كانت لي فرصة الالتقاء بمجموعة من الاعلاميين والناشطين من دولة الكويت بشأن التوازن الجندري، ولكم وجدت واقعنا العربي متشابه لحد التوأمة في الهم الاجتماعيّ. وبعد أن قمنا بتحليل النوع الإجتماعي وكيف يمكنه أن يساعد الاعلاميين لتخصيص أفضل المواد الاعلامية لترسيخ ثقافة التوازن الجندري في المجتمع وكيف يمكن التركيز على ابراز دور النساء في مختلف المجالات والقطاعات، لنفاجأ بهذا الدور الجسيم الملقى على عاتق النشطاء والاعلاميين في زحزحة وليس تغيير ثقافة مجتمعية مليئة بشتى انواع التنميط الجندري.
وهنا لا بد للاعلام أن يأخذ مكانته الصحيحة في بنـاء وعـي جماعـي أو ربمـا تمكيـن أفــراد المجتمــع في تغيير بعضا من العادات والتقاليد التي ترسخت منذ طفولتنا ومدارسنا في تعميق الصـورة النمطيـة والفضفاضـة للمـرأة كمـا للرجـل. ولا بد أيضا للاعلام أن يكون رفيـق دربنـا المشـارك فـي نقـل الخبـر وتحقيـق مكتسـبات للنسـاء والفتيـات ّوبالتالي يشكل أداة ضغط لسن أو تعديـل أو إلغـاء قوانيـن وعقوبـات لـم تكـن لصالحهـن مسـبقا.
ولكن القاء الضوء على الواقع والتعامل الحذر مع الأعراف والتقاليد ليس بالأمر اليسير، وفي ذات الوقت لا يمكن للمعالجة الإعلامية الإيجابية للمرأة أن تشكل ذريعة في المجتمعات العربية التي تتخذ من الدين والعادات والتقاليد كسمةً دائمةً لهويتها، فيكون من الصعب تحقيق أي تغييرٍ اجتماعي. ولا بد من الاعتراف ان الخطأ الذي وقع فيه الخطاب النسوي كان في عدم قراءة الواقع بصورة جيدة واختيار الوقت المناسب احيانا ولم تسبقه تهيئة مجتمعية. ومثالا على تلك المَطالب التي تَمثَّلَت برفع سنِّ الزواج لتقليل عدد القاصرات المتزوجات، وبشمول أبناء المرأة المتوَفَّاة بالوصية الواجبة، التي تُعطي أبناءَها الحقَّ في ميراث جدّهم، كما حقُّ أبناء الابن المتوَفَّى. وفي المقابل، يتعمد المجتمع وبعض الفئات المتشددة فكريا في شَيْطنة هذه المطالبات، واتّهامها بتحقيق أجندات خارجيّة، وبتمويل اجنبي كأسهل طريقة لمعارضة تلك الآراء. وينتقل الجدال إلى نوع من التنظير وتتم إدانة المرأة ان كانت هي المتحدثة ووضعها فى موقف دفاع غامض.
في الواقع، لا بد من الاعتراف بأن تغيرات عميقة ستحدث عندما تتحرك النساء لأخذ أماكنهن في هيئات اتخاذ القرار في مختلف الاختصاصات. وليس بالضرورة أن يُحدِث هذا انتزاعا. بل يعتمد التقدم للمجتمع على الاشتراك الكامل للمرأة في كافة ميادين النشاطات الإنسانية.
ان الأفراد والجماعات ومؤسسات المجتمع عليهم أيضا دورا هاماً. وفي الواقع لا يمكن فصل الفرد عن بيئته ولا يمكن اصلاح أحد دون الآخر إذ إن حياة الفرد الخاصة تشكل البيئة وتتأثر بها في الوقت ذاته. إن الاتجاه الهابط للتفسخ الأسري؛ الفوضى المنشرة على السوشال ميديا وانتقالها الى وسائل الاعلام التقليدية؛ وتجاوز هذه القواعد في تزايد، خاصة في الصحافة الإلكترونية التي هي غير مهيكلة أحيانا بشكل يضمن احترام المهنية والأخلاقيات داخلها، ولا زالت تستعمل زوايا متعددة للإخبار منها فيديوهات الهواة التي لا تراعي آداب المهنة ولا المهنية. وهذا كله من شأنه أن يضع النشطاء والاعلاميين أمام تساؤل مشروع، وهو كيف يمكن لنظام إجتماعي ينبغي له أن يسخِّر القدرة على التعاون والخدمة والامتياز والعدل أن يترسخ. وكيف يمكن أن تعترف السياسات والبرامج الحكومية بأن التغيير المؤسسي والاجتماعي يجب أن يرافقه أيضا تغيير في القيم الإنسانية.
وكان التساؤل طيلة أيام التدريب، لماذا تثير الخطابات النسوية العربية موجاتٍ من الجدل الشعبوي حولها، لتتشعب في مساحات أكبر وتتشنج على وسائل التواصل الاجتماعي، وتضيع خلالها القضية الجوهرية المطروحة؟ فلا يمكن إنكار أن المرأة العربية بحاجةٍ إلى تغيير هذه القوالب التي رسمها لها المجتمع. فالرجل هو الشريك والأبن والزوج والأب والأخ الذي تحتاجه على قدم المساواة كطائر ذو جناحين يحلق عاليا في رفعة وتقدم المجتمع، فلا يمكن لجناح الطائر ان يسير دون الاعتماد على نفس قوة الجناح الآخر.
أخيرا، فان الطريق طويل وشاق، فالسير بخطى ثابته وواضحة سيؤدي الى تغيير تدريجي يبدأ من الجذور الاجتماعية التي أنتجته. فشكرا للجمعية الوطنية لحقوق الانسان الكويتية وشركة ادماج لاستشارات التنمية والمسؤولية المجتمعية على رفع الوعي للتوازن الجندري في الاعلام ولدى النشطاء اذ على عاتقهم تبدأ عملية التغيير الحقيقية، من خلال تكريس ثقافة إعلامية تعتمد مبادئ حقوق الإنسان واحترام كرامة المرأة وضمان حق النساء في التعبير والدفاع عن قضاياهن ومعالجتها بموضوعية ومهنية؛ وتفعيل التواصل والتعاون بين وسائل الإعلام المختلفة، والجمعيات النسائية، وكل هيئات المجتمع المدني التي تعنى بقضايا النساء.