فشلت مفاوضات الفرصة الأخيرة المتعلقة بـ «سد النهضة» قبل أيام، وبدأت الأزمة أمام خيارات مفتوحة دون قيود، وتصريحات ما بين التهديد والوعيد والتي وصلت الى حد الحرب المروعة بالتوازن مع الدعوة الى التعاون والتفاهم.
للتذكير في هذه العجالة السريعة، بما جرى خلال الأيام الماضية، فقد فشلت مفاوضات كينشاسا حول قرار أثيوبيا المضي قدماً في الملء الثاني لسد النهضة في تموز المقبل، وعدم تلبية مطالب القاهرة والخرطوم بعقد اتفاقية تضمن حصتهما السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب، على التوالي، ورفضت أثيوبيا حل «الوساطة الرباعية»، التي تشمل أطرافا أوروبية، وأميركية، للتوسط بين أطراف النزاع.
واختتمت مفاوضات كينشاسا في 6 نيسان الحالي بفشل ذريع، واتهمت كل من مصر والسودان، إثيوبيا بـ"غياب الإرادة السياسية» للدفع بالمحادثات قدماً تجنباً لأي خيار لا يحمد عقباه.
رئيس وزراء أثيوبيا آبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام، يبدو أنه عاجز هذه المرة عن تحقيق السلام، ويصر على المضي قدماً مُعرضاً منطقة الشرق الأفريقي للتوتر وخطر اندلاع حرب مدمرة، ويقول: لا نريد أن نعيش في الظلام.. نحن بحاجة إلى مصباح.. لن يضرهم النور بل يمتد إليهم.
واضح أن أثيوبيا بدأت تراوغ وتلعب على وتر الوقت، وتسعى خارج إطار الاتفاق القانوني الملزم للحصول من مصر والسودان على اعتراف ضمني منهما بالملء الثاني للسد من خلال عرضها قبل يومين، على القاهرة والخرطوم، تبادل المعلومات حول ملء السد، وهو الأمر الذي بدا واضحاً للقيادتين المصرية والسودانية، ولا ينطلي على أحد.
اليوم، تنحصر أزمة سد النهضة أمام خيارات قليلة وخطيرة بذات الوقت، ومن بين أوراق الضغط هذه، اللجوء إلى مجلس الأمن، بهدف إصدار قرارات ملزمة لكل الأطراف، تعيد المفاوضات إلى مسارها الصحيح تحت مظلة دولية، وذلك وفقا للمادة السادسة والثلاثين من ميثاق المجلس، كما يمكن لمجلس الأمن، وفق المادة الثامنة والثلاثين من ميثاقه، فرض وساطة دولية أو إصدار قرار تحكيمي بشأن الخلاف.
وتمتلك القاهرة والخرطوم أوراق ضغط أخرى على أديس أبابا، مثل الورقة الاقتصادية، إذ يمكن للسودان ومصر تفعيل ورقة وقف التمويل الدولي لسد النهضة، وذلك استناداً لعدم جواز تمويل السدود التي عليها خلافات.
ولعل الخيار الأسوأ ما عبر عنه الطاهر أبو هاجة، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الذي دعا الى ضرورة تدخل المجتمع الدولي لحل الأزمة، قبل تحولها إلى حرب مروّعة، بينما الرئيس المصري قال: الأفضل ألا نصل إلى مرحلة المساس بنقطة مياه من مصر لأن الخيارات كلها مفتوحة.
إلا أن خيار الحرب، يبقى صعباً وفق ما أبلغني به دبلوماسي سوداني، مرتكزاً الى واقع أن أثيوبيا الآن هي دولة محورية في المنطقة ومهمة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وتحظى بدعم كبير ومطلق منهما، وأن السودان ومصر أمام هذا الدعم يجعل الخيار العسكري أشبه بالأمر المستحيل وهو ما تدركه أثيوبيا ويجعلها متعنتة في موقفها.