واضح أن حركة طالبان الأفغانية التي كانت توسم بالإرهاب، وما زالت إلى يومنا هذا، تعلمت الدروس الكثيرة في فن القتال والسياسة والتفاوض..
اليوم نرى طالبان كحركة ثورية مقاومة طردت الغزاة من بلادها بعد عشرين عاماً من قتال متواصل لم يتوقف، تبعه في السنوات الأخيرة معركة دبلوماسية مع الأميركيين الذي اعترفوا بأن أفغانستان هي «مقبرة الإمبراطوريات» في إعلان واضح للهزيمة.
ماذا كانت تفعل الولايات المتحدة في طالبان لمدة عشرين عاماً، هل حقاً زرعت التنمية والرخاء والرفاهية لهذا البلد الذي طحنته الحروب منذ عشرات السنين؟، ماذا قدمت أميركا للشعب الأفغاني خلال هذه الفترة غير الفقر والتأخر عن ركب الحضارة ومصادرة ثروات البلاد والعباد والتحكم بمستقبل الدولة وادارتها؟
فقد استطاعت طالبان أن تنهي الدولة الأفغانية الأميركية التي أسسها الاحتلال في 11 يوماً، لأنها بنيت على الباطل والظلم والاستبداد والقهر والمحاباة.
الاحتلال بشع وإن غطته الورود والوعود الخدّاعة الكذابة، فنهايته إلى مزبلة التاريخ، وظلم الشعوب لن يدوم والشواهد كثيرة في التاريخ.
الآن، تسعى «طالبان» إلى بث التطمينات للعالم ودول المنطقة، ويبدو أن تفاهمات تمت مع روسيا والصين، وفتحت خطوطاً مع الإيرانيين، فيما خطها مستمر مع الأميركيين، فطالبان اليوم ليست طالبان 2001 التي احتضنت أسامة بن لادن.
هذا الواضح لغاية اللحظة، ولكن ما يدور في الكواليس وما دُبّر في ليل، سيظهر مع قادم الأيام، فالسيناريوهات كثيرة، والتحليلات أكثر، إلا أن أوضحها حتى اللحظة أن أميركا أُرهقت وهُزمت في أفغانستان وأن «طالبان» التي أعلن جورج بوش الابن أنها هزمت إلى الأبد عادت مجدداً تحكم أفغانستان بكل قوة.
العالم الإسلامي أمام ولادة دولة تتخذ من الشريعة الاسلامية منهجاً في الحكم وادارة الدولة، بطريقة قد تكون فريدة من نوعها في العصر الحديث، قد تتخذ طابع الإمارة والمبادئ الإسلامية في إدارة الدولة داخلياً وخارجياً، فهي ستكون نموذجاً مختلفا في العالم الإسلامي السني، وأن رأينا شبيهاً لها في إيران إلا أنها تتبع المذهب الشيعي.
هناك من يرى أن حركة طالبان لن تُترك دون تدخل في شؤون أفغانستان سواء من دول الجوار أو العالم الغربي، معتقدين أن الولايات المتحدة ستعمد إلى إشاعة الفوضى وإثارة القلاقل سواء بتكوين جماعات إرهابية فيها مثل تنظيم داعش أو إعادة إحياء القاعدة، وتوجيه بوصلتها نحو دول الجوار خاصة روسيا والصين وإيران.
إلا أن هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً وإن كان يحقق طموح المحتل، فقد كانت تلك الدول سبّاقة في عقد الصفقات والاتفاقيات مع الدولة الافغانية الوليدة بقيادة طالبان.
الأيام أو الشهور المقبلة، كفيلة بالإجابة على تساؤلات كثيرة، وستكشف المخططات الأميركية التي أبرمت سراً، وتوجهات حركة طالبان وآليات في الحكم والتعامل مع دول الجوار والعالم الإسلامي.