يستحق التعديل الوزاري على حكومة الدكتور بشر الخصاونة الوقوف عنده .. فالتعديل كان بمثابة رسائل سياسية داخلية وخارجية ولها دلالات في زيادة التمثيل للمكونات الاخرى المحترمة من فئات الشعب الاردني ... علماً بأن الشعب الاردني من كافة اصوله ومنابته لم يعُد يلتفت لتشريح الاسباب والمُسببات فقد تجاوز مرحلة الدهشة في وقت يكاد أن يفقد فيه الامل بأمكانية الاصلاح وتحقيق طموحات الناس
فالمُحاصصة والديموغرافيا لعبت دوراً كبيراً في اختيار الاسماء وكانت حصة الترضيات واضحة جداً
والتعديل لن يقدم أو يؤخر شيئاً في المشهد السياسي والاقتصادي .. فدخول وخروج الوزراء لم يعُد لافتاً لأنتباه الاردنيين خصوصاً في ظل معناتهم المعيشية
فأنا حقيقة لست في صدد تقيم الوزراء الذين خرجوا في التعديل الاخير فهم جميعاً قامات وطنية مُحترمة ولها تاريخ ... فمسألة التعديل لم تكن هينة فقد رافقها تجاذبات سياسية وازمات عميقة بخصوص اقالة الوزيرين التلهوني والمبيضين والتخمين الابرز الذي طغى على الساحة هو ان الامر تم بفعل فاعل وكان الاسلم للرءيس ان يتجنب ما حصل
فالذي اعرفه عن الرءيس انه شخصية تُحب ان تتعامل مع الملفات المهمة بهدوء وعقلانية وأهم ما يميزه انه لا يهوى سياسة كسر العظم
فالتعديل الاخير كان مرده الى الضعف الذي سجله بعضاً من الوزراء المغادرين ... فهناك وزراء غابوا وهم كُثر رغم نجاحهم وهناك عدد قليل ابعدوا عن المشهد كونهم وزراء تازيم
وهناك منهم من نال وحصد نسباً عالية من الرضى الشعبي مثل الوزير محمد داودية الذي دخل عشاً للدبابير وفتح ملفات صعبة وبكل جرأة وكانت لديه رؤاً ثاقبة
فالخلطة الجديدة للحكومة لم تأت بوزراء أقتصاديين أو خبراء ماليين من اجل دفع عجلة الاقتصاد وتفعيل جرس الاستثمار ... فبعد خروج الوزير طوقان بناء على رغبته اصبح الملعب وحيداً لوزير المالية محمد العسعس لقيادة الفريق الاقتصادي
فالتعديل خرج على ابجديات التعاديل القديمة المتعارف عليها فقد تم ادخال شخصية عسكرية اتت من ادارة الازمات لقيادة وزارة الداخلية والتي تم تغير ثلاثة وزراء بها خلال خمسة اشهر ... فالخطوة كانت جريئة للغاية في استثمار خبرة العسكريين
والمفارقة في التعديل هو تولي الدكتور ابو قديس وزارة التربية والتعليم اضافة الى التعليم العالي والذي يحتاج الكثير من العمل للنهوض به والدكتور ابو قديس خبيراً بهذا الموضوع وتاريخه يشهد له
فوزارة التربية والتعليم بحاجة الى وزير متفرغ لها ... فلها تقاطعات وبها بيروقراطية تجذرت عبر سنوات طويلة وتحتاج الى تغيرات في معظم قدراتها الفنية والادارية والمالية
فواضح جداً ان الكرت بلانش في التعديل هو تولي الوزير النجار حقيبة وزارة المياه والري والتي تسلمها قبل ذلك مرتين ... فوزارة المياه من اكبر الوزارات المهمة من حيث الحجم وانتشار الخدمة بعد التربية والتعليم
فالوزير النجار وللحق تحقق في عهده سابقاً نقلة نوعية لقطاع المياه والري فقد هدم البناء الفاسد وازال العفن المتراكم والتقيُحات والتشوهات التي اصابت جسم الوزارة واعاد تصويب الخلل بما يضمن الاستمرارية وكان شعاره البقاء لمن يعمل ولمن يُنجز ويتميز ......فدخول النجار من شأنه اخراج القطاع من غفوته واعادة الحيوية له بعد ان تراجع كثيراً على كل الاصعدة في دعم الاقتصاد الوطني والاستثمار
اما بخصوص وزارة النقل فالتغير المستمر يعطي انطباع بأن الدولة لا تولي هذا الملف اهتماماً وبات موقع وزير النقل عبارة عن جائزة ترضية لا اكثر ... فصناعة النقل هي الدعامة الرءيسية التي ترتكز عليها برامج الدولة التنموية ... فهناك شبه اجماع عالمي على ان الدولة القوية هي التي تمتلك قوة كبيرة في وسائل النقل لديها ... فالخطأ الكبير كان خروج الوزير الخيطان المختص أصلاً بشؤون النقل بخبرة تجاوزت الثلاثون عاماً
وعلى الرغم من الاستقبال الباهت من قبل الاردنيين للتعديل الوزاري إلا ان وجود عدد من الاسماء في الحكومة قد يساعد في تشكيل مطبخ سياسي .. فعلى سبيل المثال فالوزير الجديد المهندس صخر دودين والذي تم البدء من قبل الدولة بالاستثمار به كونه شخصية سياسية هادئة وليس من الشخصيات التي تُمارس هواية الانجرار وراء تيارات المشاكسات والمُطاحنات السياسية
فسابقاً ابتلينا بوزراء ورؤساء حكومات قادمين من المجهول ومن خارج دائرة الاهتمام الشعبي وغالبيتهم كانوا مادة دسمة للسخرية والتندر
فالمرحلة القادمة مغلفة بالكثير من الغموض والغيوم ومعالمها ضبابية خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي ... فقد خفت حماسة الاردنيين لممارسة لعبة التوقعات فهم يعيشون ظروفاً معيشية مؤلمة وصعبة .. فرسالة التعديل يجب ان يكون محتواها هو تحقيق الاستقرار في الشأن الداخلي من خلال البدء في عملية الاصلاح واتباع نهج جديد وسياسات جديدة والاولوية لا بد ان تتمحور حول التركيز على مواجهة الوباء وعدم بعثرة الجهود وتشتت البوصلة واحداث تطور حقيقي في اداء الحكومة وفِي تطوير اليات صُنع القرار