بناء على تقرير منتدى الاستراتيجيات الأردني الصادر في تموز من عام ٢٠٢١ عن الاقتصاد الأردني للعام ٢٠٢٠، حيث يشير الى أن عدد الشركات حديثة التأسيس قد انخفض من ٧ٰ٠٦١ شركة في عام ٢٠١٦ واستمر عدد الشركات بالانخفاض إلى أن وصلت الى ٤١٣٤ شركة في عام ٢٠٢٠، أي انخفض عدد الشركات حديثة التأسيس خلال آخر ٥ سنوات بما يقارب ٤٠٪. أما بالنسبة إلى الشركات المدرجة في بورصة عمان، نلاحظ أن عددها قد انخفض من ٢٢٧ إلى ١٧٤ شركة خلال نفس الفترة السابقة.
نعم جائحة كورونا ضغطت على المستثمرين وزادت من مخاوفهم، وأثرت على حجم الاستثمار ليس فقط في الأردن إنما أيضا في كل دول العالم، بنسب مختلفة، ولكن التراجع في حجم الإستثمار في الأردن بدأ قبل فترة الجائحة، حيث نلاحظ كما أسلفنا سابقا أن الاستثمار وعدد الشركات سواء الشركات حديثة التأسيس أو الشركات المدرجة في بورصة عمان قد انخفض عددها في آخر ٥ سنوات، وهذا يضعنا أمام تساؤل كبير، ما هي التحديات التي تواجه البيئة الاستثمارية الأردنية؟ بالرغم أن الأردن لديه مقومات استثمارية مميزة تتمثل بالاستقرار السياسي على عكس الدول الذي حصل فيها حروب وثورات، وموقع جغرافي يربط ويسهل عملية الاستيراد والتصدير بين الدول، وطقس معتدل وجميل على عكس دول الخليج ذات الحرارة المرتفعة ومعدلات الرطوبة العالية، كما أن المجتمع الأردني يتميز بأنه مجتمع متجانس متحاب في عاداته وتقاليده كما أنه مؤهل علميا وعمليا بعكس بعض الدول التي تعاني من الطائفية.
جواب هذا التساؤل المتعلق في التحديات التي تواجه البيئة الاستثمارية مرتبط في مؤشر تصنيف الفساد العالمي الذي يضم ١٨٠ دولة والصادر عن منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية والذي يصنف الدول منذ عام ١٩٩٥، وهو مؤشر يصنف الدول حسب مستويات الفساد في القطاع العام ومدى استغلال المنصب لتحقيق مكاسب خاصة، معتمدين في بناء هذا المؤشر على تقييمات الخبراء، واستطلاعات الرأي، نجد أن الأردن عربيا قد تراجع دوره الاستثماري إلى المرتبة الخامسة وتقدمت دول خليجية وهي الإمارات وقطر وعُمان والسعودية لتصبح هذه الدول مناطق جذب للاستثمارات في الشرق الأوسط، أما عالميا فقد تراجع الأردن من مرتبة ٣٠ إلى ٦٠ على مستوى ١٨٠ دولة في العالم.
كما أن السياسة النقدية في الأردن اتبعت سياسة تشددية حيث بقيت أسعار الفائدة مرتفعة على مدار العقود الماضية، ونلاحظ أن ٥٠٪ من التسهيلات الائتمانية كانت دائما موجهة نحو القروض الاستهلاكية وفقط ٥٠٪ موجهة نحو قطاعات الإنتاج، وبالنظر إلى السياسة المالية في الأردن، نجد أن حجم الضرائب قفز بشكل كبير وخاصة بعد فرض ضريبة المبيعات، وزيادة ضريبة الدخل وخاصة بعد تخفيض السقوف الضريبية مما انعكس بشكل سلبي على الاستهلاك والطلب الكلي، أما الإنفاق الحكومي الرأسمالي الذي يعزز الإستثمار والبنية التحتية فهو ما زال يشكل نسبة قليلة من الإنفاق الحكومي الإجمالي، جميع العوامل السابقة ساهمت في ارتفاع مستوى التضخم المتمثل بزيادة أسعار السلع والخدمات والحاجات لتجعل من عمان أغلى مدينة عربية وفي مرتبة متقدمة بين عواصم العالم.
البيئة الاستثمارية لها متطلبات، وإذا لم تكن هذه المتطلبات موجودة في الأردن فلن يأتي المستثمر الأجنبي إلى الأردن ولن يتشجع المستثمر المحلي على الاستثمار، أولى هذه المتطلبات، تهيئة بنية تحتية اقتصادية للمستثمرين بأسعار تفضيلية مثل كهرباء وماء ومحروقات، وبنية تحتية اجتماعية مثل تأمين رسوم المدارس والجامعات وتأمين صحي ضمن خصومات مشجعة، وستعود هذه التهيئة بالفائدة على الأردن من حيث تقليل تكاليف السلع والخدمات، وبالتالي تقليل معدلات التضخم، وسيؤدي ذلك إلى زيادة الإنتاج الذي سينعكس على زيادة الصادرات، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة احتياطي الدولة من العملات الأجنبية. ثانيا، تشريع منظومة قوانين استثمارية واضحة بمرجعية واحدة، وتأخذ منحى الاستقرار، بإجراءات سهلة بعيدة عن المزاجية، ومعاملات ذات تكلفة قليلة، وإنجاز المعاملة بوقت قياسي من خلال أتمتة الإجراءات، ليشعر المستثمر بالأمان والاستقرار.
ثالثا، إصلاحات جريئة في السياسة المالية والنقدية تنهض بالاقتصاد وتساهم في زيادة الطلب الكلي والإنتاج، والتي تناولناها بالتفصيل في المقالات السابقة. رابعا، يتحمل منتدى الاستراتيجيات الأردني والمؤسسات المتعلقة في الاستثمار كهيئة الإستثمار مسؤولية التنسيق والتعاون فيما بينها لرسم خارطة طريق واضحة للجميع، ووضع استراتيجيات ونسب مستهدفة، وتحديدها ضمن فترات زمنية محددة من أجل تنمية جميع القطاعات بشكل متساوي، من خلال عقد مؤتمرات مع ذوي الكفاءات وأصحاب الإختصاص وبمشاركة القطاع الخاص للخروج بتوصيات من رحم الواقع تخدم الاستثمار والمستثمرين وتصب في مصلحة اقتصاد الوطن وكرامة المواطن.