشف مفاضلة بنقاط محددة مثلا يساعدنا على اختيار الشخص المناسب والأكفأ في المواقع المتقدمة في الدولة أو في موقع المسؤولية، ومحاولة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فهذه مناصب تكليفية لا تشريفية، والمناصب لا تزهو بأحد وخاصة في ظل ارتفاع المديونية والفقر والبطالة.
.
العامل الرابع هو العمل على زيادة حجم الإستثمار سواء المحلي أو الأجنبي، واعادة استرجاع وضع الأردن كواجهة استثمارية متقدمة في المنطقة، وهذه مسؤولية هيئة الإستثمار والمنتدى الاستراتيجي الأردني عن طريق توحيد المرجعية وأتمتة التعاملات والابتعاد عن المزاجية والبيروقراطية، وتأمين بنية تحتية بأسعار تفضيلية للمستثمرين ليتسنى لهم إنتاج سلع وتقديم خدمات أكثر تنافسية وتحقيق أرباح معتدلة، وبالتالي زيادة التوظيف والتشغيل، والى جانب ذلك يأتي دور السياسة النقدية كمعزز للاستثمار من خلال توجيه القروض بمعدلات فائدة قليلة نسبيا نحو القطاعات الإنتاجية وخاصة قطاعي الزراعة والصناعة.
.
ويأتي العامل الخامس كعامل ضابط والمتمثل في تطبيق الحوكمة للتحكم في المسارات المالية و الإدارية والاستثمارية والتي ترتكز على الوازع الداخلي في خدمة وحب الوطن وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وتعميق دور الرقابة الخارجية على المسؤولين لما له الأثر الإيجابي من تقليل نسب الفساد وزيادة الشفافية، فقد لاحظنا في العقود الأخيرة أن مكانة الأردن قد تراجعت، فبناء على تصنيف مؤشر الفساد العالمي للدول الذي يقيس مستوى الشفافية، نلاحظ أن الأردن تراجع تصنيفه من بين دول العالم من تصنيف ٣٠ إلى ٦٠ على مستوى ١٨٠ دولة، بمعنى أن مؤشر الفساد في الأردن ارتفع في العقود الأخيرة الماضية، وهذا نتيجة تراجع الحوكمة في الأردن.
.
وأخيرا، محاولة التعاون والتكامل مع الدول العربية المجاورة، وإعادة فتح الحدود والإسراع في تنفيذ الاتفاقيات التي تمت في القمة الثلاثية ما بين العراق والأردن ومصر، وعلى رأس هذه الاتفاقيات اتفاقية الطاقة التي تقوم على تبادل الربط الكهربائي، وتبادل النفط مقابل اعمار العراق، وهذا يتطلب منا وعي وعمل للسير قدما نحو تنفيذ هذه الاتفاقيات بالسرعة الممكنة، والتركيز على العوامل السابقة المذكورة والتي تلعب دور كبير في زيادة نسب النمو الاقتصادي، للتقليل من نسب التضخم في الأردن، ونحقق نسب تشغيل وتوظيف عادلة تحفظ موقع الأردن و تحفظ كرامة المواطن الأردني.