عندما ينبه الملك عبدالله الثاني، إلى خطر قادم، معروف محدد، هنا تكمن طبيعة وندرة شخصية الملك الهاشمي الحريص على حماية القدس وأوقافها وحياة أهلها، مثلما ذات الحرص الملكي على عمّان أو أي مدينة أخرى، لأن ذلك هو ميراث الوصاية الهاشمية، يعلي شأنها الملك، وهو يؤكد، بفكر ووعي أممي أهمية دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في تحريك عملية السلام.
وفي تحريك عملية السلام، تحريك الرؤية العربية–الدولية لعودة المفاوضات العربية الإسرائيلية، والإسرائيلية الفلسطينية، سعيا للاستقرار وإعادة الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية.
لقاء الملك عبدالله الثاني مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، محطة سياسية وحضارية وأممية ذكية، فالعالم ينظر إلى احتفاء الأمم المتحدة بمرور 75 عاما على تأسيسها، لهذا أشاد الملك بالدور القوى للدبلوماسية والقوة الأممية التي تدعم جهود تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
في نقطة صراع جيوسياسي وحالة استيطان واحتلال، تقع القضية الفلسطينية داخل فكي كماشة يهودية صهيونية، لا تنظر إلى الأمم المتحدة ومنظماتها وهيئاتها باحترام، لهذا يقف الملك الهاشمي، يحاور قادة الأمم المتحدة، بروح من موروث الحوار والفكر الهاشمي، لهذا–وبرغم أحداث القدس المؤسفة، واقتحام الصهاينة داخل المسجد الأقصى المبارك، إلا أن جلالته، أبدع سيادة لمنطق الحوار ولغة الدبلوماسية وعزز من أهمية دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في تحريك عملية السلام، وإعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبما يفضي إلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين.
إلى ذلك، يثار سؤال مهم:
ماذا بعد لقاء الملك وجوتيريس؟ وهو اللقاء الذي تزامن مع إجراءات وخروقات وعمليات تهويد لفلول الصهاينة والمستوطنين الإسرائيليين، عدا عن دعم الجيش والأمن وأفراد من عصابات يهودية متطرفة.. فهل تنتبه الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وأمين عام الأمم المتحدة، إلى مسارات «الخطر الصهيوني"؟ الذي يريد العودة لكي ينسف عملية السلام، بهدف المزيد من الاستيطان، وتهويد القدس والحرم القدسي، وبالتالي خلق حالة من التصعيد مع المملكة الأردنية الهاشمية، التي تمثل الدولة التي تصون وتعمل تنفيذا على حماية الوصاية الهاشمية على أوقاف بيت المقدس والقدس، المسيحية منها والإسلامية، عدا عن أن جلالة الملك الوصي الحارس الأمين والناهض بتحمل مسؤولية صون الوصاية الهاشمية، أباً عن جد، وهم الملوك الذين حموا المقدسات الحضارية والإنسانية والدينيّة عبر أكثر من 70 عاما، وإلى اليوم.
الوصاية الهاشمية، حقيقة أردنية هاشمية، ولها بعدها الحضاري والعربي والإسلامي والدولي، ذلك أن شخصية وفكر وعقلانية وقيادة الملك، عالجت الأزمة بقوة وثقة وتوافق فلسطيني-أردني، واحترام وتوصية دائمة من المؤسسات والمنظمات الدولية والعربية والإسلامية والاقليمية، دعما للحق الفلسطيني ومنعا لتهويد القدس، عاصمة فلسطين والدولة الفلسطينية المأمولة.
في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فرصة للنظر في طبيعة السؤال وعلى ضرورة اضطلاع المجتمع الدولي (قادة الدول ورؤساء لجان وهيئات المؤسسة الأممية الأولى) بمسؤولياتهم تجاه ما يحدث على أرض الواقع، وهي ممارسات زادت وتوسعت مع بدء لقاءات الأمين العام للأمم المتحدة مع قادة العالم.
بالطبع كان اللقاء مع الملك عبدالله الثاني مهما لتقديم رؤية هاشمية، عن واقع اللاجئين والدول المستضيفة لهم خاصة اللاجئين الفلسطينيين، لتخفيف الأعباء الاقتصادية عليهم وتمكين تلك الدول من الاستمرار بتقديم الخدمات الأساسية لهم، في ظل تصعيد لا ينتهي بين دولة الاحتلال الصهيوني والأهالي العزل والمدن المعزولة التي تعيش حالة اقتصادية وصحية صعبة.
الملك، يقرأ ما بعد لقاء جلالته المهم مع الأمين العام، ففي أجندته قراءات وعمل لجان وصناديق دولية، تؤكد أهمية مواصلة الجهود لدعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».
يحرص الملك على دراية سياسية تترك باب الحوار والتواصل مواربا، لدعم مساعي الأردن ودول المنطقة والعالم للتوصل لحلول سياسية لأزمات المنطقة، إضافة إلى الجهود الإقليمية والدولية في الحرب على الإرهاب، وفق نهج شمولي–دولي، برعاية الدول الكبرى في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، وهي كيانات ترقب ما يحدث في القدس من استفزاز يقابله اجتماعات أمنية بهدف تكريس الأمن والسلام.
علينا أن نضع هيئات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وننبهها، إلى انتهاكات إسرائيل، وتشويه صورة الأمم المتحدة من خلال الممارسات الصهيونية الخطيرة التي حملتها الدعوات التي أطلقها ما يسمى «اتحاد منظمات الهيكل»، لتنظيم اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى وباحاته عشية عيد «يوم الغفران» اليهودي، الذي يصادف اليوم الخميس.
هناك في الأفق، الخطر الصهيوني القادم، الساعي لإثارة التصعيد بين الصهاينة وقوى الجيش الاسرائيلي والتنظيمات والشارع الفلسطيني، وما يجري، في ظل اجتماعات الأمم المتحدة، من اقتحامات، وتخريب داخل المسجد الأقصى وأداء الطقوس التلمودية والصلوات داخل باحاته، لهو من نتائج عنجهية إسرائيلية وتداعيات هذا العدوان المتواصل على المسجد والإصرار على تغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم ليس فقط في المسجد، إنما في عموم القدس المحتلة وبلدتها القديمة وأحيائها كافة، ما يضر بما يدعو اليه جلالة الملك من دعوة للحوار، وصون الوصاية الهاشمية وعودة جادة لطاولة الحوار والمفاوضات التي يريدها العالم بكل ثقة، إلا الثقة بالدولة الإسرائيلية القمعية.
العالم، عبر نيويورك، ينظر إلى قضايا أمنية كبرى، ويريد في ذات الوقت حلولا لكل قضايا الصراع، والأمم المتحدة، خصوصا بعد لقاء الملك جوتيريس، تدرك أن القدس ومقدساتها ومسجدها الأقصى مفتاح الحرب والسلام في المنطقة برمتها، وان الإجراءات والتدابير الاحتلالية تشكل خطرا كبيرا على فرص تحقيق السلام على أساس مبدأ حل الدولتين، وعلى أية جهود قد تبذل لإطلاق مفاوضات جدية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأعربت الخارجية الفلسطينية عن إدانتها الشديدة لصمت المجتمع الدولي على تلك الاقتحامات والتعامل معها كأمر واقع ومألوف يتكرر كل يوم، في «تجاهل مريب» لمخاطرها على الأمن والاستقرار في ساحة الصراع.
وأشارت الى أنها تواصل تنسيق تحركها السياسي والدبلوماسي على المستويات كافة مع وزارة الخارجية الأردنية لتعزيز الحراك العربي الإسلامي على المستوى الدولي لتعميق وتوسيع الجبهة الدولية الرافضة لانتهاكات وممارسات الاحتلال ضد المسجد الأقصى، وتحويل المواقف والقرارات العربية والإسلامية والأممية إلى أفعال وآليات عملية لحماية المسجد الأقصى، مع بدء أعمال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
يخوض جلالة الملك داخل أروقة الأمم المتحدة جهادا هاشميا، لغته الحوار، ثم الحوار، ومنطق إدارة الازمة، وفق الرؤية الهاشمية، ودائما يعيد الملك موروث العمل والتأسيس الهاشمي في القدس، جهود ونظرة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه، عندما انتبه وحذر العالم من المخططات الصهيونية، فأسس هيئة إعمار الاقصى مبكرا، التي تولت إعمار المسجد وترميمه والحفاظ عليه، وتعيين حراس يتولون حمايته من عبث وعدوان المستوطنين الحاقدين.
وعلى خطاه، يسير جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي أوعز بتقديم كل دعم ومساندة للأهل في القدس، وللهيئة المشرفة على الأماكن المقدسة الاسلامية وإعادة منبر صلاح الدين بعد ما جرى تصميمه على نفقته الخاصة والتصدي لمحاولات العدو الخبيثة في «اليونسكو» التي أخذت أخيرا بمقترحات الأردن وتوصياته بصفته الدولة المسؤولة عن رعاية المسجد الأقصى، بما في ذلك الإعمار والحماية الهاشمية.
غني عن القول إن هناك هيئات ومنظمات دولية تسعى أمام الجمعية العمومية، لتكريس الأبعاد الدولية والأمنية لدلالة وأهمية الوصاية الهاشمية على القدس والأقصى، وهذا جوهر حماية إقليمية دولية، وهو في ذات الوقت اعتراف يحمي من العنجهية الصهيونية، ويعلي الثقة بدور الهاشميين الحضاري في الدفاع عن القدس والأقصى، وتفويض سياسي أممي، يقدره الملك عبدالله الثاني.
علينا في الأردن الهاشمي، التعاون والحوار والعمل المشترك، وأمام اجتماعات نيويورك، تعزيز روح الشراكة مع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز والاتحاد الأفريقي، وكذلك مع مجموعات وهيئات المجتمع المدني، التي تؤمن بأن الرؤية الهاشمية تعني الأمن والسلام والجمال وأن القدس مدينةٌ مقدسة لسائر البشرية، ويجب أن تكون دائماً رمزاً للسلام والوئام، ومفتاحاً للاستقرار والأمن، وهو أمر يدركه الأمين العام للأمم المتحدة، فلهذه المدينة وضعٌ قانوني خاص، استناداً إلى القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وأبرزها القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومنذ 4 حزيران 1967، وقَعَت القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقد دعت قرارات الشرعية الدولية، ومن بينها قرار مجلس الأمن الدولي 242، وما تلاه من قرارات أبرزها 252 و267 و446 و2334، وغيرها من قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلّتها، ومن بينها القدس، وبطلان الإجراءات الإسرائيلية الأحادية في الأراضي المحتلة، ومن بينها القدس، بما في ذلك إقامة المستوطنات وتغيير وضع مدينة القدس وطابعها.
وتندرج مسألة القدس ضمن قضايا الوضع النهائي الخمس، وفقاً لما اتُّفق عليه بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ومصيرُها يُحسم عبر المفاوضات، وبالاتفاق بين الجانبين، استناداً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
الموقف الملكي الهاشمي الأردني، ثابت يعلي من مكانة القدس الشرقية، وهي الآن أرض محتلة، السيادةُ فيها للفلسطينيين، والوصايةُ على مقدساتها الإسلامية والمسيحية هاشمية، يتولّاها الملك عبدالله الثاني، ومسؤوليةُ حماية المدينة مسؤوليةٌ دولية وفقاً لالتزامات الدول بحسب القانون الدولي والقرارات الدولية.
الأمم المتحدة، تراقب أداء الأردن، وتقدر عاليا شخصية وجهود وفكر الملك عبدالله الذي يرى في عملية السلام فرصة ثمينة للاستقرار ومنع الأزمات والحروب.