أن تتزايد حالات الوفيات في المستشفيات الحكومية والخاصة خلال الأسبوعين الماضيين أمر يجب أن لا يمر بسهولة دون تحديد أسباب هذا الاهمال المباشر منها وغير المباشر على حد سواء، وضرورة معالجة عدم تكرارها بحزم وسرعة، ومساءلة كل مقصّر بذلك نتيجة عدم الاكتراث أو نتيجة أسباب أخرى لا يتحمل مسؤوليتها الكادر الطبي وحده، وأعتقد هنا أن حدوث هذه الأخطاء يعود إلى الأسباب التالية:
أولا: ضغط المراجعين الكبير على المستشفيات وخصوصا أقسام الطواريء فلا يعقل أن يراجع طبيب الطواريء ما يزيد على مئتي مراجع يوميا، وهذا الأمر ليس بمقدور الطبيب المناوب أن يتابع هذا الكم الهائل من حالات مرضية متعددة، وخصوصا أن معظم الأطباء الذين يداومون في هذه الأقسام هم أطباء عامون أو مقيمون، وأن عددا كبيرا منهم ليس مدربا التدريب الكافي للتعامل مع هذه الحالات حيث أن تدريب طلبة الامتياز قبل التعيين لم يخضع بشكل جيد من حيث متابعة ومراقبة الدوام والتدريب الجيد من قبل ادارة المستشفيات التي يتدربوت فيها.
ثانيا: إن مستوى أطباء متفاوت بسبب تفاوت المدخلات لدخول كليات الطب خارج المملكة فيما يتعلق بمعدل الثانوية العامة مما يتطلب ضرورة شرط معدل لا يقل عن 85% أسوة بالجامعات الأردنية، حيث أن أعدادا كبيرة تم تعيينها تخرجت من جامعات ليست بالمستوى المطلوب، وهذا الأمر معروف لدى القاصي والداني، فيكون المراجع المريض حقل تجارب لدى هولاء، الأمر الذي يجب على وزارة الصحة وديوان الخدمة المدنية أن يصنف الأطباء الى فئات حسب معدل الثانوية العامة والجامعة التي تخرج منها، وأن يكون هناك أسس مفاضلة حقيقية للمهن الطبية جميعها ليست مرتبطة بتاريخ تقديم الطلب الى ديوان الخدمة المدنية أو تاريخ التخرج في الجامعة كما هو متبع حاليا.
ثالثا: زيادة تعيين الكوادر الطبية وتأهيلها وتدريبها بشكل يجعلها قادرة على تقديم الرعاية الطبية، مع مراعاة عدم السماح للطبيب بالدوام بشكل متواصل أكثر من ثماني ساعات، ومعالجة عدد معقول من المرضى، لأن الارهاق الجسدي والتعب المتواصل ينعكس دون ادنى شك على مستوى الخدمة، وقد يهدد حياة المريض بالخطر.
رابعا: أن يكون هناك تواجد مستمر لأطباء الاختصاص كافة وبالتناوب وعلى مدار الساعة، وليس المناوبة عبر الهاتف وطبيب الاختصاص في البيت، ووجود عدد كاف من الكوادر الطبية الأخرى المساندة لتلافي حدوث وفيات بسبب تأخر وصول الاخصائيين وعدم وجود كادر كاف وخصوصا في فترات المساء التي لا يتواجد فيها الأخصائيون في المستشفى.
خامسا: أقترح أن يتم رفع المخصصات المالية لوزارة الصحة من خلال نقل بنود أخرى من الموازنة الى موازنة وزارة الصحة لتتمكن من زيادة رفد كوادرها الطبية وما يلزمها من مستلزمات ترتقي بمستوى تقديم الخدمة، لأن حياة الإنسان تتقدم على الخدمات الأخرى مهما كانت.
سادسا: ضرورة الاهتمام بوضع خطة طواريء مدروسة في كل مستشفى ويوجد آلية ربط الكتروني فيما بين المستشفيات للتعاون فيما بينها لتكون المنظومة الطبية تعمل بنسق واحد وفعّال وسريع للتعامل مع الحالات الشديدة الخطورة.
سابعا: تفعيل قانون المساءلة الطبية والأخلاقية تجاه الكوادر الطبية جميعها وليس الأطباء وحدهم، ورصد تكرار الاخطاء الطبية والفنية من قبل العاملين في المستشفيات.
ثامنا: تكريس الرقابة على عمل المستشفيات وتقييم أدائها حقيقة وواقعا وليس ورقيا ومساءلتها من قبل الجهات المسؤولة كالادعاء العام في حال حدوث اخطاء طبية.
عاشرا: إن مجلس الوزراء وخصوصا معالي وزير الصحة مسؤولون بحكم ولايتهم عن كل ما يحدث وضرورة توفير بنية تحتية وفوقية و بيئة طبية ملائمة ومتوازنة لطرفي المعادلة الطاقم الطبي والمريض.
وبعد، فإن حياة الانسان هي أمانة في أعناقنا ومن حق المواطن أن يلقى الرعاية الطبية المناسبة، وأن كلف ذلك ما يكلف، ولما لا تكن موازنة العام القادم موجهة نحو دعم القطاع الصحي بشكل كبير واعطائه أولوية قصوى وأن أزمة كوروتا التي مر بها العالم وبلدنا ماهي ببعيدة وما زلنا نعيش ارتداداتها وانعكاساتها التي كلفتنا الكثير الكثير الامر الذي يتطلب تحقيق أمن صحي متكامل "رب أجعل هذا البلد آمنا".
• استاذ جامعي وكاتب/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
• عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعة العلوم والتكنولوجيا وجامعة اليرموك
• رئبس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا