تحدى الملك عبدالله الثاني الوقت وحدد، فكرياً وسياسياً، طبيعة الرؤية العربية-الدولية، التي تتوافق مع ما تحمله المؤشرات الدولية المتباينة حول العالم، وخصوصا في دول المنطقة وجوارها وأحلافها المتصارعة، ما يجعلها تترك آثارها على مستقبل المنطقة والشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع الدقيق سياسيا وإنسانيا واقتصاديا في فلسطين المحتلة وسوريا والعراق ولبنان، عدا عن أزمات دولية، تتسارع منفتحة على المجهول؛ ذلك أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان، واستيلاء حركة طالبان على كل البلاد، خنق العالم، ترقبا لمسارات إقليمية ودولية تتجه نحو الخطر القادم في ظل ثلاث أزمات تؤثر على منطقتنا:
- الأزمة الأفغانية.
- تداعيات تفشي فيروس كورونا.
- الحكومة الإسرائيلية ورئيسها الجديد، وسبل معالجة «بينت» للقضية الفلسطينية والاستمرار في الاستيطان والتهويد، والتدخل في الأزمة السورية واللبنانية والإيرانية.
عربيا وأمميا، ووسط اهتمام من الرئيس الأميركي جو بايدن، بدأ هذا الاهتمام خلال الزيارة التاريخية التي تمت بقمة الرئيس بايدن-الملك عبدالله الثاني، كأول زعيم عربي إسلامي، وأول زعيم شرق أوسطي، يقابل الرئيس الأميركي وأقطاب الإدارة الأميركية.. من هنا (نقطة محورية أساسية) جاءت القمة الثلاثية بالقاهرة (الخميس الماضي)، التي جمعت جلالة الملك الهاشمي والرئيس المصري والرئيس الفلسطيني، لتضع حقيقة مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي، والفلسطيني تحديدا، أمام القوى الدولية المعنية بالأمن والسلم، وآفاق السلام في دول النزاع.
تؤكد نتائج القمة، التي تمهد لقمم متتالية خلال الأشهر القادمة، أن السلام العادل والشامل والدائم يشكل خيارا استراتيجيا للمرحلة القادمة، من مقترحات إعادة المفاوضات بين العرب وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وإسرائيل، عدا عن آليات المتابعة السياسية المستقبلية التي قد تعلن خلال شتاء العام ٢٠٢٢
اجتهد جلالة الملك لبيان الفكر والرؤية الهاشمية التي تعد من ثوابت العائلة الهاشمية والدولة الأردنية، حول الدور الأردني القومي والوطني، ما جعل الملك يتابع الحوار والجدول مع ما يخص المقترحات العربية والإسلامية التي سيتم نقل خلاصتها إلى الإدارة الأميركية، وتحديدا نتائج القمة الثلاثية بالقاهرة.
ما حققته القمة الثلاثية، إصرار الأردن ومصر والسلطة الوطنية الفلسطينية، على رؤية الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، القائمة على مركزية القضية الفلسطينية، وتكريس العمل المشترك باعتبارها القضية العربية الأولى.
تأكيدا على ذلك، برزت أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، والتشديد على حق الملك الهاشمي عبدالله الثاني «الوصي»، استنادا إلى موروث الأسرة الهاشمية التي حمت القدس ومقدساتها وأوقافها منذ عشرات السنين وإلى اليوم.
القمة الثلاثية حددت مؤشرا سياسيا، أمام العالم والولايات المتحدة بالخصوص، يحيلنا إلى دور مصر والأردن، كمتزامن مترافق، مع كل ما يؤدي الى الاستمرار في العمل على تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني.
القمة الثلاثية، وبتوافق القادة، وضعت ما شكّل (الإطار العام لبيان ختامي) تقني، يستشرف طبيعة رؤى المستقبل الذي ستؤول إليه: «القضية الفلسطينية وانطلاقاً من الإرادة المشتركة لتكثيف مستوى التنسيق المستمر بين الملك والرئيس المصري، والرئيس الفلسطيني إزاء المستجدات والتحديات التي تواجه مرحلة استراتيجية في الصراع الذي جعل القضية الفلسطينية، تدخل عقدها الثامن، دون حلول دولية للحقوق الفلسطينية وتباين فترات الصراع بين حروب ومفاوضات وسعياً لتحقيق أمنيات وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وآماله وطموحاته»، يستمر حرص جلالة الملك في دعوة العالم فكريا وسياسيا إلى تشارك في تحقيق رؤية قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش.
بيان القمة الثلاثية عزز ما دعا إليه الملك عبدالله الثاني وبالتوافق مع سياسة الرئيس السيسي لأخذ زمام المبادرة سياسيا وإنسانيا وأمنيا، ما يمهد لدور مرتقب للدول الثلاثة، التي حققت «علاقة استراتيجية» بعيدة المدى مع الولايات المتحدة والرئيس بايدن، للدعوة مع الولايات المتحدة والدول المعنية في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، وبالتالي إسرائيل، لعقد مؤتمر دولي أممي للسلام، يضمن عودة جادة المفاوضات بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، وفق القرارات الدولية والعربية، ومصالح الدول الثلاث تحديدا، يحفظ الحقوق الفلسطينية ويدعم الحقوق العربية المجاورة لفلسطين، بحسب قرارات الشرعية الدولية.
البيان في قراءات متأنية، أفرز عدة ركائز جوهرية لاستشراف مستقبل الصراع وأثره على الواقع في فلسطين المحتلة، ويرسم خطة تتكامل عربيا ودوليا.
الركيزة الأولى:
مركزية القضية الفلسطينية، القضية العربية الأولى، وعلى مواقف مصر والأردن الثابتة في دعم الشعب الفلسطيني الشقيق وحقوقه العادلة والمشروعة، وفي مقدمها حقه في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية.
يعني ذلك إشارات وتنبيهات حاسمة لأي وسيط أو مفاوض أو مبعوث دولي، بأن هناك ثوابت للعملية السياسية المنشودة.
الركيزة الثانية:
تناولت القمة الاتصالات والتحركات الأخيرة التي قامت بها البلدان الثلاثة على المستويين الإقليمي والدولي، وبخاصة تلك المستهدفة إيجاد أفق سياسي حقيقي لإعادة الجهود الفاعلة لحل الصراع على أساس حل الدولتين، سبيلاً وحيداً لتحقيق السلام الشامل والعادل، وأكد القادة أن هذا السلام العادل والشامل والدائم يشكل خياراً استراتيجياً وضرورة للأمن والسلم الإقليميين والدوليين يجب أن تتكاتف جميع الجهود لتحقيقه.
وذلك، يأتي وسط عالم يقف على صفيح ساخن، يحتاج إلى دول وقوى إقليمية تعمل من أجل الحقوق والسلام.
الركيزة الثالثة:
وجه القادة المسؤولون في الدول الثلاث للعمل معا من أجل بلورة تصور لتفعيل الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، والعمل مع الأشقاء والشركاء لإحياء عملية السلام، وفقاً للمرجعيات المعتمدة.
تنحاز هذه الدعوة إلى أفق سيادي تحميه إرادة الزعماء، لتمكين الدبلوماسية المشتركة بين الأردن ومصر وفلسطين، من تأكيد الجهود المتواصلة مع دول وهيئات ومنظمات العالم، بما في ذلك وضع مقترحات ومبادرات السلام المختلفة قيد البحث والمراجعة والتفاعل مع تجديدها.
الركيزة الرابعة:
رفض كل الإجراءات الإسرائيلية «اللاشرعية» التي تقوض حل الدولتين وتهدد فرص تحقيق السلام في المنطقة بما فيها بناء المستوطنات وتوسعتها في الضفة الغربية المحتلة وبما فيها القدس الشرقية ومصادرة الأراضي وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، وشددوا في هذا السياق على ضرورة احترام حق أهالي الشيخ جراح في بيوتهم.
وهذا الأمر والتنبيه يرتكز على مؤشرات أن دولنا تستطيع مواجهة العدو الصهيوني وكشف محاولات التهويد، وهذا أمر يحتاج إلى تكاتف، ودعم الإعلام العربي والوطني والدولي.
الركيزة الخامسة:
ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية ورفض جميع الممارسات التي تستهدف المساس بهذا الوضع، كما أكدوا أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس ودورها في حماية هذه المقدسات وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية.
منذ سنوات نكبة فلسطين ١٩٤٨ وإلى اليوم، ما زالت قضية القدس، قضية محورية أساسية في طبيعة الصراح، وذلك موثق، مبرز دوليا وعربيا واسلاميا، ووضع القدس يحتاج إلى تحريك ضمن مفاوضات الوضع النهائي.
الركيزة السادسة:
ناقش القادة مستجدات الموقف السياسي والميداني في الأراضي الفلسطينية عقب التصعيد الأخير في أيار2021 وأكدوا ضرورة وقف الممارسات التي أدت لهذا التصعيد في القدس الشرقية أو في المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، وشددوا على ضرورة العمل على الحفاظ على التهدئة بصورة شاملة.
وبدولة الاحتلال الإسرائيلي، دولة عسكرية قمعية، وهي من يقود العمليات المنظمة لغايات التهويد وزيادة المستوطنات.
الركيزة السابعة:
تثمين الجهود التي تبذلها جمهورية مصر العربية لتثبيت التهدئة وإعادة الإعمار في قطاع غزة، ودعوة المجتمع الدولي لبذل جهوده لتخفيف الأزمة الإنسانية في القطاع، من خلال المشاركة في جهود الإعمار وحث إسرائيل على التجاوب مع الاحتياجات الأساسية والإنسانية لأهل القطاع، اتساقا مع مسؤولياتها وفقا للقانون الدولي.
كانت مصر وما زالت تعمد إلى توازنات، واستحقاقات دولية، عربية، أمنية، ما يعزز الحفاظ على الكيان الإنساني الصامد في غزة المنكوبة.
الركيزة الثامنة:
أهمية الاستمرار في العمل على تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، والتشاور حول الأفكار المطروحة في هذا السياق، وتأكيد أهمية تجاوب جميع الأطراف الفلسطينية مع الجهود التي تبذلها مصر وإعلاء المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
وهذا طرح ضروري، يرتكز إلى حساسية وطبيعة الواقع المعاش في داخل فلسطين المحتلة، ومدى ارتباط التنظيمات الفلسطينية مع السلطة والمجتمع الفلسطيني، عدا عن علاقة ذلك إنسانيا وصحيا وسياسيا مع المجتمع الإسرائيلي الذي هو مجتمع تحميه إسرائيل بشتى الطرق اللاقانونية واللاشرعية.
الركيزة التاسعة:
أهمية استمرار المجتمع الدولي في دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وضرورة توفير الدعم المالي الذي تحتاجه للحفاظ على قدرتها في تقديم الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين وفق تكليفها الأممي.
ومنذ تأسيس الأونروا، وهي تعمل في هذا الاتجاه، إلا أن أزمات وحروب وصراعات العالم، وبعض الضغوط من الدول الحليفة للمشروع الإسرائيلي تحاول سحب وتقليل مدفوعاتها ومساهماتها لصناديق هذه المنظمة، التي تعالج متطلبات داخل فلسطين والمخيمات الفلسطينية في عدة دول.
الركيزة العاشرة:
عقد القمة القادمة في المملكة الأردنية الهاشمية في وقت يحدد لاحقاً.
تتنبأ هذه الركيزة بمسار ما قد ينشأ عربيا، أميركيا، إسرائيليا، من تجاذبات ورهانات على مستقبل المفاوضات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي، وما قد يحدث من أحداث ومتغيرات جوهرية، فالتأسيس لديمومة العمل السياسي ودعمه من القادة، بحيث تستمر مراجعة تطورات هذا الشأن كلما استدعى الواقع ذلك.
القمة الثلاثية ثمنت فكر واخلاص الملك عبدالله الثاني لقضية الأمة المركزية، وهذا أمر يجعل القضية الفلسطينية، منظورة، متابعة من المجتمع الدولي والاممي، وما أفرزه بيان القمة، وبالتالي نقل ركائزه، يضع أمام الولايات المتحدة والعالم، حيثيات أساسية لإعادة إطلاق عملية السلام وتدشين مرحلة جديدة في العلاقات الفلسطينية–الإسرائيلية، إذ ستكون هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها، الدول الثلاث، و«إسرائيل»، الالتزام بمسار يحقق إجراء المفاوضات، بظل موافقة وتوسط الإدارة الأميركية، ومن خلال إطار دولي، أممي، هدفه المعلن حل الدولتين، ما يعني الإفصاح عن التزام إسرائيلي بقيام دولة فلسطينية وفق برنامج زمني محدد، كما أن مشاركة الولايات المتحدة، في ظل وضع عالمي متباين، متصارع، هو تعبير جاد عن التزام الرئيس الأميركي شخصيا بدعم عملية السلام بكل نتائجها المنشودة، وهنا سر استراتيجية وفكر الملك بأن لا استحالة في متابعة الرؤية الهاشمية العربية نحو السلام والأمن وعودة الحقوق.