كثيرون هم أولئك الذين يرحلون عنا يومياً دون ان نحس بفراقهم .. غير من بين الراحلين من يترك اثراً موجعاً في نفوسنا لا يخففه سوى القناعة بقضاء الله وقدره
فلم يكن شخصاً عابراً في الحياة السياسية والعسكرية بل كان رجلاً استثنائياً وحضي بمكانة لم يحظ بها آخرون ... فعندما تقف إلى جواره تشعر براحة واريحية مستشعراً هيبته
غادرنا ابو سهل في الزمن السيء .. فقد غاب جسده المُنهك وأغمض عينيه غماضتها الاخيرة مودعاً الاردن .. ملوحاً بيد الوداع لكل اردني .... فقلب عبدالهادي ما عاد يحتمل الاستمرار في الخفقان وسط كل هذه القلوب الميتة
لقد أحسسنا بغيبوبة عميقة أخذتنا إلى مكان بعيد وسئلنا أنفسنا هل حقاً الموت خطف ابو سهل دون رجعة ؟ وذهب ولن يعُد ؟ فقد ترجل في ساعة لم يحتسبها الزمن
فما اشد رجفة حزن القلب ودمع العين على شيء لن يعود
لقد ظُلم ابو سهل وبقي حتى أخر ذرة من عمره مطيعا للملك ومُخلصاً للوطن .... وكان متسلحاً بالصمت وكان دوماً يُردد أن قوة الحق أبقى من حق القوة
فقد رحل ابا سهل في زمن الصمت وترجل من صهوة الحل والترحال وغادر إلى مثواه الاخير دون ضجيج ومضى إلى لقاء ربه صامتاً ... فقد كان رجلاً ذَا صفات غير عادية ولَم يكره احد ولَم يظلم أي انسان حتى أولئك الذين خذلوه وأساءو اليه وتعرض للظلم نتيجة ازدواجية المعايير السياسية ...
فهو ليس أسماً عابراً وليس محطة عبور ... فهو الجنرال الذي خلع بزته العسكرية ودخل آتون السياسة والعمل الحزبي .... فابو سهل لم يكن معارضاً لكن لم يهضمه السيستم .... فمن منا لا يتذكر ما قاله ابو سهل وكان ذلك مُبكراً عام ٢٠٠١ عندما اطلق دعوات ومطالبات أثارت رودود فعل غاضبة دعا فيها إلى مراجعة شاملة وهادئه تضع النقاط على الحروف في كل الشؤون المفصلية التي تؤرق الاردنيين حول مستقبلهم
كان عبد الهادي شخصية كريزماتية يتفق عليها الخصوم قبل الاحبة .. فغالبية خصومه ناصبوه العداء وسعوا للنحت من قدراته على المضي الى الامام .... وتحمل الكثير وجابه الخصوم بالمنطق والحجة وكان مؤمناً ان التاريخ لا يرحم وكان رهانه على الزمن ..... فقد أختلف معه الكثيرين ولكنهم لم يختلفوا عليه
كانت قناعته ان الاصلاح بلا قيمة يبقى تنظيراً ... وكان خطابه السياسي متميزاً بالوضوح والاستقلالية وكانت رؤيته أثناء قيادته لسدة البرلمان هو حماية المواطن الاردني من شطحات الحكومات ... وكان يعمل ان يكون مجلس النواب في صف الاردنيين ينصفهم لا يحبطهم
كان جنرالاً لم يلبس وطنيته بخيانة أو تفريط وكان سياسياً عنيداً وبوصلته واضحة ولَم يترك ساحات العمل الوطني ولَم يتقاعد ... حفر اسمه في تاريخ الاردن عبر ارث عسكرياً وسياسيا واجتماعياً وترك بصمات لا يمكن ان تمحوها الذاكرة .... فالاردن كانت دوناً حاضرة في قلبه
عبدالهادي المجالي كان رجلاً لم يشبهه إلا القليلون من الرجال صدقاً ووفاءاً فهو من الرجال الذين اجتمعت القلوب على محبتهم فقد ملك كل شروط الاقامة الدائمة في القلوب
كانت لديه كاريزما طاغية وكانت كلماته تخرج أحياناً منه كالسهم تفك بعضاً من الطلاسم وكنت تسمع من صوته الثقة في النفس لا يفرض عليك تفكيره ولا يقصي تفكيرك في الزاوية ... كنت تشعر معه بدفء اللقاء وادب الحديث مع الحزم بالقرار ... وكانت طموحاته للوطن لا تستوعبها الايام والسنون
قولت لي في أحد اللقاءات أن القادة الحقيقين لا يهبطون بالمظلة من السماء كاملي الاوصاف والقادة والرموز تخرج من رحم المؤسسات والتيارات السياسية بعد فترة حمل تجعل من هذه الولادة ممكنة
لقد اتعبت نفسك وجسدك بقضايا كثيرة ولَم تشتك ولَم تختر الابحار في عالم السياحة وبقيت يقضاً بعقلك وجسدك ........ فاللأسف فقد تعطلت بالاردن عملية انتاج الرموز وتم اسناد البطولة في بعض الاحيان الى الاقزام والهواة
لن ننسى صورتك فالصورة في مكانها والهيبة تملأ المكان والحزن العميق لون كل شيء الرمادي وغير طعم كل شيء ... فالمُصاب جلل والرزء عظيم وأن ارادة الخالق على عباده لا ترد ولا تصد ..... فكلنا بواكٍ باكين ومبكين فهل يرد البكاء عزيزاً .... فما أصعب أن نُبكيك يا ابا سهل ... لكن لا نقول إلا ما يرضي الله انا لله وانا اليه راجعون