حاولت ومنذ يومين الكتابة ووجدت نفسي متعباً وعاجزاً لأن ما أراه لا يكاد يُصدق ..
فما يحدث الآن ليس صدفة وليس وليد اللحظة .. ولعل المتابع للمشهد الداخلي في سياقه الحالي يصطدم بأسئلة لن يجد لها جواباً وسيجد ضبابية حولها.
فالإستقرار الكامل بكافة صوره هو عامود فقري للأردن وهو ليس أداة يمتلكها أحد وإنما هي حالة من الأريحيّة يشعر بها كافة الأردنيين تُنتج من خلال إرادة سياسية.
فطوال سنوات ماضية كان للأردن نموذجه الخاص لمفهوم الإستقرار وهو نموذج يجمع بين الحفاظ على الخشونة وفي الوقت نفسه يسمح بهامش من الحرية السياسية المُتحكم بها والمضبوطة .. والناس ادمنت العيش تحت وطأة عدم الاستقرار حتى أصبحوا فاقدي الأمل ولا يثقون بأحد.
و أصبحت الحريات العامة الآن لا تعلو سقف غرفة ... والأيام القادمة تتطلب الحكمة فالإقتراب من الناس التي تتألم عندما تُعبر عن نفسها هو بمثابة جنون.
فالتفكير خارج الصندوق بات الأفضل والأكثر لمعاناً .. فصناعة الإستقرار هي أولاً وأخيراً مشروع إصلاح.
فالدولة اليوم في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في مفهومها للإستقرار وهذا ما يفتقده الأردن اليوم .. وهو أحد الأسباب لما يحدث الآن .. والعقل السياسي مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بإعادة صيغة رؤية ووعي جديدين لمفهوم الإستقرار بشكل عام يقوم على بناء ثقة حقيقية ومصالحة كاملة بين الدولة والمجتمع .. وهذا يستدعي مبادرات حقيقية وشجاعة توفر جواً مواتياً لذلك.
فالإستقرار ليس فقط الحفاظ على الأمن وإنما هو مجموعة من التدابير السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية تراعي حاجات الناس وحقوقهم في حرياتهم وكرامتهم.
فإستقلال الدول لا يُقاس فقط بقوة أجهزتها وإنما بمستوى انخراط الناس في الحياة العامة وثقتها في مؤسسات البلاد .. فمصلحة الأردن تكمن في سياسة متوازنة في الداخل والخارج.
فما يشهده الأردن هذه الأيام أشبه ما يكون بحادث اصطدام ناتج عن تعثر عملية الإصلاح الحقيقية .. فما تعيشه البلاد من حراك شعبي لا يجب أن ينظر إليه على أنه سلبي يهدد الإستقرار وإنما هو نوعاً من الدينامية التي يميز بها الأردنيون.
فالحاجة ماسة لإدراك وفهم الإنتقال من حالة الفوضى في الأحوال والأفكار إلى حالة الإستقرار ووقف نزيف الفوضى المجنونة .. فلم تكن الأردن في فوضى أكثر مما هي عليه الآن .. وهي مرحلة تتطلب رؤية ثاقبة وخارطة طريق ... فمن الأولويات حالياً هي مسألة إعادة الثقة بين الجميع.
فمن يتأمل في وضعنا الداخلي لا بد أن يستغرب ويتساءل هل هذا ما وصلنا به ؟ فلا أخال أحداً يعجبه ما وصل له حالنا حالياً .. ولا أخال أنه لا يسأل ماذا يحدث ؟ فسؤال ماذا يحدث هو سؤال منطقي ومشروع لأن حالة فقدان البوصلة أثّرت علينا جميعاً .. فما زلت أنا و غيري نبحث عن إجابات حقيقية لأحداث كثيرة حدثت و تحدث حالياً.
فقد كنّا سابقاً نبحث عمن يفسر لنا الأحلام .. والآن أصبحنا نبحث عن من يفسر لنا الواقع ... فالإمتعاض وعدم الإعجاب هي حالة منطقية .. فالضغوط النفسية والإقتصادية عند الناس وصلت مؤشرات خطيرة جداً ... فالناس مُنهكين لكنهم بنفس الوقت يبحثون عن استقرار الفوضى والهدوء الإجتماعي.
فحاجتنا إلى الإستقرار اليوم وغداً أكثر إلحاحاً وضرورة من أي وقت مضى .. فهناك عناوين سياسية أخرى لأزمات طارئة تتطلب المعالجة بالحكمة .. فالإستقرار هو وليد الحياة السياسية .. والفوضى مصطلح لا يكاد مُفكر أو سياسي أو اقتصادي إلا ويدرك مدى خطورته.
فإلى متى ألم يحن الوقت ليفيق الجميع من نومهم العميق الذي طال كثيراً .. فالخلط في الأدوار أربك المشهد والإعلام أصابه الخوف والتخبط وبدا كأنه يعاني من الإنفصام وأزماته حادة ويزيد من حدتها عدم الوضوح .. وهذا مؤشر على أن الإعلام بيد هواة ممن تم إسناد دور البطولة لهم .. فهم دوماً يقفزون فوق السراب ويبحثون عن ذئب يتهمونه بدم يوسف كون الغاية تُبرر الوسيلة.
ففي الأردن حصرياً لا توجد حقيقة مطلقة حتى لنفس الحدث طالما هناك تزاحماً لأنوف زاكمة حول المكريفونات والشاشات .. فلا أقسى على الناس من أن نكذب عليهم.
فلحظة العاطفة يبنبغي للعقل أن يبقى حاضراً فالبحث عن الدواء يستدعي منا تشخيص الداء .. فجوعنا للإستقرار بات ضرورة مُلحة تحتاج إلى إعادة النظر في كل ما يحدث وإرجاع البعد السياسي إلى واقعه وخلق مفردات جديدة تعبر عن واقعنا الحالي بطريقة جديدة.
فالكتابة في الأزمات تتطلب المسؤلية والأخلاق والوقفة مع الذات .. فالصورة ليست كلها مظلمة وحتى الظلمة بها طاقات نور والمساحة للعمل ما تزال واسعة من داخل الصندوق وخارجه .. والمُهم أن نبدأ ونعمل بتفكير.
ومصطلح لنفتح غطاء الطنجرة لنرى ما بداخلها استعملها المرحوم الملك الحسين بعد أحداث هبة نيسان عام ١٩٨٩ والتي أدت إلى عودة الحياة السياسية والنيابية وإلى إصلاحات جذرية سياسية واجتماعية واقتصادية .. وتم إجراء انتخابات نيابية حرة غير مزوّرة ، وكان لدينا مجلس نواب من أقوى المجالس بتاريخ الأردن الحديث شهد له القاصي والداني وما زال الجميع يتغنى به.