يُصدم الأردنيين بين الفينة والأخرى بأخبار عن وظائف رفيعة المستوى في الدولة ذهبت إلى إبن فلان أو علان .. أو صهر أو نسيب
فتسلل تلك الأسماء لم يكن وليد الصدفة .. فقد تم من خلال التوريث والزواج السياسي وعلاقات المُصاهرة والقُربى والصداقة والشللية ، وبمرحلة مبكرة من عمر الدولة الاردنية وعمل على تفريخ الكثير منهم .... رغم أنه وللحق منهم من كان له حضوراً متميزاً وشهد له القاصي والداني ... وأخرون كانوا من الدرك الأدنى من سُلم الأرتقاء السياسي وتميزوا بعقلية أقطاعية
فقد تعودنا في الأردن أن غالبية ممن وصلوا إلى أعلى الوظائف يحاولون أن يطمئنوا على مستقبل أولادهم بتأمين مستقبلهم والترويج لهم وتقديمهم على أنهم قادة المستقبل
فلا مجال للاستغراب والحيرة والاندهاش فقد بتنا أمام وعلى أعتاب تشكل للاقطاع السياسي من جديد وبأسماء أخرى لم نعتد عليها سابقاً
فالتوريث السياسي له قانون خاص لا نعرف عنه شيئاً لأنه لا يُرى بالعين المُجردة .. فقد تجاوز وتعدى كل القوانين الناظمة
وهكذا على ما يبدو تسيرُ الأمور .. وأصبح الواقع يقول أناس من حقها أن تعيش وتأخذ من الدولة ما تُريد .. وأخرون ليس لهم الحق بأي شيء...... فقد باتت صلات القربى والمُصاهرة والزواج السياسي والتوريث أحد الروافع السياسية .... وأصبحت تلك الظواهر ثقافة عامة وطالت مجالات كثيرة وتعدت حدودها بأكثر من اللازم .. وصار من الواجب وضع حد قانوني لها
علماً بأنها نتاج للبيئة السياسية القديمة في ممارسة السياسة بالتدوير والتوريث بشكل أفقي
فالتاريخ السياسي الأردني تم بنائه بتركيبة خاصة ومميزة في توريث المناصب وتوزيع جوائز الترضية من خلال حسابات تزكية ومُجاملة
فالأمعان في عملية توزيع تلك الجوائز بات موضع تذمر كافة الناس ... والخوف من تحول الدولة إلى أقطاعيات عائلية تُسيطر على مفاصل الدولة وتستنزف مقدراتها
والسؤال الذي يطرحه الجميع هل مصير البلاد والعباد غير مضمون أو في خطر في حال غياب الموروثين والاصهار والانساب وابناء الذوات ؟ وهل سيتم أقتراضهم من من التاريخ لأصلاح المستقبل ؟ وهل علينا الأعتذار لتاريخ دولة توقف عندهم ؟
فالوطنية في الاردن أصبحت كلمة جوفاء مُثيرة للسُخرية والضحك .. وهي فقط للفقراء والبسطاء
فعندما يُدرك الفقراء والشباب العاطلين عن العمل أن كل شيء يُدار لحساب نخبة وليس لحساب شعب .. حينها يصبح الفرد منهم غير قادر على التضحية من اجل وطنه
فما يجري بين وقت وأخر من فورات غضب وأحتجاج ما هو إلا رسائل يأس بأننا نريد أن نعيش بكرامة .. وان يتم أخراجُنا من ذهنيات الرعية إلى ذهنيات الرعاية
فهذا الجيل ضاع فيه الأمل وتتالت بصحبته الهزائم وسُرقت أحلامه في وضح النهار ... فقد حاولوا ومنذ وقت طويل أن يمسكوا باطراف الوطن لكنهم لم يستطيعوا ... فباتوا يبحثون عن وطن لا يشكون فيه من ظُلم أو جوع أو فقر ....... فلا يمكن أن يكون الوطن بالنسبة لهم مجرد مكان للاقامة أو أسم يضعونه على بطاقة الهوية أو جواز السفر
فما أقسى الشعور بالغربة وانت تعيش داخل وطنك ... فالشعور بالخوف من المستقبل داخل الوطن غربة
فحينما يبكي شبابنا لا يسمع أنينهم أحد ... ولطالما سئلت نفسي لماذا ابناء الفقراء والبسطاء هم المطلوب منهم الدفاع عن الوطن في حالة تعرضه للخطر لا قدر الله .... فخلال شهر رمضان الكريم أُتيحت لي الفرصة لقرأة كتاباً للبروفيسور الأمريكي في جامعة كولومبيا Joseph Stieglitz أسم الكتاب ( ثمن غياب المساواة ) وهو مترجم للعربية انصح من يهمه الامر بقرأته والتمعن به
ففي مصر وقبل عام ونصف قضت محكمة القضاء الاداري بالاسكندرية بمنع قيام المسؤولين في الدولة بتوريث الوظائف لأبنائهم وعلى حساب ابناء الفقراء والبسطاء ... فقد قضت المحكمة وفي حُكم الأول من نوعه في الوطن العربي بأحقية نجل فلاح بسيط من محافظة البحيرة المصرية في الحصول على وظيفة على حساب نجل مسؤول كبير في الدولة أخذ حق ابن الفلاح البسيط
والمحكمة قالت في حيثيات حُكمها أن المشرع المصري ألزم الدولة بتحقيق تكافىء الفرص بين جميع أفراد الشعب دون تميز ... وألزم الدولة باتجاه التدابير اللازمة على القضاء على كل اشكال التميز