يثور جدل واسع النطاق منذُ شهور وسيتواصل لشهور قادمة حول آفاق الاصلاح السياسي في الأردن.
فالأردن مُثخنن بأزماته لا يحتاج إلى مزيد من مسببات التلبك السياسي داخلياً ... فالاجدر اذن هو تأهيل المشهد السياسي بلغة واضحة ومفيدة وتشريح مواطن الخلل وحقنها بالعلاج اللازم لبث أكسير الحياة داخل العقل السياسي الأردني
فالعمل السياسي الاردني يعيش في حالة فقدان وزن بسب الحيرة والتردد واضطراب الرؤى وتعدد المدخلات المتناقضة بحيثُ أصبحنا غير قادرين على أستيعاب حقيقة المخاطر التي تُحيط بنا وتهدد مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة
فالنهج الليبرالي الأقتصادي والسياسي والذي قاده مجموعة من المراهقين منذ سنوات أدى إلى الأنفلات المُطلق بأفساد المُجتمع وأضعف الدولة وشل مؤسساتها
فالعربة أمام الحصان عنوان يُلخص وضع الأصلاحات في الأردن ... فمشكلة البعض تكمن في أنهم يقدمون العربة على الحصان ، وينتظرون منه أن يدفع بها إلى الأمام .. ثم يكتشفون متأخرين أن الحصان يجر العربة إلى الخلف وإلى الهاوية لا إلى الأمام... فبعد مرور ٤ سنوات على برلمان عام ١٩٨٩ توقفت عربة الاصلاح السياسي في الاردن و تم وضع الحصان خلف العربة
فهل من المعقول بأننا ومنذ انتهاء عمر مجلس النواب الحادي عشر ١٩٨٩ ونحن ما زلنا نبحث عن قانون أنتخاب مفقود في أعماق المُحيط و تائه في الفضاء الخارجي ؟
ففكرة الأكتفاء بأخراج قانون أنتخاب حالياً برائي هي عميلة لنزع الأصلاح السياسي والذي بالأصل يدور في حلقات مُفرغة نتيجة العجز في الفكر الأصلاحي ... فأولوية الأصلاح تبدأ بتعديل الدستور وازالة التشوهات التي لحقت به وإعادته إلى روحه بأعتباره الأساس الذي تستند اليه التشريعات الأصلاحية الأخرى
فمراجعة الدستور هي من ركائز خارطة الطريق الأصلاحية .. فالعبور إلى الأستقرار السياسي والمجتمعي يمر من خلال الدستور .. وهي مرحلة مهمة في طريق الأصلاح
فالدستور الأردني تضمن مواداً كثيرة موزعة على ميادين متنوعة جرى أفراغ بعضاً من محتواها نتيجة التعديلات التي تمت عالدستور ... فبات القول ومحتوى القول شيء .. وجوهر الأصلاح المنشود شيئاً أخر تماماً
فالتعدي على الدستور والخلط بين السلطات وتغول السلطة التنفيذية على التشريعية جعل من الدستور وثيقة ليس لها معنى ..... فما تم من تعديلات دستورية عام ٢٠١٤ و ٢٠١٦ أثارت جدلاً سياسياً ودستورياً وأسئلة كثيرة ... فقد كانت التعديلات بمثابة أنقلاباً على روح الدستور وجوهره بما يتعارض مع نظام الحكم في الاردن بأعتباره نيابياً ملكياً .. وبالتالي متناقضة مع المادة ٢٤ من الدستور والمادة ٢٦ والتي تنص على ان السلطة التنفيذية تناط بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور ... والمادة ٤٠ نصت سابقا. على ان الملك يمارس صلاحياته بأرادة ملكية وتكون الارادة موقعة من رئيس الوزراء والوزير المختص
فالملك هو حامي الدستور ورمز وحدة البلاد وهو المرجعية لتصويب اداء السلطات الثلاث إذا أختل الاداء ... فلا بد من حفظ مكانته وإبعاده عن النقد لتجنيب البلاد فوضى سياسية ... فالملك رمزاً سياسياً جامعاً لمكونات الشعب
فالدستور الأردني يُصنف فقهياً بأنه من الدساتير الجامدة وغالبية نصوصه هي نتاج لنظريات فقهية ودستورية وتجارب شعوب لمئات السنين
فالعبث بالدستور تم بالمبادىء التي يستند اليها وبنظام الحكم السياسي القائم على النظام النيابي الملكي الوراثي ...... فلماذا اذاً يتم تجاهل الحل الأهم والأوضح وهو تعديل الدستور؟ ... فالأصلاح الدستوري هو الدعامة الحقيقة لأي أصلاح أقتصادي وأجتماعي وثقافي وسياسي
فالنزول من على الشجرة يستدعي فوراً سماع أصوات الناس .. فأعظم تحالف هو التحالف مع الشعب .. وأرسخ مُصالحة هي المصالحة مع الناس وقيمهم
فأشراك الناس في مصائرهم وانشاء آليات دستورية قوية هو الأصلاح الأقل كلفة والأكثر أماناً
فالنصوص على ما يبدو لا زالت خارج المشهد وخارج القراءة ... فأهمال الأصلاحات بشكل عام ساهم في تغذية مشاعر الأحباط والتذمر وإدى إلى إستفحال الفساد وغياب العدالة الأجتماعية واللامساواة
فالاردن ومنذ سنوات يعيش حالة من الفراغ السياسي لأسباب عدة نعرفها جميعاً.. منها على سبيل المثال ضعف المجالس النيابية و تزوير الانتخابات و اسناد دور البطولة للهواة و المراهقين .. فالخروج من ذلك الفراغ لن يكون الا عبر اطار سياسي يسمح بأعادة التوازن في الحياة السياسية الاردنية .. والأسترشاد بالجغرافيا السياسية ومخاطرها
فمعسكر الأصلاح في الاردن ليس لديه القدرة على انتزاع موقع مؤثر في معادلة القوى على الارض .. فالنظرة الواقعية لذلك المعسكر تقول أنه ينقل أقدامه بصعوبة هائلة في رمال صحراء سياسية قاحلة
ومهما قيل عن الأصلاح فأن هذا القول يظلُ قاصراً عن أستيعاب سقفه الذي يرتفع بأستمرار .. لأنه مرتبط بالحرية والكرامة والعدالة
فهناك ادراك لمدى ضعف وهزال قوى الدفع نحو الأصلاح والتي هي بالاصل ضعيفة وتتراوحُ توقعاتها للأصلاح السياسي بين التراجع خطوات مؤثرة للخلف أو التقدم خطوات غير مؤثرة للامام
فتقطيع الوقت و الهروب للامام سيعود بحليمة بأن تعود إلى عادتها القديمة.
اقرأ أيضًا : توجيه من السيسي بشأن جرحى غزة